حمزة: تأملات في زمن كوفيد 19.. الحاجة لبناء عولمة إنسانية متحضرة وصديقة للبيئة

حمزة: تأملات في زمن كوفيد 19.. الحاجة لبناء عولمة إنسانية متحضرة وصديقة للبيئة محمد حمزة
يقال بأن كلما كان عنف الإنسان ضد الطبيعة أكثر فان هده الأخيرة هي التي مكنته من العبور إلى بر الأمان، ولوقف تدهور النظام البيئي، من الضروري التفكير كنظام بيئي يقول دوجلاس بي ويلر، نعيش عالما يدمر الطبيعة ويستنزف الموارد الطبيعة؛ عالم اخضع العلم والتقنية للتنافس الاقتصادي ولسيادة الرأسمال مما تنج عنه تردي اخلاقي، تعيش عالم يخضع لثنائية التقدم / التوحش والمستقبل مفتوح على طل الاحتمالات، الاحتمال الاسوء هو الاستمرار في تدمير الإنسان والطبيعة، استمرار ارتفاع حرارة الارض سيؤدي الى  المجاعات ،و الحروب على الموارد الطبيعية الموارد وانتشار الاوبئة  ...نتيجة تدهور النظام البئية.

وحسب دراسة لباحثين استراليين، نصف سكان الأرض سيتعرضون ل20 يوم من الحرارة المميتة chaleur letrale في سنة  2050.
النزعة الإنتاجية للنظام الرأسمالي وسياسات التصنيع التي حكمت  في بلدان " الاشتراكية الواقعيةٌ " لم تختلف عن النزعة الإنتاجية السائدة في البلدان الرأسمالية، ألحقت بالطبيعة دمارا هائلا.
في السنوات الأخيرة وقع اندفاع حقيقي للوعي بأن الاستعمال المفرط للموارد الطبيعية، لن يمكن من الاستمرار المتواصل للحياة الفيزيائية والبيولوجية.
فالإنسانية لن تواجه النفاد المستقبلي لبعض الثروات الطبيعية فحسب، بل ستواجه تدمير الموارد الأساسية لحياة الإنسان كالتربة والماء والهواء والمحيط الجوي والطقس.... فإعادة التوازن في استعمال الموارد الطبيعية أصبح يساءل الحياة نفسها على سطح كوكبنا.

هناك حاجة الآن لإتباع مقاربة فكرية جديدة للعلاقات بين الكائن البشري والطبيعة، بالمرور من مفهوم الاستغلال إلى مفهوم المعايشة.أي عكس فكرة التقدم بدون حدود وعكس فكرة الطبيعة الغير القابلة للنفاد بحسب إرث عصر الأنوار.
وهدا يعني إحياء قيم  الوحدة الجوهرية الموجودة بين الإنسانية والعالم الطبيعي.
إن الوعي البيئي والاستعجال البيئي ( الاستمرار على قيد الحياة) يتطلب الانتقال من مجرد الوعي البيئي إلى هجوم راديكالي فكري سياسي من أجل تصور تنمية بيئية متضامنة.
والحاجة لتخطيط بيئي يأخد بعين الاعتبار طول الأمد و بعد النظر في ظل السيادة العامة ( مراقبة المواطنين).
هناك ادن حاجة ملحة، يقول المفكر  سمير امين، للانتقال إلى حضارة بيئية تتجاوز سيادة المال، وعادات الاستهلاك المصطنعة بالإعلان التجاري والإنتاج اللا متناهي للسلع الضارة بالبيئة. 

إن أزمة البيئة وأزمة الطاقة تفرضان المصالحة بين الإيكولوجية والاقتصاد لتجاوز التشخيص الغريب للاقتصاد، والذي يكشف عن السلطة الذي يمارسها إنتاج السلع المادية في مجتمع الاستهلاك.
العالم الآن يسير نحو  أزمة " الانهيار الإيكولوجي " إن لم يتدارك الأمر .فعواقب الأزمة الإيكولوجية العالمية ستكون أخطر وأكبر بكثير من الأزمة الاقتصادية.
والمطلوب الآن هو رفع شعار " عالم مستدام " بموازاة مع شعار " عالم متضامن " لبناء استدامة بيئية واقتصادية طويلة الأمد وهدا يتطلب مقاربة كونية متضامنة.  

مع كورنا لم تعد الإنسانية مجرد مفهوم مثالي، إذ أصبحت جماعة ذات مصير مشترك، يقول ادغار موران، ووحده الوعي بهذه الجماعة يمكن أن يقود نحو ما يمكن تسميته بجماعة الحياة.الهيمنة والضغط والوحشية تتوطن وتتفاقم خطورتها فوق الكوكب، فوحدها السيرورة المتعددة الأبعاد، والتي تسعى نحو تحضير كل واحد منا، وتحضر مجتمعاتنا، وتحضر الأرض، قادرة على معالجة هذه الهيمنة والتوحش، يضيف ادغار موران.

إذا كنا الآن لا نملك مفاتيح من شأنها أن تفتح لنا أبواب مستقبل أفضل فإننا لا نعرف طريقا مرسوما الآن يمكن السير فيه، لكننا نستطيع أن نستكشف الطريق من خلال السير كما يقول أنطونيو ماشادر.
لكن بإمكاننا يقول ادغار موران أن نحدد غايتنا، والمتمثلة في أنسنة الإنسانية، عن طريق تحقيق المواطنة الأرضية في إطار جماعة بشرية كوكبية، إن الرأسمالية المعولمة ليست نهاية التاريخ، إنها سياسة مفصولة عن الحضارة ولا تحضر الأرض باعتبارها بيتا وحديقة للإنسانية.

فالأمل يكمن في امتلاك الجنس البشري وسائل إبداعية لا تنضب عنوانها "من أجل عالم أفضل" فالتيارات المضادة للرأسمالية المعولمة تسعى نحو الإصلاح والتي يمكن أن تتطور وتحول مجرى الأحداث.

فزيادة على التيار الإيكولوجي والتيار المضاد للتنميط المعمم والتيار المضاد لهذه الأولوية المعطاة للإستهلاك المنمط والتيار الذي يدعو إلى التحرر من الطغيان الكاسح للمال والتيار الداعي للسلام إلى النفوس وإلى العقول، هناك التطلعات، التي سادت في القرن20، صحيح لقد خابت هذه الآمال، يقول ادغلر موران، ولكن من الممكن أن تنبعث في شكل سعي جديد نحو تحقيق مبدأي التضامن والمسؤولية، أي أن تعمل وفق أن "الحقيقة ثورية" من أجل تطبيق تدريجي لشعار "العالم الأفضل".
 
للعالم الأفضل مدخل لكي يعانق الإنسان إنسانيته وهذا ما عبر عنه المقاوم الأستاذ محمد بنسعيد في رسالته المفتوحة الأخيرة لما دعا الى تبني تفكير التغيير من اجل عالم أفضل ،باستبدال نسق تفكيرنا ومفاهيمه المؤطرة.
لبناء عولمة إنسانية متحضرة وصديقة للبيئة  يعانق فيها الإنسان إنسانيته.