هذه المناصب عددها سبعة، مقبلة كلها على تغيير دوري لرؤوسها. لكن أهمها «محافظة السلم والأمن» التي تولتها الجزائر منذ 2008، تقاسُمًا بين رمطان العمامرة وإسماعيل شرقي، سفير الجزائر السابق في موسكو.
حسب تقارير (موقع «أفريكا إنتلجنس» الفرنسي يولي اهتماما شديدا ومتواصلا لهذا الموضوع) تأخرت الجزائر عن تقديم مرشح لخلافة شرقي. هناك سببان لهذا الغياب. الأول، وفق التقارير، استياء الكثير من الدول الإفريقية الأعضاء في الاتحاد من همينة الجزائر على المنصب، واستطرادا خوف الجزائر من فشل مرشحها في الظفر بالمنصب بعد أن لمست هذا الاستياء.
طغيان الأزمات والحروب والانقلابات يضع قادة هيئات الاتحاد الإفريقي، خصوصا مسؤول السلم والأمن، على تماس مع قادة العالم، ويفرضهم كمفاوضين مباشرين مع الدول والمنظمات المهتمة بإفريقيا إقليميا ودوليا.
لم تعد إفريقيا ذلك الفضاء المهمل في خرائط الاهتمام الدولي. ثرواتها الطبيعية الهائلة، وسعتها كسوق استهلاكية ضخمة، وأهليتها الدائمة للحروب والأزمات وتنامي الإرهاب الدولي، كلها عوامل جعلتها في صلب اهتمام القوى الدولية، التقليدية مثل أوروبا ممثلة في القوى الاستعمارية السابقة، ثم الاتحاد الأوروبي ككتلة، وأمريكا. ثم اهتمام القوى الدولية الصاعدة، أي الصين وروسيا وتركيا والهند. بفضل هذه المكانة والعوامل أصبح الاتحاد الإفريقي يطالب بنصيبه وبإسماع صوته في القضايا التي تخصه. في ليبيا مثلا، يحاول الاتحاد الآن فرض مرشح إفريقي لخلافة الأمريكية ستيفاني وليامز على رأس بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، بعد أن تنتهي مهمتها في الأسبوع الأول من الشهر المقبل. المرشح الوحيد لحد الآن هو البلغاري نيكولاي ملادينوف، مبعوث الأمم المتحدة إلى النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، لكن الاتحاد الإفريقي يرفضه رغم دعم الأمريكيين له وعدم ممانعة الأوروبيين عليه.
داخليا، هناك ما لا يقل عن عشر دول إفريقية ستشهد خلال الشهور الستة المقبلة انتخابات رئاسية أو برلمانية أو الاثنتين معا. من هذه الدول، غينيا، السيشل، تنزانيا، كوت ديفوار، بوركينا فاسو، النيجر، ليبيريا، بنين وجمهورية إفريقيا الوسطى.
كثير من هذه الانتخابات ستجري في أجواء مشحونة بالتوتر والرفض الشعبي للمرشحين لها، أو لطريقة تنظيمها. نتائج بعض هذه الانتخابات يرفضها الشارع سلفا وقد تقود إلى صراعات أهلية.
إفريقيا التي حققت في العقدين الماضيين تقدّما ديمقراطيا أوشك أن يحوِّلها إلى نموذج، تدخل العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين بردّة ديمقراطية يحسدها عليها عتاة الديكتاتوريين العرب. القادة ذاتهم الذين قادوا الدول الإفريقية نحو فتح ديمقراطي، تحوَّلوا إلى طغاة يرفضون ترك الكراسي: باستثناء النيجر، كل رؤساء الدول العشر التي ستشهد انتخابات مرشحون للبقاء في مناصبهم، رغم الرفض الشعبي وغياب الشروط القانونية والدستورية. في غينيا وكوت ديفوار عبث الرئيسان ألفا كوندي، المنتخب ديمقراطيا، والحسن وتارا بالدستور للبقاء في الحكم. وفي أوغندا يتحايل الرئيس يويري موسيفيني (77 عاما) على الشجر والحجر للفوز بولاية رئاسية جديدة يواصل بها مشواره الرئاسي الذي بدأه قبل 34 سنة.
عندما تجتمع هذه المعطيات في مكان واحد وزمن واحد، تشكل بسرعة وصفة مغرية للتنافس على مناصب الاتحاد الإفريقي، وتجعل المعركة مشروعة وتستحق عناء خوضها.
عدد أعضاء الاتحاد 55، لكن التأثير والأدوار الرئيسية محصورة في حفنة من الدول الأعضاء مع حركية مستمرة لدخول أعضاء جدد نادي المؤثرين وخروج آخرين. ويبدو أن موازين القوى بين أعضاء هذا النادي محفوظة لأن كل عضو يحتاج إلى الآخرين بشكل ما، أو يدرك أنه سيحتاج لهم يوما ما.
توفيق رباحي، كاتب صحافي جزائري( عن : القدرس العربي)