الراحل حسن المنيعي بعيون برشيد، بهجاجي والرمضاني في "مدارات" التهاني

الراحل حسن المنيعي بعيون برشيد، بهجاجي والرمضاني في "مدارات" التهاني الراحل حسن المنيعي ومن اليمين إلى اليسار: عبد الإله التهاني، عبد الكريم برشيد، محمد بهجاجي ومصطفى الرمضاني

في حلقة ليلة السبت 21 نوفمبر 2020، من برنامج "مدارات"، الذي يعده ويقدمه الزميل عبد الإله التهاني على أمواج الإذاعة الوطنية، والتي خصصها وفاء وتكريما للراحل الكاتب والناقد الأدبي المتخصص في مجال المسرح حسن المنيعي، استضاف البرنامج لتقديم شهادات في الرجل، ومناقشة سيرته كمؤسس للدرس المسرحي بالجامعة المغربية، وإضاءة جوانب من مساره الفكري، كل من الكاتب المسرحي عبد الكريم برشيد، والكاتب والناقد مصطفى الرمضاني، والكاتب المسرحي محمد بهجاجي.

 

"وكأن القدر كتب للثقافة المغربية أن تودع رجالاتها ورموزها، وأن يأخذ الموت منا أحد أعمدة الثقافة والإبداع، ومؤسس الدرس المسرحي بالجامعة المغربية، الباحث والناقد والكاتب حسن المنيعي، الذي عاش مترجما لامعا ومؤطرا للعديد من الأجيال، والذي يحسب له وضع الأسس واللبنة الأولى للدرس المسرحي"، هكذا افتتح الزميل التهاني استضافته لثلاثة شخصيات في الساحة المسرحية بالمغرب على ضفاف "مدارات".

وقدم الزميل التهاني للمستمعين سيرة مقتضبة عن الراحل الذي لقبه جيله من نخبة المثقفين بأستاذ الأجيال، حيث استحضر رصيده الوافر من المؤلفات والدراسات والكتابات والترجمات، التي كان ينشرها (منذ سنة 1963)، بالعديد من المجلات المغربية والعربية وبالملاحق الثقافية بعدة منابر إعلامية (العلم، الاتحاد الاشتراكي، آفاق، أقلام..)...

الراحل الأستاذ حسن المنيعي الذي وافته المنية يوم الجمعة 13 نونبر 2020، كان قد تابع دراسته العليا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، والتحق بمنظمة اتحاد كتاب المغرب سنة 1968، حيث اشتغل بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس (ظهر المهراز).

من إصداراته التي تناولها معد ومقدم برنامج "مدارات"، (كتابات في المسرح والنقد الأدبي/ أبحاث في المسرح المغربي/ التراجيديا كنموذج/ نفحات في الأدب والفن/ هنا المسرح العربي/ المسرح والارتجال/ المسرح المغربي من التأسيس إلى الفرجة/ المسرح والسيميولوجيا/ دراسات في النقد الحديث، الجسد في المسرح..).

 

عبد الكريم برشيد: "بعد رحيلك، لن يكون المسرح كما كان"

"لا يمكن اختزال مسار الراحل في ساعة أو ساعتين أو حتى ملايين الساعات، إنه رجل عالم وفنان، مثقف مغربي كان له إلمام كبير بكل الفنون والثقافات، درس الترجمة، وترجم أجمل المقالات والإبداعات"، هكذا تكلم الكاتب المسرحي عبد الكريم برشيد.. مضيفا لقد "عرفته بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس (ظهر المهراز)، كان أستاذا شابا متحمسا، منفتحا على الثقافة العالمية، ومتمسكا بالثقافة المغربية، وكان اهتمامه بالمسرح كبير جدا".

 

وكان حسن المنيعي هو المشرف على بحث عبد الكريم برشيد "نحو تأصيل المسرح العربي"، الذي يعتبره نفس المتحدث نفسه "مشروعه الوجودي والتاريخي" على اعتبار أن "الاحتفالية لها إشعاع في المشرق العربي.."، ليؤكد في حديثه عن الراحل أنه "كان أستاذا لكل الأجيال، وصديقا للناس، شابا لا يشيب، يحمل روح الشباب، يؤمن بالتجريب وبالطاقات الشبابية". مضيفا: "هذا الرجل نهر متدفق، وسخي، لأنه فنان وعاشق للفن، سخي مثل أمه الطبيعة".

 

أجمل ما كان في حسن المنيعي في زمن الستينيات والسبعينيات، حسب برشيد، أنه كان "يؤمن بالحياة وبالتطور والإبداع وبالعمل الثقافي"؛ لأنه كان يعشق المسرح، و"المسرح كان أول مدرسة للديمقراطية في العالم (اليونان) ، واليونان آمنوا بالديمقراطية وأمنوا بالمسرح، لأنهم آمنوا بالحوار"؛ لذلك يؤكد عبد الكريم برشيد أن "الرجل آمن بالحوار، لأن المسرح هو صوت لمن لا صوت له، والرجل كان صوت الناس وصوت الشباب".

 

وعن إبداعاته في الكتابة المسرحية قال عبد الكريم برشيد "لقد أمتعنا بمجموعة من الكتب في كل مناحي العمل المسرحي، لم يكن يستقر على تجربة واحدة في المسرح، دائما ينشد الجديد، ويراهن على الطاقات الشبابية"؛ لأنه كان يؤمن بأن "المسرح له جذور في التربة المغربية، وفي العقلية المغربية من خلال فن الحلقة وسلطان الطلبة والأعياد والمناسبات".. ويتذكر بأن الراحل كان لا يفرط في الحديث عن ظاهرة "الحكواتي الشعبي وعن لحلايقي، وفن الملحون.."، لذلك يعتبر أن حسن المنيعي "أكبر من أن يكون مجرد ناقد.. كان طليعيا، حاملا للواء المسرح المغربي، ولم يكن يؤمن لا باليسار ولا باليمين.. كان طليعيا. آمن بأن الفنان قادر على أن يمشي إلى الأمام".

 

مصطفى الرمضاني: "كان صارما، لكنه قليل الغضب"

في بداية حديث الكاتب والناقد مصطفى الرمضاني، الذي جمعته بالمحتفى به الراحل حسن المنيعي صداقة دامت 45 سنة، قال: "أولا لابد أن أجدد الرحمة على فقيدنا الأستاذ حسن المنيعي، فلم يكن إنسانا عاديا، كان علما من أعلام الثقافة المغربية"، وتوطدت علاقته به حينما علم الراحل بأن الرمضاني يهتم بالمسرح ويمارسه بمدينة بركان، هذه الرفقة يستخلص منها المتحدث بأن "الرجل كان عظيما، يحب المجتهدين والمواظبين، والصارمين في البحث العلمي، لأنه كان حريصا على المواعيد، ومع ذلك كان قليل الغضب"، على اعتبار أن الأستاذ الجامعي مؤسس الدرس المسرحي كان يؤكد على أن "الوقت جزء من البحث العلمي".

 

وكان لمصطفى الرمضاني مع الراحل، حسب شهادته، علاقات علمية وإنسانية واتصالات مباشرة، وشارك معه في العديد من المهرجانات المسرحية، وحضرا معا لتوقيع إصداراتهما، لكن ما لا يعرف البعض "رغم الصرامة العليمة، كان صاحب نكتة، كان رجلا مرحا، يدخل جوانب من المرح في الدرس الجامعي".. لذلك يضيف الرمضاني "أن دروسه الجامعية كان يحضرها طلبة من مختلف الشعب، لأنه كان غزير العلم والعطاء في محاضراته وكان حريصا على الوقت".

 

حسن المنيعي كان "حداثيا في تفكيره، وكان شديد الاعتزاز بإيمانه وبإسلامه"، إلى جانب حداثته كان يؤكد على الجانب الروحي في الإنسان "ارتباطه بثابت العقيدة الإسلامية، وكان يقرأ كل شروحات القرآن... كان مع الإيمان الصافي وليس مع المظاهر". وإلى جانب قيمته العلمية كناقد ودارس ومكانته كأستاذ جامعي "ساهم في تأسيس الدرس المسرحي داخل الجامعة، حيث عدنا نفهم المسرح علميا بفضله"، يؤكد الرمضاني على أن الراحل حسن المنيعي هو "مؤسس الدرس المسرحي الأكاديمي، ولا أحد يجادل في كون المرحوم هو من أسس لذلك بدون منازع". وبفضله بدأنا "نعي وعيا أكاديميا ما معنى المسرح" على يديه وبفضل ما يقارب 30 إصدار "ملأ الفراغ الذي كان يعانيه المسرح المغربي...والنقد المسرحي دشنه الراحل حسن المنيعي".

 

واستحضر الرمضاني في شهادته كون أن حسن المنيعي "هو الذي وجهني في المجال البحث العلمي، وكان له الفضل في إعدادي لأول دكتوراه عربية سنة 1993، كان كريما وسخيا في المعرفة العلمية والفكرية.." والدليل يقول ضيف "مدارات" أن كل الذين أصبحوا "أساتذة يعزى الفضل فيه للراحل حسن المنيعي"، ويعزى الفضل للراحل في "كونه عرف باتجاهات المسرح العالمي، لأنه كان يتقن اللغة الفرنسية بشكل رهيب، واطلاعه على الثقافة الأنجلوساكسونية (المسرح الأوروبي والعربي والمغربي)".. وعن كتابات الراحل أكد الرمضاني "أن 90 في المائة منها خصصها للمسرح المغربي، لأنه كان يؤكد على الاهتمام بالجانب الوطني في الثقافة المغربية عامة والمسرح خاصة".

 

وأكد الرمضاني على أن الراحل كان يقول دائما "أحب مسرحيي وجدة لأنهم جادون وملتزمون"، ولهذا السبب اهتم "بكتابات مجموعة من المبدعين في الجهة الشرقية منهم المسرحي محمد مسكين، وخصص له تقديما لكتابه، وكان دائم الحضور للعروض المسرحية التي يقدمها مسرحيي وجدة".

 

- محمد بهجاجي: "لمنيعي المؤسس والرائد وأستاذ الأجيال"

حيا الكاتب المسرحي محمد بهجاجي الزميل عبد الإله التهاني على مبادرة التكريم لشخصية الرجل المحتفى بتراكماته الإبداعية، معتبرا "أن الحديث عن حسن المنيعي حديث عن أبعاد متعددة، لأنه حمل الكثير من الألقاب.. فهو المؤسس، والرائد، وأستاذ الأجيال في المجال الثقافي".

 

وعدد محمد بهجاجي ثلاثة أبعاد استشفها من سيرة الرجل، حيث قال عن البعد الأول: "نحن نعلم أنه كان أستاذ تعليم ثانوي، ثم انتقل في سن مبكرة إلى التعليم الجامعي بكلية الآداب بفاس كأستاذ جامعي، وسنه لا يتعدى 23 ربيعا"؛ حيث كان "ضمن أول فوج ينتمي إلى طليعة المثقفين المغاربة في الستينيات (أحمد اليابوري، محمد برادة، أحمد المجاطي...)، المدافعين عن الثقافة الجديدة التي تسعى إلى تحديث الدرس الجامعي في مواجهة الهيمنة المنهجية التقليدية المشرقية، وتسعى إلى بناء مغرب حر". مضيفا: "نحن إزاء اسم شيد الثقافة المغربية الحديثة، بمناهج جديدة في التفاعل مع الشرق والغرب، وأخضع النص المغربي لمجال البحث العلمي، وحرص على تدريس المسرح بالجامعة بصفته مؤسسا في هذا المجال".

 

أما بخصوص البعد الثاني في شخصية الراحل حسن المنيعي، حسب شهادة ضيف برنامج في حوار الثقافة والمجتمع، فيتجلى في كون الناقد والباحث "كان يؤطر الكتابة والإبداع، وعرف بكتاباته الغزيرة في مجلة آفاق منذ سنة 1963، ومجلة أقلام سنة 1964"؛ هذه المجلات "هي الحلقة الداعمة للمشروع الثقافي الكبير للراحل، لأنه كان يعتبر النشر مجالا يختبر فيه نشاطه وفعله الثقافي، وانكبابه على الترجمة للنصوص المسرحية.."

 

كان الراحل المنيعي "يترجم نصوصا للناس، حيث أبدع كتبا تتضمن ما يسمى بالإعداد أو الترجمة المباشرة، (كتاب الارتجال والمسرح)، كان مجددا بالفعل، ويربط القارئ بمستجدات الحقل العلمي بالخارج"؛ يوضح محمد بهجاجي؛ مضيفا بأن "مشروعه النقدي اشتغل عبر ثلاثة روافد بصفته (مؤسس ورائد) وجد نفسه يعالج الظاهرة المسرحية في أرض خلاء في أرض بكر"، لذلك يمكن القول "إنه اشتغل على مسألة التأريخ، وتأسيس جهاز مفاهيمي.. لإرساء حركة النقد المغربي (أبحاث في المسرح المغربي و إشكالية التأصيل في المسرح العربي)".

هذا البعد يقرأه محمد بهجاجي في سياقه التاريخي لأنه "لم يكن لنا تاريخ في المسرح المغربي"، لكن الراحل حسن المنيعي "كان مقتنعا بالتاريخ الوطني وبثراته" على اعتبار أنه "أول من انتبه للفرجة الشعبية التي كانت تشكل نواة حقيقية للاشتغال"، لذلك فالمسرح بالنسبة للراحل "عابر، و مرتبط بالفرجة الحية، وبذاكرة المشاهدة".

 

أما بخصوص البعد الثالث في شخصية الراحل، فيميزه ما هو إنساني لأنه "كان صديقا، محبا للناس والحياة، كان متواضعا، عفيف القلب وعفيف اللسان، وكانت له هيبة خاصة". لأن هيبة الفرد "هي القيمة التي يتمثلها مع المحيط"، يؤكد بهجاجي؛ مضيفا بأن الراحل "كانت تسبقه شهرته، لقد أضعناه وافتقدنا ذخيرة ثمينة في هذه الفترة الصعبة".

 

وختم بهجاجي حديثه في "مدارات" بالقول: "كنت محظوظا برفقته.. هذا الحظ جعلني على صلة وثيقة به طيلة أربعة عقود، اكتشفت فيها أنه يتابع كل ما يكتبه الناس، لا يكتفي بالإنصات لما يكتب، يتابع الشباب ويشجعهم.. وهذا هو شعاره في الحياة"..

كنت رفيقه في كل المهرجانات، لكن بعد هذا الرحيل "يبقى كل ما هو جميل، كتبه أولا، ثم العطر المرسل من سيرته؛ وتبقى أيضا صورة المثقف الذي يحب وطنه، ويخلص لمهامه ومهنته؛ وكذا صورة المثقف الذي يعتبر أن قيمتنا في الكون هي القيمة التي تنتصر لقيم الخير والفضيلة"...