... وهل يحتاج مولاي رشيد إلى أحداث 16 ماي الإرهابية لإنصافه؟

... وهل يحتاج مولاي رشيد إلى أحداث 16 ماي الإرهابية لإنصافه؟ عبد الرحيم أريري

تعد الأحداث الإرهابية ليوم 16 ماي 2003 هي الولادة الحقيقية لمنطقة سيدي مومن بالدار البيضاء. فقبل هذا التاريخ لم يكن سيدي مومن سوى «زبالة» تتخلص منه الدولة من أعطابها بالدار البيضاء: فإذا كانت هناك زيارة ملكية في العهد الماضي و«خرج البلان» في كاريان في حي ما بالدار البيضاء يتم ترحيله إلى سيدي مومن. وإذا برز مشكل مع «لافيراي» ترحل الأنشطة إلى سيدي مومن. وإذا احتاجت المعامل إلى السواعد لتحريك محركات الاقتصاد الوطني بالأحياء الصناعية بالبيضاء تغرف اليد العاملة من شمال شرق البيضاء لحرقها في المعامل مثل وقود جهنم. وإذا نصت وثائق التعمير على مرفق ما بالبيضاء يهرب من سيدي مومن نحو أحياء أخرى. فتعاظم الحرمان واستفحلت الهشاشة واستأسد التطرف إلى أن أنتج لنا انتحاريين زعزعوا استقرار المملكة في الأحداث الإرهابية يوم 16 ماي 2003، بحكم أن كل الجهاديين الذين «تفركَعوا» آنذاك قدموا كلهم من كاريانات سيدي مومن (طوما والسكويلة تحديدا).

 

حينئذ، انتبهت الدولة إلى قنبلة بالشمال الشرقي للدار البيضاء اسمها سيدي مومن، ووقفت الأجهزة العمومية على حقيقة صادمة، مفادها أن الدولة لم تصرف أي «ريال» لفائدة سيدي مومن خلال عقود، فأعطيت الأوامر لشراء "الكفارة" ومحو «الذنوب» عبر ضخ ما يفوق 3 ملايير درهم بسيدي مومن توزعت كما يلي:

 

-  2 مليار درهم في قطاع التعمير لإسكان 22 ألف عائلة بكاريان السكويلة وطوما

-  400مليون درهم للتهيئة الحضرية بتوسيع الشوارع وتعبيد الأزقة وتهيئة المدارات وإنجاز «جنينات» وساحات عمومية

- 34 مليون درهم لبناء مستشفى ومراكز صحية

- 5 مليون درهم لبناء دور الشباب والرياضة

- 1.7 مليون درهم لإنجاز مراكز التكوين المهني

- 66 مليون درهم لإنجاز 7 مدارس و4 إعداديات وثانويتين وتوسيع أخريات

- 134 مليون درهم لإنجاز مرافق القرب

- 2 مليون درهم لتمويل الدراسات وضمان التتبع التقني والإشراف الهندسي للمشاريع...

 

وبعد اعتماد المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عام 2005 كان نصيب سيدي مومن حصة الأسد، إذ خصصت للمنطقة ما يلي:

- 8 مليون درهم عام 2006

- 6 مليون درهم عام 2007

- 4 مليون درهم عام 2008

- 6 مليون درهم عام 2009

- 6 مليون درهم عام 2010

- 6 مليون درهم عام 2011

- 6 مليون درهم عام 2012

 

وبعد اعتماد المخطط المديري للتهيئة الحضرية عام 2010 وما تضمنه من مشاريع مهيكلة في مجال النقل الحضري، أعطيت التعليمات الصارمة لتكون انطلاقة الخط الأول للترامواي من منطقة سيدي مومن لمصالحة المقاطعة مع عمقها البيضاوي.

 

ورغم أن سيدي مومن مازال محتاجا نظرا لهول الخصاص وكثافة الساكنة (483 ألف نسمة، أي ما يفوق سكان مدينة مكناس كلها)، فإن الحق يقال أن ضخ هذه الملايير غير ملامح المنطقة جذريا وتم «تحسين النسل البشري» بالمنطقة عبر إدخال فئات اجتماعية وسطى وميسورة استوطنت فيلات وعمارات زاهية بسيدي مومن، وبدأ المرء يستأنس بشوارع مضاءة ومؤثثة بمقاه ومحلات محترمة... ورويدا رويدا تم تطبيع سيدي مومن مع باقي مجالات الدار البيضاء، لدرجة أن ثمن المتر المربع حاليا للشقق يتراوح بين 9000 و13 ألف متر مربع (حسب الحي والشارع ونوعية التهيئة الداخلية)، في الوقت الذي كان مجرد ذكر اسم سيدي مومن في باراج أمني أو في مباراة للتوظيف في القطاعين العام والخاص يحرم المرء من أبسط حقوق الإنسان (الحق في التنقل والحق في التشغيل)!!

 

ترى، لو لم «تتفركع» الدار البيضاء في أحداث 16 ماي الإرهابية، هل كنا سنحلم برد الاعتبار للشريط الشمالي الشرقي للعاصمة الاقتصادية؟

 

أكيد أن الجواب سيكون سلبيا.

 

تأسيسا على هذا الظلم والحكرة، لماذا ترفض الدولة بكل مستوياتها (محليا ومركزيا) الانتباه اليوم إلى إحدى أكبر بؤر التوتر والاحتقان بالمغرب، ألا وهي منطقة مولاي رشيد بالبيضاء التي لا تقل قتامة عن سيدي مومن لما قبل 16 ماي.

 

نعم، بذلت مجهودات مهمة في عمالة مولاي رشيد منذ إحداث العمالة عام 1998 لكن النعمة ركزت على شق دون آخر، ركزت على سيدي عثمان ومبروكة والسلامة والشوارع الكبرى بالعمالة، بينما حي مولاي رشيد التاريخي (الذي يحمل اسم فرد من الأسرة الملكية) ظل حبيس التهميش واللامبالاة، لدرجة أن المرء الذي استعصى عليه استيعاب العصور الحجرية، عليه القيام بزيارة لمجموعات حي مولاي رشيد بالدار البيضاء، حيث سيقف على احتقار آدمية البشر وترك الناس يتدبرون أحوالهم بدون موجه أو مؤطر أو حاضن (سواء من المنتخبين أو من الإداريين أو من الأمنيين أو من الأحزاب)، فتناسلت الجريمة والفقر والأزبال والغبار، وغابت وسيلة النقل والحديقة والملعب ودار الشباب والمسبح والموسيقى والفنون. إذ لا شعار في مولاي رشيد إلا التطرف: إما "القرقوبي" أو «الجهاد لنصرة سيدنا أبو بكر البغدادي». بدليل أن الساكنة السجنية بمركب عكاشة عدد مهم منها ينحدر من هذه المنطقة.

 

إن سكان مولاي رشيد، قبل أن يكونوا مغاربة هم أولا مسلمون. والله سبحانه تعالى قال: «وكرمنا بني آدم». وأعظم تكريم للإنسان هو أن ينال حقه من الثروة الوطنية ويتوصل بحصته من الاستثمار العمومي حتى يحس أن الدولة ترعاه وتستحضر انشغالاته.

 

وبمثل الإرادة التي غسلت العار عن سيدي مومن يتعين الآن الإعلان عن منطقة مولاي رشيد بالدار البيضاء بأنها منطقة منكوبة، لتمكين هذه المجموعات السكنية ذات الاكتظاظ الديمغرافي، من "مخطط مارشال" خاص بها لاسترجاع ثقة المواطنين في المؤسسات ولنزع فتيل الاحتقان، حتى لا تتغذى مافيا المخدرات ومافيا الجهاديين من خزان مولاي رشيد (!!)