عبد القادر فلالي: شكل القوة الوطنية الجديد.. الصمود والمرونة

عبد القادر فلالي: شكل القوة الوطنية الجديد.. الصمود والمرونة عبد القادر فلالي

إذا كانت الوجوه التي تحاول استهداف المغرب، أكانوا من الجوار أو من الداخل، لا يأخذون يوم عطلة، فكيف يمكننا نحن إذن أن نرتاح؟

 

في كل عصر جيوسياسي يتموضع شكل من أشكال معينة من القوة الوطنية. في فترة السعديين كان شكل القوة في من يتحكم في البحر، ومن هنا جاءت عبارة الإمبراطورية الرومانية "البحر بحرنا" Mare Nostrum .  فكانت معركة وادي المخازن نقطة مفصلية في الجيوسياسة المغربية وحصّنت المغرب ضد أعتد الإمبراطوريات آنذاك، البرتغالية والعثمانية منذ القرن السادس عشر إلى القرن العشرين. ثم جاءت الحرب العالمية الأولى والثانية، وتحولت القوة في من يمتلك الدبابات، حيث سميت الحرب بـ Blitzkrieg لكثرة استخدام معدات حديدية مُستغنين فيها عن الأحصنة التي استعملت في الحرب العالمية الأولى. فحدث أمر قلب المعادلة السياسية العالمية بانشطار الذرة ثم لحقته الأسلحة النووية وشبكات التحالف خلال الحرب الباردة، والقوة الناعمة بعد الحرب الباردة.

 

بُعد جديد للصمود الوطني

كشفت الحقبة الجديدة التي استهلتها COVID-19 عن ظهور نوع جديد من القوة الوطنية المغربية. إنها قوة الصمود الوطني ومرونته. نوجزها في قدرة الدولة على امتصاص الصدمات المنهجية، والتكيف مع هذه الاضطرابات، والتعافي منها بسرعة. الهدف من الصمود هو تصميم أنظمة ليس فقط حتى يتمكن فاعلو القرارات من تحمل الصدمات، ولكن أيضًا حتى يتمكنوا من الفشل برشاقة والتعافي بشكل جيد.

 

يتردد مفهوم الصمود أكثر من أي وقت مضى في ظل انتشار فيروس كورونا، والمعلومات المضللة المتفشية، والاستقطاب الخبيث لنخب تدعي "السياسة"، وتكالب نظام الثكنة الجزائري. إذا كانت الوجوه التي تحاول استهداف المغرب أكانوا بالجوار أو من الداخل لا يأخذون يوم عطلة، فكيف يمكننا نحن إذن أن نرتاح؟

 

رؤية خلدونية لما بعد الوباء

قد تشمل المؤشرات التقييمية التقليدية لقوة الدول: الإنفاق العسكري، أو حجم السكان، أو الناتج المحلي الإجمالي، ولكن" نادرًا ما تطرقت مراكز المؤشرات إلى عامل الصمود والمرونة. حيث يمكن للدول أن تكون هشة بطرق لا تستوعبها المقاييس التقليدية للقوة، ولكن قوية في الصمود والتحمل والمرونة. إنه التماسك الوطني، إنها تلك اللحمة التي تُمتحن في الشدائد. ابن خلدون لم يرد لنفسه أن يكون راويا للتاريخ، بل ناقدا له جاعلا من العصبية في صلابتها وهشاشتها سببا في بروز الدول وسقوطها.

 

انتبه الآن منظرو السياسة والفكر في أمريكا إلى تحد جديد في الجيوسياسة بعد هذا الوباء. يرى أستاذ العلوم السياسية المخضرم "جوزيف ناي" صاحب فرضية القوة الناعمة، أن "كورونا" كشفت عن نوع جديد من قوة الأمم. إنه الصمود.

 

تاريخ المغرب الطويل من الصمود الحي، منذ الاستعمار الفرنسي، والحرب الباردة العربية التي تزعمها كل من ناصر والقذافي وبومدين الذين بواسطتهم تمت عملية اختراع ميليشيا تندوف، والأوبئة والتعرض للكوارث الطبيعية، برهن على أن صمود المغرب يظهر في سياقات الشدائد.

 

نحو حكامة للصمود

ماذا يمكننا أن نفعل لزيادة الصمود الجماعي لدينا؟ إلى أي مدى تعمل الأنظمة المترابطة والتفاعلية الالتحامية بشكل جيد في تشكيل الأمة المغربية؟ مفهوم الصمود المتمثل في القدرة على التكيف والديناميكية والاستجابة للظروف الجديدة يتجاوز الحسابات الضيقة والخطابات الديماغوجية العقيمة البالية.

 

والصمود ليس مجرد تدابير منهجية للوجود القومي المغربي. إنه أيضًا، في جوهره، شخصي تمامًا. إنه القيادة. الذين يتجاهلون أو يتظاهرون بالتجاهل في فهم قوة الهوية المغربية لن يتمكنوا من فهم مدرسة العلاقات الدولية المغربية الحضارية التي تُؤثثه.

 

الأمن البشري والأمن القومي

وجب الاعتراف بأن الأمن البشري هو الأمن القومي. إن الصمود المجتمعي هو شكل حديث من أشكال الردع ضد أنواع جديدة من العدوان غير العسكري من قبل أعداء الوطن. يبدأ الاستثمار الجيد في توضيب النموذج التنموي المغربي وذلك بالترسيخ الفعلي لدولة الرعاية مُركزة على مشاريع آنية من قبيلها السجل الاجتماعي والتغطية الصحية وصلابة سياسة تعليمية مواطنة والتخطيط للطوارئ والمخاطر المستقبلية.

 

عبد القادر فلالي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أوتاوا - رئيس مجموعة تفكير PoliSens