المحكمة تقر بخطأ طبيب جراح ومصحة في نسيان قطعة فوطة في رحم مريضة

المحكمة تقر بخطأ طبيب جراح ومصحة في نسيان قطعة فوطة في رحم مريضة طبيب جراح ينسى فوطة في رحم امرأة والمحكمة تقر بخطئه (الصورة أرشيفية)

لم تكن صفية القاطنة بمدينة فاس، تتخيل أن دخولها سليمة معافية لإحدى المصحات الخاصة بالعاصمة العلمية، سيقلب حياتها رأساً على عقب على مدى شهر من رحلة طويلة من المعاناة، بل حول حياة أسرتها الصغيرة لجحيم لا يطاق ليل نهار.

 

في أي ولادة أولية، يحرص الزوجان على أن تمر فترة الحمل في أحسن الظروف، حتى الولادة، لم يختر الزوجان عبد الرحيم وصفية، مستشفى عمومي بل قررا متابعة الحمل عند طبيب مختص في طب النساء والتوليد.

 

كان الاضطراب سيد الموقف ليس عند المرأة الحامل (24 سنة)، بل كذلك عند زوجها (28 سنة)، وعند أي تطور كانا يتصلان بالطبيب الذي كان يستقبلهما في عيادته الخاصة، فقد كانا يستبشران باستقبال مولودتهما الجديدة، خلال مارس من سنة 2020.

لم يناقشا ثمن إجراء عملية التوليد كثيرا، إذ بعد فحص طبي حدد للمرأة الحامل الأسبوع الأخير من شهر مارس الذي تزامن مع حلول فصل الربيع، حيث أخبرها الطبيب بضرورة التوجه لإحدى المصحات الخاصة قصد الولادة.

 

"دخلت للمصحة رفقة زوجي في حدود الساعة التاسعة صباحا، لأن الولادة كانت وشيكة ومستعجلة، لكني بالمقابل قضيت اليوم كله وأنا أعاني من المخاض، وقد أخبرني الطبيب أن عنق الرحم كان لا يزال مغلقا حيث تم إجراء تخدير جزئي لي عن طريق الحقن على مستوى فقرة الظهر، لكن التخدير فشل بحيث لم يمتد مفعوله للرجل اليمنى حسب ما أظهرت الاختبارات"، تقول صفية، مضيفة، "أخبرت الطبيب التخدير بذلك لكنه لم يعر المسألة أي اهتمام، ولم يعط هذا الأخير أي تفسير لذلك، وعند وصول الطبيب الرئيسي الذي يتابع حالتي، قام بشق كيس المياه ليعلمني بأن السائل المحيط بالجنين قد تغير لونه وأن عليه إجراء عملية قيصرية بصفة مستعجلة، لأن الجنين يوجد في وضعية خطيرة".

 

عبد الرحيم الزوج، كان بين الفينة والأخرى يسأل الممرضات اللواتي كن يخرجن من قاعة العمليات عن حالة زوجته، فكان جوابهن "كلشي بخير، وستمر الولادة على أحسن حال".

 

لم يكن هناك أي تواصل بين الطبيب الرئيسي ومريضته بغرفة العمليات، إذ أمضت هذه الأخيرة 3 ساعات دون أن يتم إجراء عملية لها، لكن الخطير هو أن طبيبها الرئيسي تركها في غرفة العمليات، وتوجه لغرفة مجاورة في المصحة الخاصة ليجري عملية قيصرية لإحدى الحوامل.

 

تأخر التخدير الكلي على صفية، جعلها تشعر بآلام حادة، مما جعل طبيب التخدير يلجئ مرة أخرى لتخدير كلي ثاني غير مبالي بتوسلات المرأة الملقاة على السرير.

 

"عند استفاقتي أحسست بآلام قوية على مستوى الجانب الأيمن من بطني وقد أشعرت طبيبه المتابع بذلك، لكنه لم يعرني أي انتباه، وهو ما حز في نفسي، بل لم يجر علي أي فحص بعدي، بعد أن أعطى تعليماته بتزويدي بجرعات من المورفين كل 4 ساعات، ولم يزرني إلا في اليوم الأخير من مغادرتي للمصحة، وكأنه كان يريد التخلص مني، مبديا اعتذاره كونه على سفر طارئ خارج المغرب"، تقول صفية.

 

حمل عبد الرحيم زوجته ووليدها إلى البيت، وحالة الأم على غير طبيعتها، حيث كانت تشعر بمغص كبير على مستوى البطن، وعجزا عن تحمل أشعة الشمس، وهو ما تطور في اليوم الموالي لمضاعفات صحية كبيرة وآلام حادة.

 

لم تتحمل صفية آلام الليل والنهار، ورغم أن إحدى قريباتها أخبرتها بأن الألم سيرافقها بحكم العملية القيصرية، فإنها أصرت على إجراء تحاليل على مستوى بطنها لمعرفة سبب هذا المغص الحاد، فكانت المفاجأة وهي وجود جسم غريب على مستوى تجويف البطن بالجانب الأيمن بعد إخضاعها للفحص بالأشعة، مما استلزم إدخالها على وجه السرعة لمصحة أخرى لإزالة هذا الجسم الغريب الذي كان عبارة عن فوطة تم تركها برحمها أثناء إجراء العملية القيصرية مما سبب لها التهابا.

 

إزالة الفوطة لم يزل عنها الآلام، بل انتد ذلك لآلام جسمانية عانت منها صفية لقرابة شهر كان لها أثرا سلبيا على نفسيتها حيث تعذر عليها الاتصال المباشر بوليدها وعدم قدرتها على العناية به وعجزها الكامل عن إرضاعه بصفة طبيعية وأنها عانت من التهاب مزمن على مستوى الرحم من شأنه أن يؤثر سلبا على أي محاولة مستقبلية للحمل.

 

قضائيا تقدمت صفية إلى المحكمة المدنية ملتمسة الحكم لها بتعويض عن الأضرار يقدر ب 500 ألف درهم، متهمة الطبيب والمصحة بارتكاب هذا الخطأ الطبي الجسيم.

 

بالمقابل رمى دفاع الطبيب المسؤولية على المصحة بدعوى أن الخطأ تتحمله الممرضات، وهو ما نفاه دفاع المصحة معتبرا بأن نسيان فوطة في رحم الضحية، هو من مسؤولية الطبيب لوحده، والمصحة لا تتحمل مسؤولية ذلك.

 

قرار المحكمة استند في حيثياته على أن مسؤولية الطبيب الجراح هي مسؤولية عقدية ببذل العناية اللازمة حسب معيار رجل المهنة الاخصائي الذي يتعين عليه بذل عناية يقظة وصادقة بانتباه تام، وهو ما جعل المحكمة تقر بمسؤوليته، وكذا مسؤولية المصحة عن الأضرار المادية والنفسية والبدنية التي لحقت المدعية، مما جعل هذه الأخيرة تكون محقة في تعويض عن هذه الأضرار، وهو ما ارتأت معه المحكمة تحديد قيمة التعويض المستحق لها في مبلغ 140 ألف درهم، مع اعتبار المسؤولية مشتركة وتضامنية بين الطبيب الجراح وإدارة المصحة الخاصة.