كريم مولاي: النظام الجزائري وإدمان الفشل

كريم مولاي: النظام الجزائري وإدمان الفشل كريم مولاي
ما الذي يجري في الجزائر؟ ولماذا كل هذا الغموض حول مصير الرئيس المنتخب أو المعين عبد المجيد تبون؟ ولماذا فشلت دولة الاستقلال على مدى العقود الستة الماضية من الاستقلال في بناء منظومة صحية يمكنها على الأقل أن تعالج رأس الدولة؟
وماذا عن الأنباء المتواترة عن نقل رئيس أركان الجيش السعيد شنقريحة إلى سويسرا للعلاج؟ ولماذا تتزامن هذه العلل مع تزايد المؤشرات عن اقتراب انتهاء ملف المعتقلين من جناح الرئاسة والمخابرات؟
لست أشك للحظة واحدة أن صراع الأجنحة الدموي، الذي تعيشه الجزائر منذ عقود، مازال يتم على قدم وساق، ومازال يحصد أرواح عشرات الضباط الصغار فضلا عن عدد من الرؤوس التي تساقطت بشكل دراماتيكي وجنوني، إلى حد أن لا أحد حتى الآن يمكنه أن يصدق أن من كان يسمي نفسه بـ "رب الجزائر" قد سكن غرف السجون التي كان قد أشرف هو نفسه على تعذيب المئات فيها!؟
ولم يكن مفاجئا لي، وأنا المتابع الحصيف لتطورات الوضع في الجزائر، ما كشفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن انشغال بالأوضاع في الجزائر، وحديثه عن الحراك الثوري، ثم الأنباء التي تداولتها بعض وسائل الإعلام الفرنسية عن أن الجزائر تعيش مرحلة انتقالية لما بعد الرئيس عبد المجيد تبون، الذي لم يمض على توليه منصب الرئاسة سوى أشهر معدودة.. فزيارة وزيري الداخلية والخارجية الفرنسيين إلى الجزائر ولقائهما بالمسؤولين الجزائريين، تؤكد بوضوح أن اتهامات العمالة لفرنسا واتهام جناح التوفيق بالتواصل مع فرنسا للانقلاب على جناح الجيش أيام الراحل قايد صالح، كانت عبارة عن مسرحية ممجوجة، لم يصدقها إلا الغافلون..
وما زاد الطين بلة، هذا الفيروس القاتل، الذي عرى الجميع، وأثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن ما كان يسمى بـ "الدولة" في الجزائر لم يكن إلا شعارا كاذبا لم يستطع أن يحمي قادة النظام فضلا عن شعب الجزائر، الذي مازال شبابه يغامر بحياته من أجل ركوب سفن البحر سعيا وراء سراب الحياة الكريمة شمال المتوسط.. 
ولعلي لا أضيف جديدا، إذا قلت بأن جناح الجيش وأنصار فرنسا، وظفوا بكثير من الحرفية والوحشية في آن، فيروس كورونا للتخلص من خصومهم في جناحي المخابرات والرئاسة، والآن يريدون الزج بالمنطقة كلها في أتون حرب إقليمية، من خلال تحريض عناصر البوليساريو، الذين دربتهم ومدتهم بالمال والسلاح من أجل قطع الطريق أمام حركة المرور بين المغرب وموريتانيا في معبر الكركرات.. والشعار الذي يتم رفعه زورا هو دعم الحق في تقرير المصير بينما ملايين الجزائريين يعيشون منذ رحيل الاستعمار الفرنسي تحت حكم عسكري مقيت..
وبينما يتسابق العالم والدول التي تحترم نفسها من أجل تأمين مواطنيها من الخوف وإطعامهم من الجوع، وتوفير البنية التحتية الملائمة لذلك، اختار حكام الجزائر على غير مثال سابق، أن يحولوا جيشنا إلى ميليشيات مسلحة لتنفيذ أجندات استعمارية في منطقتنا الإفريقية، وأن يكون ذلك وفقا لدستور تم فرضه بقوة السلاح.. وهنا ستكون تلك الأسلحة التي يتباهى بها قادة الجيش ووكلاؤهم الذين زرعهم في عواصم غربية بذاتها، وبالا على شعب أحب الحرية ودفع من أجل الوصول إليها دماء سالت بغزارة، ولا تزال إلى يوم الناس هذا..
ما لا يريد هؤلاء أن يسمعوه وأن يعوه فعلا لا قولا، أن الدول تكون قوية بشعوبها، وأن شرط هذه القوة مدخلها العدل والحرية والكرامة.. أما أن تهيمن على مصادر الطاقة التي حبى الله بها الجزائر من أجل إشعال الحروب ونشر الفوضى وبيع الأوطان، فذلك مرتع وخيم لا يحصد أصحابه من ورائه إلا الشوك..
ولكم يحز في نفسي، وأنا الذي اخترت المنفى عن طيب خاطر، أن تغيب الحكمة والعقل عن معظم قيادات جيشنا، فيستسلموا لطغمة لا هم لها إلا المغامرة بمصير الجزائر والمنطقة، والدفع بها إلى أتون حرب أعلم أن الخاسر الوحيد فيها هو شعبنا الذي مازال ينتظر أن تتحقق أحلامه في الحرية والكرامة، فلا تخدعوه مرة أخرى بعدو خارجي غير موجود إلا في أجنداتكم وحساباتكم الضيقة..
 
كريم مولاي، خبير أمني جزائري