عبد الكبير طبيح: هل سحبت الحكومة مهمة محاربة الفساد من الشرطة القضائية والنيابة العامة ؟

عبد الكبير طبيح: هل سحبت الحكومة مهمة محاربة الفساد من الشرطة القضائية والنيابة العامة ؟ عبد الكبير طبيح

30/9/2020

بدأت لجنة التشريع بمجلس النواب دراسة مشروع قانون 46.19 يتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها , في ظل سكوت غير مفهوم من الفاعلين السياسيين والحقوقيين وغيرهم. إلا من مواقف عبر عنها البعض وعلى رأسهم نقيب هيئة المحامين بالدار البيضاء بخصوص التخوف من المس بحصانة مكتب المحامي.

ومن المعلوم ان الحكومة تأخرت في اكمال احداث كل المؤسسات الدستورية التي نص عليها دستور 2011 وعلى رأسها القانون المتعلق بالبث في عدم دستورية القوانين وكذا القانون موضوع هذا المقال.

وبخصوص مشروع القانون الحالي فإنه يستدعي الملاحظات التالية:

الملاحظة الأولى:

أن المطلع على الصياغة التي كتبت بها مواد مشروع القانون المذكور سيلاحظ لأول وهلة أنها صياغة لا تلبي ما تتطلبه علاقة الصياغة القانونية. والتي من أهم خصائصها هو التركيز على الفعل الذي تستهدفه القاعدة القانونية باستعمال الكلمات الي تكون غير القابلة للتأويلات المتعددة. وتخصيص كل فقرة لقاعدة قانونية واحدة وواضحة. تنص على مكونات الفعل المجرم وتحدد بكل وضوح العقوبة المقررة وبدون أي إمكانية للتأويل الذي قد يؤدي لإفراغ القاعدة القانونية من محتواها.

الملاحظة الثانية:

أن مشروع القانون يتعلق بكيفية اثبات جريمة الفساد المالي الإداري. و هي من أخطر الجرائم. فلماذا قررت الحكومة ألا يحضر لا وزير العدل باعتبار هذه الوزارة هي ذات الاختصاص في تقديم مشاريع القوانين التي تتناول المقتضيات الجنائية. ولا وزارة حقوق الانسان باعتبارها هي المسؤول على ان تكون كل مشاريع القوانين الني تقدمها الحكومة للبرلمان تحترم حقوق الانسان كما هي منصوص عليها في الدستور.

أن حضور وزير المالية، المشهود له بالجدية والمثابرة هو مفيد في دراسة قانون له علاقة بالجانب المالي. لكن غياب وزير العدل ووزير حقوق الانسان، هو امر غير مفهوم. فهل هناك خلاف حول مضمون المشروع أو شكله بين أعضاء نفس الحكومة ?.

الملاحظة الثالثة:

هو ان هذا مشروع هذا هو قابل لقراءتين:

الأول: تبحث في تطابق او عدم تطابق المقتضيات الجديدة للمشروع مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب, ومع مقتضيات الدستور ومع باقي القوانين الأخرى.

الثانية: تبحث فيما هو غير منطوق في المشروع أي فيما تريد ان تصل اليه الحكومة بدون ان تعلن عنه

بصراحة. لكن تلك الغايات غير المنطوقة سنجده امامنا عند تطبيق ذلك القانون بعد التصويت عليه.

مظاهر القراءة الأولى في المشروع

أوجه مخالفة مواد المشروع للدستور:

الوجه الأول لمخالفة الدستور

يتبين من المواد الأولى من المشروع ان صياغتها كانت ترمي الى إضفاء الطابع الدستوري عليه أشار في المادة الأولى إلى الفصل 36 من الدستور. بينما أن الفصل الذي كان يجب أن يتصدر به مشروع القانون ليس هو الفصل 36، وإنما الفصل 167 وذلك للأسباب التالية:

1–أن الفصل 36 من الدستور إنما هو يعلن على ضرورة إحداث الهيئة موضوع القانون

المذكور إعمالا للاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد في فصلها 6.

2– بينما الفصل 167 من الدستور هو الذي يحدد اختصاصات الهيئة ويحصرها في:

"المبادرة والتنسيق واشراف وضمان تنفيذ سياسة محاربة الفساد وتلقي ونشر المعلومات "والمساهمة في تخليق الحياة العامة وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وثقافة المرفق العام وقيم المواطنة المسؤولة

والملاحظة أن الفصل 167 من الدستور لا يؤهل الهيئة للقيام بأعمال الشرطة القضائية وأعمال النيابة العامة وأعمال قضاة التحقيق. وهي المؤسسات التي تحتكر القيام بالبحث والتحري عن الجرائم وتحريك المتابعة القضائية ضد من يرتكبها.

لكن، عندما نعود إلى الباب الرابع من مشروع القانون المذكور نجده يحمل عنوان " تلقى التبليغات والشكايات والمعلومات والقيام بإجراءات البحث والتحري" وهو الباب المكون من الفصول من 21 إلى 39.

فما مدى دستورية القواعد القانونية المنصوص عليها في تلك الفصول. وهل الدستور أهل تلك الهيئة للقيام بمهام الشرطة القضائية ومهام النيابة العامة ومهام قاضي التحقيق.

إن الأسئلة المشار اليها أعلاه ليست من صنع الخيال او التهويل بل هي من صلب ما تنص عليه بعض مواد مشروع القانون المذكور كما سيتبين من صياغة مواده التي سنتناولها فيما يلي.

الوجه الثاني لمخالفة الدستور:

لا خلاف حول أن الفصل 36 هو الذي نص على احداث هيئة وطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.

لكن، هذا الفصل نص فقط على مبدأ احداث تلك الهيئة. ولم يتكلم لا على اختصاصاتها. ولا على تكوينها. بل ان الدستور خص مهام تلك الهيئة في فصل آخر هو الفصل 167 منه. والذي عند الرجوع اليه نجده:

-اعتبرها هيأه من هيأت الحكامة. وليس لها طابعا قضائيا.

-حصر مهامها في:

"المبادرة والتنسيق والاشراف وتتبع سياسات محاربة الفساد وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال وتخليق الحياة العامة وترسيخ الحكامة الجيدة وثقافة المرفق العمومي وقيم المواطنة.

وليس في البحث والتحري على الجرائم واحالتها على النيابة العامة.

فالمشرع الدستوري واع بحدود ومهام الهيئة كمؤسسة للحكامة فقط. فاسندها مهام لها علاقة بالحكامة من ممارسة التحسيس وإشاعة ثقافة الاخلاف النبيلة في تدبير المرفق العمومي.

لكن الملفت للنظر هو أن الفصل 167 لم يعط لتلك الهيئة أي حق لا في تلقي الشكايات والتبليغات ولا المعلومات , وبالأحرى القيام بإجراءات البحث والتحري عن الجرائم. بينما المقتضيات المنصوص عليها في المواد من 21 الى 39 من مشروع القانون أسندت للهيئة نفس تلك المهام. ضدا على ما ينص عليه الفصل 167 من الدستور.

الوجه الثالث لمخالفة الدستور

انه من المعلوم انه لأول مرة في الدساتر التي عرفها المغرب سيتم دسترة مهام الشرطة القضائية, أي النص على مهامها في صلب الدستور.

ذلك انه بالرجوع الى افصل 128 من الدستور نجده ينص على ما يلي:

" تعمل الشرطة القضائية تحت سلطة قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق في كل ما يتعلق "بالأبحاث والحريات الضرورية بخصوص الجرائم وضبط مرتكبيها لإثبات الحقيقة.

فالدستور في فصله المذكور جعل مهام الأبحاث والتحريات بخصوص الجرائم من اختصاص الشرطة القضائية وحدها. وهو ما تؤكده جملة " في كل ما يتعلق بالأبحاث والتحريات الضرورية بخصوص الجرائم.

حول مخالفة المشروع للاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد.

حقا أن المغرب صادق على اتفاقية الدولية لمكافحة الفساد منذ من 17/01/2008. لكن هذه الاتفاقية شددت على أمرين:

1– أن المادة 6 منها نصت ضرورة احداث الهيئة من قبل كل الدول.

لكن الاتفاقية لم تنص على ان تلك الهيئة ستمارس اختصاصات التحري والبحث والإحالة على النيابة.

2 –شددت المادة 42 من تلك الاتفاقية على الولاية الحصرية للقضاء في كل ما يتعلق بالجرائم المرتبطة بمكافحة الفساد.

فعندما يتضمن مشروع القانون المقتضيات المنصوص عليها في المواد من 21 الى 39, يكون مشروع القانون مخالف للاتفاقية الدولية الي صادق عليها المغرب ونشرها في الجريدة الرسمية. أي مخالف للفصل 19 من الدستور.

حول تعارض مشروع القانون مع قواعد المسطرة الجنائية

يتجلى تعارض مقتضيات المشروع مع المقتضيات المسطرة الجنائية الجاري بها العمل في ما يلي:

1-مشروع القانون المشار إليه أعلاه نص في المادة 24 منه على قاعدة جديدة تعطي لرئيس الهيئة الحق في تلقى الشكايات.

لكن ما يثير التساؤل هو ان تلك المادة اعطته الحق والسلطة في ان يستعمل سلطته التقديرية لتقرير هل من حق النيابة العامة وبالتبع لها الشرطة القضائية, أن تبحث في تلك الشكاية المتعلقة بجريمة فساد أم لا.

وعندما يقرر رئس الهيئة أنه لا حاجة لإحالة الشكاية على النيابة العامة، فرئيس الهيئة يعين "مأمورا" لدراسة الشكاية والتحري حول حقيقة الوقائع ويطلب المعلومات المتعلقة بملف القضية و يجمعها ويدقق في صحتها. بطبيعة الحال خارج علم او مساهمة النيابة العامة.

2- أن المادة 25 اهلت المأمور للقيام بالصلاحيات التالية:

-يدرس الشكاية المتعلقة بالفساد.

-يجري الأبحاث والتحريات بشأنها.

-يطلب المعطيات ويجمعها ويدرسها.

-ينجز محضر يضمن فيه تصريحات الأشخاص الذين استمع إليهم.

-يضمن المعاينات والزيارات التي قام بها.

-يضمن المعطيات التي يطلبها رئيس الهيئة مع جميع أعضاء.

كما ان المادة المذكورة أعطته سلطة:

-الدخول إلى جميع الإدارات العمومية.

-الدخول الى جميع الجماعات الترابية. علما أن الجماعات الترابية هي حسب الفصل 135 هي الجهات أن العمالات والجماعات. (علما ان الجهات والجماعات هي منتخبة وهو ما يعني أن المأمور له درجة أعلى من إرادة الناخبين الذي اختاروا ممثليهم في تلك المؤسسات).

-الدخول إلى مقرات باقي اشخاص القانون العام ولا يستثنى إلى المحاكم والمرافق(فقط) التابعة للإدارات المكلفة بالدفاع ولأمن الدولي الداخلي والخارجي.(بينما مقرات تلك الادارات غير مشمول بالاستثناء في صياغة تلك المادة مما يسمح له بدخولها).

-الدخول إلى المحلات المهنية للأشخاص الذاتيين والاعتباريين.

-ممارسة مهام الشرطة القضائية المنصوص عليها في المواد 15 و16 و17 و23 و24 و59 و60 و61 و62 و63.

-يمكنه أن يستدعي إلى مقر الهيئة أي كان. (أي ان له حق في استقدام الأشخاص الى مكتبه وهي سلطة محصورة في قاضي التحقيق وحده. باعتباره ينتمي للسلطة القضائية).

-يمكن للشخص المستدعي أن يحضر مع محامي.(وهو ما يضفي على المأمور وضيفة السلطة القضائية).

-لا يمكن الاحتجاج بمقتضيات السر المهني أمامه من قبل أي كان. ما عدا ما يتعلق بالدفاع الوطني والأمن الداخلي والخارجي. (بمعنى لا الطبيب ولا المحامي ولا الموثق يمكنه أن يتدرع بالسر المهني للمريض أو لموكل المحامي أو الموثق).

3-بالرجوع الى البند 2 من المادة 25 نجده ينص على ما يلي:

" أن يدخلوا( أي المامور) للمحلات المهنية ....

" .... ويتعين مشاركة ضابط أو عدة ضباط للشرطة القضائية في الأبحاث والتحريات "التي يتم القيام بها، ويعتبر حضور هؤلاء إلزاميا تحت طائلة تطبيق مقتضيات المادة "32 و33 من قانون "المسطرة الجنائية.

وتضيف الفقرة الأخيرة من المادة 25 ما يلي:

" إذا تعلق الأمر بدخول المحلات المهنية ...

" يوقع على هذا المحضر مأمور الهيئة وضابط أو ضباط الشرطة القضائية "

أي ان ضابط الشرطة القضائية سيوقع على محضر لم ينجزه. وإنما الزم بالحضور رفقة المأمور.

4- و بالرجوع الى المادة 28 من مشروع القانون نجدها تنص على ما يلي:

" علاوة على الحالة .....

" ... يمكن لرئيس الهيئة عند الاقتضاء، طلب مشاركة ضباط الشرطة القضائية إلى "جانب "مأمور الهيئة في القيام مهامه"

أي أن ضابط الشرطة هو مشارك وليس هو من يقوم بالمهام التي خصه بها الفصل 128 من الدستور.

بل ن تلك المادة أعطت السلطة لرئيس الهيئة ليطلب تسخير القوة العمومية

5-ان المادة 30 من مشروع القانون أعطت لمحاضر التي ينجزها المأمور حجية ويجب ان يوثق بما ضمن فيها إلى أن يثبت المعني بها أو الغير ما يخالفها. أي أعطيت لها نفس القوة الثبوتية للمحاضر التي تنجزها الشرطة القضائية

وهكذا يتبين ان تداخل مهام المأمور مع اختصاصات الشرطة القضائية ليس محايدا وإنما هو تداخل يتنصر لسلطة المأمور على اختصاصات ضابط الشرطة القضائية.

6-تداخل اختصاصات رئيس الهيئة مع اختصاصات النيابة العامة . ويتجلى ذلك في:

أ-يمكن للهيئة أن تضع يدها تلقائيا على حالة معينة وتعتبرها فسادا فتمارس عليها سلطة البحث والتحري. بدون ما حاجة للرجوع الى النيابة العامة.

ب- المادة 23 تلزم النيابة العامة بأن تخبر رئيس الهيأة بالقرارات التي اتخذتها عندما يحيل عليها رئيس الهيئة محضرا تتعلق بجريمة فساد الذي يكون المأمور المعين من قبله قد انجزه.

ج-المادة 24 تنص على أن رئيس الهيئة هو الذي يقرر هل قضية ما يجب أن تحال على النيابة

العامة أم لا. وعندما يقرر رئيس الهيئة بان الشكاية يجب البحث فيها يعين مأمور لدراسة الشكاية وإجراء البحث والتحري. أي القيام بمهام الشرطة القضائية المنصوص عليها في الفصل 128 من الدستور.

د-المادة 28 تنص على إلزام النيابة العامة بتسخير القوة العمومية بناء على طلب رئيس الهيأة ولا يمكنها رفض ذلك.

كما ان المادة 7 في الفقرة الثانية منها تنص على قاعدة جديدة يتجاوز فيها رئيس الهيئة سلطة النيابة العامة إذ تنص على ما يلي:

" غير أنه يمكنها إجراء كل بحث أو تحر إذا تعلق الأمر بمخالفة مالية أو إدارية منصوص "عليها في الفقرة 2 من المادة 3 أعلاه ولو سبق أن قررت النيابة العامة الحفظ بشأنها"

فالمادة 7 من المشروع تعني أن قرار الحفظ الذي تتخذه النيابة العامة في أي ملف, توجد سلطة أعلى من النيابة العامة وهي الهيئة. التي يحق لها البحث في تلك القضية مجددا ضدا عل موقف النيابة العامة.

غير أن مما يؤكد ان الوضع القانوني لرئيس الهيئة وللمأمور هو اعلى من الوضع القانوني للنيابة العامة ومن الضابطة القضائية هو ان المشروع أحدث قاعدة جزائية لمعاقبة كل من يعرقل ما يأمر به رئيس الهيئة وما يقوم به المأمور. وذلك بدون أي استثناء.

ذلك انه بالرجوع الى المادة 37 نجدها تعتبر ان عرقلة لمهام الهيئة تعاقب عليها الفقرة الثانية من المادة 37. بتحريك مسطرة المتابعة التأديبية أو الجنائية إذ تختم المادة 37 المذكورة بفقرة تؤكد كل مما سبق بيانه لأنها تنص على ما يلي:

" في جميع الأحوال يتعين على رئيس الإدارة المعني أو المسؤول على المؤسسة أو "المقاولة المعنية اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة من أجل الاستجابة لطلبات الهيئة."

علما أن الفقرة الثانية من المادة 3 تتعلق بتحريك المتابعة الجنائية عندما يتعلق الأمر بالجرم.

حول علو مرتبة الهيئة عن الوكيل القضائي للمملكة:

تظهر دونية مرتبة الوكيل القضائي للمملكة من مرتبة الهيئة في المادة 36 التي تنص على أن الهيئة تشعر الوكيل القضائي بالملفات التي تحيلها على النيابة بقصد اتخاذ ما يلزم لتقديم مطالبة المدنية نيابة عن الدولة.

أي ان الهيئة هي التي تقرر في:

1-ان كل ما تحيله على النيابة العامة يجب ان يتنصب في الوكيل القضائي طرفا مدنيا. مما يفهم منه ان إحالة الهيئة يجب ان تتبعها متابعة النيابة العامة.

2-ان الوكيل القضائي لن يبق يتبع فقط لوزير المالية كما هو منصوص عليه في ظهير2 مارس 1953. وإنما سيصبح مأمورا كذلك لرئيس الهيئة.

3-يجب على الوكيل القضائي أن ينتصب طرفا مدنيا باسم الدولة بأمر من رئيس الهيئة. بينما الممثل القانوني للدولة في التقاضي هو رئيس الحكومة.

غير أن تلك المادة لم تقف عن احداث تلك القاعدة التي تؤسس لتراتبية بين هيئة كجهة لتوجيه الاشعار وكيل قضائي كجهة للتنفيذ. بل انها أحدثت جزاء ضد الوكيل القضائي في الحالة التي لا يستجيب لأمر رئيس الهيئة.

ففي هذه الحالة فإن الهيئة ستجاوز الوكيل القضائي وستنصب هي نفسها, أي الهيئة, كطرف مدني. أي ستحل الهيئة محل الوكيل القضائي وكذلك محل الدولة. لان المادة تتكلم على انتصاب الهيئة, و ليس انتصاب الهيئة باسم الدولة. إذ تنص الفقرة الثانية من المادة 36 على ما يلي:

" يمكن للهيأة علاوة على الجهات المشار إليها في المادة 7 من القانون 22.01 المتعلق "بالمسطرة الجنائية في حالة عدم تقديم الوكيل القضائي مطالبه المدنية نيابة الدولة خلال أجل "ثلاثة ألأشهر أن تنتصب مطالبة بالحق المدني في القضايا المعروضة على المحاكم كلما تعلق "الأمر بجريمة من جرائم الفساد المنصوص عليها في المادة 36 من هذا القانون..."

حول علو مرتبة الهيئة على كل المؤسسات الدستورية:

لم يكتف مشروع القانون بأن يجعل من الهيئة شخص من اشخاص القانون العام، أي وضعها في مرتبة الدولة مثلا, ولم تكتف بوضعها فوق المؤسسة الدستورية المكلفة بالبحث في الجرائم وهي الشرطة والنيابة العامة.، بل جعلها كذلك فوق المؤسسات المنصوص عليها في الدستور بدون أي استثناء. وذلك عندما نصت المادة 31 على أن رئيس الهيئة له الحق في أي يوجه طلب الحصول على المعلومات والوثائق والمستجدات إلى:

-رؤساء المؤسسات والهيأة المنصوص عليها بالدستور. بدون أن تستثني تلك المادة أي مؤسسة من مؤسسات الدستورية.

كلنا مع مكافحة الفساد لكن داخل الشرعية وبالأدوات القانونية الواضحة التي لا تسمح للمفسدين بتأويلها او الاختباء وراء حروفها وكلماتها. مما يجعلهم خارج دائرة المحاسبة كالعادة.

فهذه القواعد أليس في تطبيقها كما هي اخراج مهمة محاربة الفساد المالي والإداري من مجال عمل الشرطة القضائية ومجال عمل النيابة العامة. واسنادها الى مؤسسة جديدة سيتحكم في الشرطة القضائية. كما سيتحكم رئيس الهيئة في النيابة العامة.

 

سمات القراءة الثانية غير الظاهرة في المشروع

هي ان الحكومة هي واعية بكل ما ينص أتت به في المشروع من مقتضيات جديدة. وأنها تعلم حق العلم التعارض مع الدستور والتعارض مع الاتفاقية الدولية والتعارض من قواعد المسطرة الجنائية.

وأن احداثها لهذه الالية الجديدة تم بكل وعي من الحكومة لان الاليات القديمة لم تستطع محاربة الفساد في تقديرها.

لهذا خلقت اليات جديدة موازية للشرطة القضائية وللنيابة العامة. وأسندت لها اختصاصا وحيدا وهو محاربة الفساد المالي والإداري.

وبمان المهمة صعبة فإن الهيئة والمأمور المعين من قبلها لن يكون فاعلا فيما كلف به ما لم تمكنه من نفس سلطة النيابة العامة ونفس سلطة الشرطة القضائية.

لذا على الحكومة باعتبارها صاحب المشروع ان تعلن للبرلمان وللمواطنين عن الإرادة التي تحكمت في إنجازها لمشروع القانون المذكور.