غلمان في "مدارات" التهاني: "ولدت شاعرا" وأكتب لأخرق سلطة الماضي

غلمان في "مدارات" التهاني: "ولدت شاعرا" وأكتب لأخرق سلطة الماضي الكاتب مصطفى غلمان (يمينا) والزميل عبد الإله التهاني

استضاف الزميل عبد الإله التهاني في حلقة جديدة من منتدى حوار الثقافة والمجتمع على ضفاف برنامج "مدارات"، الشاعر والإعلامي مصطفى غلمان، حيث كانت فرصة إضافية للاطلاع على المشهد الثقافي والوقوف مع ضيف البرنامج على محطات مهمة من مساره وتأملاته، ومناقشة بعض إصدارته الشعرية والدراسات والمقالات المرتبطة بسوسيولوجيا الإعلام واللغة.

 

ضيف البرنامج الشاعر مصطفى غلمان أكد على أن "الحاجة ملحة لمنتدى "مدارات" حوار الثقافة والمجتمع، والعودة للساحة الثقافية بنفس النبض في التعاطي مع انتظارات المجتمع". وأضاف في جوابه عن ولعه بالشعر الذي ظهر مع نزوعه في المساهمة في الكتابة قائلا: لقد "ولدت شاعرا"؛ لكنه يعتبر أن "الكتابة الشعرية أصعب مما يتصور. إنها أقرب إلى حشرجة الموت. وكل إبداع يتضمن نقدا للماضي الذي تجاوزناه. إننا نكتب لنخرق سلطة الماضي."

 

الزميل التهاني أكد من خلال تفاعله مع ضيف مدارات بأن اللغة الشعرية لمصطفى غلمان "تنبعث من خضم المعاناة. وهي لغة صعبة، ولن تكون سهلة، هي لغة توحي ولا تشرح". لذلك يوضح ضيف "مدارات" بأن "تجربته الشعرية أخذت منه خمس سنوات في الإبحار في اللغة.." ليخلص بالقول "إنما لا نصنع من الأفكار شعرا بل من الكلمات". وهذا هو سر "غموض الأبعاد التي تكمن في اللامرئي للقارئ.." من خلال اللغة و بلاغة الصور التخييلية، لأن الشعر بالنسبة لغلمان " تجربة روحية خالصة".

 

التألق الفكري لدى الكاتب والشاعر غلمان يترجمه بالقول أن "استشعار الحفاوة بالمعاني الفريدة... ضالتها توجد عند العقول الكبيرة". على اعتبار أن "الحقول المعرفية على وفرتها شكلت لدي أوعية كبيرة، حددته توجهاتي في الأدب والفكر". أما الحديث عن تقاطع التجربة الشعرية مع التجربة الإعلامية في مسار ضيف مدارات فيعتبرها مرحلة "تغيرت فيها تجربته وأسست لمرحلة جديدة في التجربة الشعرية، وتجربته الفلسفية للتأمل.."

 

وبخصوص النشر خارج الوطن، أوضح الكاتب مصطفى غلمان قائلا: "مبدئيا النشر خارج الوطن كانت قناعة. فقد نشرنا في العديد من العواصم العربية والمهاجر (العراق، الأردن، مصر..) وتعاملنا مع مجلات عربية مثل مجلة الجسر والاغتراب.."، لذلك يؤكد على أن "البحث عن بدائل لنشر نصوصنا كان هما تقاسمه الجميع، ولكن قليلون من نشروا في مجلة شعرية مهجرية في أمريكا اللاتينية".

 

"صاحبة الجلالة" تحدث عنها ضيف الزميل التهاني بعشق، حيث قال "الصحافة هي جزء من الكينونة. لم اختر أن أكون صحافيا، ولكن كنت مستعدا أن أتواصل مع الصحافة بنفس الهم الشعري". وأضاف قائلا: "كانت الصحافة هما ذاتيا وموضوعيا لأنها تختصر مسافات طويلة من التفكير". على اعتبار أن الإعلامي مصطفى غلمان -يقول- "نشرت مقالات صحافية في جرائد ومجلات ورقية والتعاون مع مجلات وجرائد خارج المغرب، واستمر هذا الهم معي طيلة سنوات بعد التخرج الجامعي... وظل هذا التواصل المنسجم بين الكتابات الإبداعية وأيضا تواصلي في القضايا الكبرى".

 

وبخصوص انشغاله بقضايا وإشكاليات اللغة والسياسة اللغوية، شدد على أنها "قضية ثقافية وسياسية وسوسيو ـ ثقافية.."، معتبرا أن "القضية اللغوية مرتبطة بالنظام التربوي المعتمد".. لذلك يرى ضيف "مدارات" أنه من الضروري في إطار توافقي يجب "إعادة التدقيق في إشكالياتها الكبرى، في علاقة بالخصوصية المغربية.. لأننا في حاجة إلى الهوية الثقافية.. وأن يكون التعدد الثقافي مناشدا لرغبتنا في الإصلاح".

 

وبأسف تحدث الكاتب والشاعر غلمان عن المثقف الذي "أصبحت سلطته أقل بكثير مما كانت عليه. كانت أدواره عضوية وقادرة على التغيير بحكم الرمزية التي كان يضطلع بها"؛ وأوضح قائلا: "هناك حواجز الآن، لا يستطيع المثقف أن يقفز على حالة الوعي المتشظية". وشدد على أن "المثقف بحاجة إلى التعامل مع مستجدات العولمة والثقافات المتعددة التي دمرت القيم، وعليه السعي إلى المحافظة والتشبث بقيمه الحضارية" بعد أن "استغرقت محطات كثيرة المثقف المغربي وبقي منعزلا عن المجتمع".

 

في سياق متصل تساءل غلمان قائلا: "هل المثقف بحاجة ماسة الآن إلى أدوات أخرى، غير تلك التقليدية التي لم تنفع الآن؟ وخلص إلى أن الأمر يستدعي "تأسيس بنى جديدة يمكن أن تبعث الأمل"، في علاقة مع "الهوية الثقافية وأسلوب التفكير".

 

وبخصوص وضعية الإعلام الرقمي قال بأن "هذه الوضعية خاصة"، لأنها فعلا "لا تسرنا جميعا، ويجب تصحيح المسار"، لأن هناك "أسلوب انتهازي فظيع". وأكد مصطفى غلمان: "نحن في حاجة إلى أرضية مناسبة لممارسة الرسالة الإعلامية، وإعادة تأهيل الإعلام المهني، ويمكن تعزيز أولويات الممارسة الإعلامية من خلال قيمة الإعلام".. لذلك طرح سؤاله الحارق "هل هذا الشكل الجديد للإعلام يمكن أن يؤسس للتغيير؟"؛ منتقدا الإعلام الرقمي الذي أشاع "الفوضى والحشو والعشوائية، في ظل غياب الرؤيا، مما أسهم في اختطاف الإعلام الذي جعل الجمهور مجرد كائن استهلاكي".

 

وعن سؤال للزميل التهاني أكد الكاتب والشاعر مصطفى غلمان بأن هناك قطبين في الشعر الحديث، لهما مكانة خاصة عنده، القطب الأول هو سي محمد مهدي الجواهري الذي كان من أهم الشعراء الذين تأثر بهم، أما القطب الثاني الذي كان مرتبطا به، فهو الشاعر العظيم محمود درويش، الملهم الكبير لجزء من التجارب الشعرية المغربية..

 

وعن ذكرياته الصعبة قال غلمان "اعتقالي سنة 1984، والذي كان سببا مباشرا في موت أبي"، أما بخصوص ذكرياته الجميلة فترتبط بـ "أبنائي/ أطفالي، من رحم رفيقة الدرب مليكة العلوي".

 

وقبل توديع ضيف "مدارات" أجاب عن سؤال أخير بالقول "أنا ابن حلم كبير لم يتحقق بعد، حتى لحظة البوح الآن، أعرف أنه صعب جدا لكني لا أومن بالمستحيل". مضيفا: " أحب أن أخدم الناس وأخفف من أوجاعهم..."