سعيد الباز في مدارات: لا خوف على الشعر في مقابل الخوف على اللغة العربية

سعيد الباز في مدارات: لا خوف على الشعر في مقابل الخوف على اللغة العربية الشاعر سعيد الباز (يسارا) والزميل عبد الإله التهاني

فتح الزميل عبد الإله التهاني، معد ومقدم برنامج "مدارات"، شرفة جديدة على المشهد الشعري بالمغرب، لمناقشة حركة الشعر المغربي المعاصر، ومواصلة إبحاره في "حوار الثقافة والمجتمع"، مع تجربة القصيدة النثرية في تفاعل مع هواجس الذات، من خلال استضافته ليلة الثلاثاء 17 نونبر 2020، الشاعر والمترجم سعيد الباز، كأحد أبرز شعراء جيل التسعينيات.

على ضفاف "مدارات" التهاني تم تقديم إصدارات ضيف حلقة البرنامج: ديوان "ضجر الموتى" الذي حاز على جائزة بيت الشعر بالمغرب، وديوان "بأقل اكتراث ممكن"، مع استحضار مسار سعيد الباز في ارتباطه الحميمي بالترجمة الأدبية لنقل الشعر من لغات العالم إلى اللغة العربية.

 

وعلى اعتبار أن "الشعراء تصنعهم موهبتهم وقراءاتهم المتعددة والمؤثرات الأدبية"، سأل الزميل التهاني ضيفه: "من صنع الشاعر سعيد الباز؟"

"الأمر يتعلق بسؤال البدايات.. كيف تأتي للشعر؟"، يقول الشاعر والمترجم سعيد الباز، "منذ البداية كنت محبا وعاشقا للشعر العربي القديم..."، وبالموازاة مع ذلك كانت "إطلالتي على الشعر الفرنسي... فاكتشفته.. حيث نما وعي للشعر لدي، وبدأت الكتابة شعرا منذ الثمانينات".

 

وفي سياق حوار الثقافة والمجتمع، اتضح أن سعيد الباز من الجيل الشعري الذي راهن على قصيدة النثر، حيث يفصل في هذا الاختيار بالقول: "الأمر يتعلق بجيل كان منشغلا بسؤال عميق مرتبط بالتحديث والتجديد في الشعر العربي.. لم نجد أنفسنا في الشعر التفعيلة.. لأن قصيدة النثر أتاحت لنا نوعا من البحث عن الذات وعن الجديد بشكل عام". مضيفا "كان من الصعب مغربيا أن تثبت أقدامها (قصيدة النثر) في المشهد الشعري المغربي"، إلا أنه بفضل "الزخم الذي واكبها صار لكل شاعر تجربته الخاصة" على اعتبار أن قصيدة النثر "قادرة على أن تعبر عن ذواتنا وعن مرحلتنا".. واعتبر ضيف "مدارات" بأن "الشعر له عدة احتمالات... أن يكون عموديا، أو تفعيليا..."، المهم أن يكون لدى الشاعر "وعي شعري"؛ ليخلص إلى أن للشعر "جماع عدة عناصر ومن بينها أن يكون الدافع الذاتي الذي يخلق من الشعر شعرا".

وعن كتابه الشعري "ضجر الموتى"، الذي رأى فيه معد البرنامج حاملا لـ "نزعة احتجاجية"؛ أوضح سعيد الباز بأن "هذا الكتاب الشعري قد مر من عدة مراحل.. مؤكدا على أن "العنوان مبتور نوعا ما"، وعنوانه الأصلي هو "ضجر الموتى على الباب" وهو نص موجود في الكتاب.

ومن خلال عنوان الكتاب "السريالي الذي يطرح صورا واقعية ولكنها تنتهي إلى هذه العبرة الأخيرة"، يعلق الكاتب بأنه يحيل فعلا على "قلق وجودي"، وسؤال الموت موجود وطرح علي بقوة في كتاب "ضجر الموتى" الذي يوحي على النهاية المنتظرة، في ارتباط "بموت والدي"، ويمكن اعتباره "احتفاء جنائزي بوفاة والدي... إنه ألم وجودي في غياب أي أجوبة".

شخصيات "ضجر الموتى"، "لأنهم أحياء في شكل موتى، مصابون بدرجة قوية من الضجر، ضجر الحياة، وضجر الأسئلة التي تطرح نفسها بإلحاح على هذه الشخوص التي تكشف عن نفسها بوضح تام"..

 

وعن زهده في الظهور والتواصل أوضح الشاعر سعيد الباز بأنه "من طبيعتي الإنسانية.. أنا لست عديم العلاقات الاجتماعية... أنا إنسان اجتماعي، رغم أن الشعر يفرض شيئا من العزلة". مضيفا "ربما الكثير من اللقاءات الثقافية كانت من الأشياء التي زادتني حبا في العلاقة مع القراءة"، "ينبغي على الشاعر أن لا يكون ميالا للظهور، ويتخذ مسافة للتأمل.. نعم أنا زاهد، وأميل إلى بساطة الحياة، ولا أجد نفسي مرتاحا في الظهور بشكل كثير... أمر يجعلني مرتاحا في هذا الموقف".. وأكد على أنه "مقل في الظهور الإعلامي، لكن كلما طلب مني التواصل أكون إيجابيا"...

 

علاقة الشاعر بمدينة أكادير، علاقة "المدينة الملهمة"، علما بأنه أحب الكثير من المدن التي مر منها بحكم مهنة الوالد (التعليم)، لذلك أحب "الاستقرار بأكادير" رغم أن الاختيار جاء بالصدفة لأنها بالنسبة له "مدينة ملائمة جدا بهدوئها، وتمتلك عدة خصائص لم يجدها في مدن مغربية أخرى".

 

الشاعر والمترجم الأدبي سعيد الباز مسكون بالترجمة، لأنه "يؤمن بالتلاقح الثقافي/ المثاقفة"؛ لذلك يؤكد على أن "الشعر كلما كان على قدر مهم من الإتقان في لغات أجنبية، فمن واجب الشاعر والمفيد له أن ينقله للقراء".. من هنا تعود أهمية "ترجمة العديد من الشعراء لغيرهم"، ولهذا السبب يقرأ سعيد الباز لكثير من " الشعراء الذين يحبهم وأحب هامشيتهم". فترجماتي الشعرية كلها "جاءت عن حب وعن قراءة عاشقة تحولت مع مضي الوقت إلى ترجمات لأشاطر القارئ محبتي لهؤلاء الشعراء الهامشيون، الذين عاشوا حياة الظل لكنهم أثمروا نصوصا شعرية رائعة".

 

وعن سؤال الوفاء والتمترس بخيمة الشعر، دون غيره من الأجناس الأدبية، قال الباز: "طبعا هناك من يقول بأن الزمن هو زمن الرواية، وهناك ولع شديد جاء كموجة هائلة فانتقل الكثيرون للرواية... نعم الرواية هي شكل من أشكال التعبير".. لكن السؤال الذي طرحه ضيف حوار في الثقافة والمجتمع هو "ما مدى قدرة الشاعر أن يتحول إلى روائي؟"؛ لأنه يعتقد أنه "ما لم يحصل الشاعر على قدر مهم من وسائل السرد لن يثمر ذلك إلا روايات متعددة.." ورغم أنه يكتب نصوصا سردية قال "عن نفسي لم أجد دافعا لذلك". وأضاف قائلا "ممكن أن أكتب قصة لا تصل إلى الشكل الروائي.. في العموم هناك انتشار كبير للرواية في المشهد العربي".. لكن يبقى السؤال عند الضيف هو "هل نحن وصلنا إلى تلك المرحلة من إنتاج رواية تمثل هذا الجيل؟". ويضيف "لا أريد أن يكون الأمر بالنسبة لي موضة فقط تساير هذه الموجة الجارفة.. وهذا رأيي الشخصي".

 

وعن سؤال، كيف يرى الشاعر مستقبل الشعر في ظل تنامي المساحات التي تحتلها الرواية على حساب بقية الأجناس الأدبية، وسطوة العامية في الغناء وتراجع منصات الشعر؟ لم يتردد الشاعر سعيد الباز في القول: "ما أخشاه أنا ليس على الشعر، الشعر لا خوف عليه.. أتخوف على اللغة العربية"، على اعتبار أن هذا "الميل الجارف إلى الدارجة، وجعل محيطنا الإعلامي والعام خاضع للدارجة.."، علما أن "الدارجة مهمة، وحاملة لتراث مغربي، لكن الخوف أن لا يحدث هناك تواصل باللغة العربية الفصحى".

 

في ساق متصل قال "لدينا زجالين مغاربة يكتبون قصائد شعرية بوعي شعري جد متقدم، مع خلفية تراثية لهذه اللهجة الدارجة"؛ لكن يمكن القول بأن "الشعر باللغة العربية الفصحى سيصعب في القادم من الأيام"؛ ومع ذلك فالشعر "سيجد نفسه في المكان الذي ينبغي أن يكون فيه بشكل آخر، الشعر في السينما، الشعر في المسرح، الشعر في التشكيل وفي الرواية وفي القصة.. الشعر لابد أن يجد له منفذا"، والركيزة الأساسية "هي اللغة العربية.. رغم أن اللغة العربية تفقد يوما عن يوم القارئ". وأوضح ضيف مدارات بأن "هذا الأمر سيلاحظه الجميع على مستوى منصات التواصل الاجتماعي حيث يفقد الحرف العربي نفسه وهنا تكمن الخطورة".

 

وبأمل الشاعر الواعي برهان الشعر أفاد الباز بأن "هناك أصواتا شعرية شبابية جديدة واعدة"، لكن السؤال بالنسبة له هو "من سيتواصل مع الشعراء الشباب؟ هنا يمكن التنبيه ودق ناقوس الخطر"...

 

وعن ظاهرة الكتابة من أجل الجوائز، والتي أضحت تميز المشهد الأدبي، استعمل الشاعر والمترجم سعيد الباز جملته "لعنة الجوائز"، وشدد على أن "الجوائز في الأصل هي مسألة تحفز الإبداع والتنويه بتجارب معينة"؛ لكن في العالم العربي "لاحظنا تهافتا شديدا على جوائز معينة"؛ ليخلص بأسف دون تعميم طبعا بالقول "بورخيص لم ينل جائزة نوبل رغم أنه يستحقها، بل إن هناك في المغرب من رفض الجوائز عالميا ومغربيا"؛ لأن الجائزة الحقيقية للكاتب "هي جائزة القارئ، وهذه هي ديمقراطية الأدب... ليس هناك من يجعل الكاتب كاتبا والشاعر شاعرا إلا القارئ".

 

وبخصوص مسألة الكتابة والطبع والنشر والتداول، اعتبرها ضيف حوار في الثقافة والمجتمع "معضلة كبيرة جدا في الحياة الثقافية المغربية" في غياب مؤسسات وتقاليد ثقافية "تسمح بتداول الكتاب على نطاق واسع"...

 

سعيد الباز الإنسان والزوج تحدث عن حياته الزوجية والأدبية رفقة رفيقة دربه القاصة والباحثة السوسيولوجية لطيفة باقة قائلا: "أنا سعيد باللقاء الذي جمعني بلطيفة، وبالصداقة والحب والأدب الذي نتقاسمه معا.. لقاؤنا الأول كان أدبيا، في ظل تقارب وعينا الفكري والسياسي والأدبي، وقراءاتنا ومواقفنا المشتركة.." طبعا "لنا اختلافات في بعض الأشياء.. لكن توحد الرؤى جعل علاقتنا تستمر وتتوهج.. أشاطر لطيفة ما أكتبه وأنقل لها ترددي وشكوكي في النص".

 

سعيد الباز يشتهي زيارة "غرناطة وتطوان"، ويحب كتابة "نصوص أدبية قصيرة جدا"، ومن ذكرياته الجميلة "إقامته بمدينة تطوان الحافلة بالمواقف الإنسانية التي عاشها"، وعن الحركة الأدبية بالمغرب قال "لدينا حركة أدبية مهمة، لكنها مطموسة، حركتنا الأدبية لا تتطاوع مع ما يوجد في العمق".

 

وعن الشاعر عبد الكريم الطبال قال: "شاعر ناسك، رجل في قيمة الأدب ويوحي لك بالشاعر". أما شهادته في الشاعر عبد الرفيع الجواهري فأفاد بالقول "نحن عشنا الجواهري في قصائده المغناة وفي نافذته الصحافية... الجواهري يبقى في الذاكرة". وبخصوص الشاعر محمد علي الرباوي "قرأنا له، ومازال يحظى بالتقدير والاحترام".. ووصف محمد الخمار الكنوني بأنه "شاعر كبير"، والشاعر صلاح الوديع " من جيل أقرب إلى جيلنا، نحن عايشنا الكثير من قصائده التي مازلنا نرددها إلى اليوم".