د. الطيب حمضي: كوفيد والأنفلونزا الموسمية: ما المشكل؟ وما الحلول؟

د. الطيب حمضي: كوفيد والأنفلونزا الموسمية: ما المشكل؟ وما الحلول؟ الدكتور الطيب حمضي

من المتوقع أن يتسبب تلاقي توأم وباء الانفلونزا الموسمية وبعض الأمراض التنفسية الأخرى مع جائحة كورونا في تعقيد الوضعية الوبائية المرتبطة بكوفيد المرشحة للتأزم أكثر من حيث أعداد الإصابات الجديدة يوميا أو الحالات الخطرة وأعداد الوفيات. فنحن مقبلون على الفصل البارد الدي من المنتظر أن يعرف خلاله النصف الشمالي من الكرة الأرضية موجة ثانية من جائحة كوفيد 19 من المتوقع أن تكون أكثر قوة في الأرقام، وطولا في المدة الزمنية مقارنة بالموجة الأولى، وإن كان لا نعرف اليوم درجة خطورتها، هل أقل أو أكثر أو هي نفسها. خصوصا أن الدراسات، التي سنستعرض بعضها، أَظهرت أن الأنفلونزا قد تزيد تفشي كوفيد 19 وقوة اختطاره. اللقاح ضد الأنفلونزا الموسمية الدي ستوفره بلادنا على نطاق واسع ولبعض الفئات الهشة مجانا إجراء مهم ووقائي، كما أن الإجراءات الحاجزية ضد كوفيد تحمي ضد الأخير وتحمي ضد الأنفلونزا نفسها والأمراض التنفسية المعدية الأخرى. بجانب تحديات وإجراءات أخرى نفصل فيها في هدا المقال.

 

هكذا سيؤثر انتشار الأنفلونزا الموسمية على تطور كوفيد وجهود احتوائه:

1- أخطار مُضاعَفة: الانفلونزا الموسمية التي تبدو مرضا حميدا تقتل كل سنة ما بين 300 و650 ألف انسان سنويا عبر العالم، حسب قوة الفيروسات التي تختلف حسب السنوات، وتهم أساسا المسنين والأمراض المزمنة، النساء الحوامل، وكذا الأطفال أقل من خمس سنوات. لذلك فإن انتشار وباءين معا في نفس الوقت -لهما خطورة على عدد من الفئات والشرائح الاجتماعية المشتركة- سيجعل أعداد الإصابات الخطرة مضاعفة وكذلك الوفيات. وسيكون من الصعب على العديد تحمل الإصابة بكوفيد والانفلونزا الموسمية الواحدة تلو الأخرى أو هما معا.

 

2- ضغط على الأنظمة الصحية: أغلبية الدول اتخذت في بداية جائحة كورونا إجراءات قوية للتحكم في وباء كوفيد حتى لا تتعدى الإصابات الخطرة مقدرات الأنظمة الصحية. لكن تلاقي الوباءين بالإضافة لأمراض تنفسية أخرى في نفس الوقت، سيشكل ضغطا كبيرا على الأنظمة الصحية من أطر بشرية ومستشفيات ومراكز ومختبرات التشخيص... واحتمال انهيار عدد من الأنظمة الصحية تحت وطأة هذه الإصابات المجتمعة أضحى أكثر احتمالا.

 

3- استنزاف وسائل وأطقم التشخيص: تشابه أعراض المرضَين كالحمى والسعال الجاف وآلام الرأس والعضلات والإرهاق... سيضاعف الضغط على الكشوفات والتحاليل المخصصة لكوفيد 19 للتفريق بين المرضين، علما أن قدرة بلادنا على الكشف اليومي لكوفيد 19 حاليا محدودة في حوالي 22 ألف كشف كمعدل يومي. هذه القدرة المحدودة هي  أصلا أحد أسباب تسارع وباء كوفيد بسبب التأخر في التشخيص والعزل وتتبع المخالطين. بسبب تقاسمها مستقبلا مع حالات الأنفلونزا الموسمية لتشابه الأعراض قد يساهم ذلك في تأخر أكثر في الكشف وتسارع أكبر للوباء.

 

4- الأنفلونزا تزيد تفشي كوفيد والحالات الخطرة:

‌أ- اظهرت دراسات طبية أن الإصابة بالأنفلونزا ينتج عنه زيادة إنتاج مستقبلات الفيروس التاجي في الخلايا الرئوية في جسم الإنسان، أي أنها تقوم بتسريع دخول الفيروس التاجي للجسم.

‌ب- أظهرت دراسة نشرت قبل أسبوعين، وهي الآن تحت الدرس والتدقيق من طرف باحثين آخرين، أجريت بطريقة النمذجة الرياضية Modélisation mathématique أُدخِلَت خلالها المعطيات المتوفرة عن إصابات كوفيد بكل من إسبانيا وإيطاليا وبلجيكا والنرويج، أن الانفلونزا الموسمية تضاعف تفشي فيروس كورونا مرتين إلى مرتين ونصف. وأعطت الدراسة نفس أرقام الوفيات المتوقعة رياضيا مع أعداد الوفيات المسجلة واقعيا، مما يؤشر على قوة توقعاتها.

‌ج- أظهرت الدراسة كذلك أن أعداد الوفيات بسبب كوفيد بإيطاليا كانت أكبر لدى الأشخاص الغير مُلقَحين ضد الانفلونزا، مقارنة بالذين استفادوا من التلقيح.

‌د- أظهرت دراسة أمريكية أجريت على 11700 شخص استفادوا من تحاليل كوفيد أن الإصابة كانت أكثر لدى غير المُلقَحين ضد الانفلونزا الموسمية مقارنة بالذين استفادوا من التلقيح.

 

انتشار الأنفلونزا الموسمية، حسب هذه المعطيات، سيسهل تفشي كوفيد وزيادة خطورته وزيادة عوامل الاختطار والوفيات عند المسنين والأمراض المزمنة، وزيادة الضغط على الأطقم الطبية والمستشفيات واحتمال انهيار عدد من الأنظمة الصحية، واستنزاف عُدَۜة الكشوفات المخصصة لكوفيد.

 

هده هي مخاطر تلاقي الوباءين على صحة وحياة الناس. وهناك من جهة أخرى تداعيات منتظرة على الاقتصاد وفتح المدارس والحياة الاجتماعية.

- خلال فصل الصيف كانت حالات الأمراض التنفسية المعدية قليلة، وبالتالي كان من السهل تحديد حالات كوفيد المحتملة بفضل الأعراض، ومن تم العزل السريع للحالات المحتملة ومخالطيها في انتظار النتائج، أما في الأسابيع المقبلة فسيصعب على الأطباء ومهنيي الصحة التفريق بين الانفلونزا والأمراض التنفسية من جهة، وكوفيد من جهة أخرى.

 

- وفي غياب تحليلة سهلة وسريعة وفي المتناول -هناك سباق علمي وعالمي لتوفيرها- تساعد في التفريق بين المَرَضَي۟ن، سيتم عزل أعداد كبيرة من الناس لتجنب تفشي العدوى داخل المجتمع والمعامل والمدارس وأماكن العمل. وإذا تم العزل بسبب الشك في كوفيد، وتأخَر الكشف المؤكد، ستطرح إشكالات إغلاق الفصول الدراسية والمدارس والمعامل بشكل مستمر ومتكرر، وهو السيناريو السيء الذي يجب تجنبه: تعطيل المدارس والاقتصاد والحياة الاجتماعية بسبب الشك وليس اليقين. اليقين له مشروعية تفادي الأوضاع الخطيرة التي تفتك بحياة الناس وبالاقتصاد معا، لكن الشك يجب معالجته بالتدابير الطبية.

 

بعض الإجراءات للحد من خطورة تلاقي الوباءين:

1- يجب تلقيح أكبر عدد ممكن من الفئات الهشة ضد الانفلونزا الموسمية وكذا مهنيي الصحة والمهن المرتبطة والأساسية في المواجهة. من شأن ذلك أن يحمي الكثير من الفئات الهشة ضد الإصابات الخطرة والوفيات المحتملة بسبب الانفلونزا. وقد طالبنا نهاية أبريل الماضي في مقال طبي وتدخلات إعلامية السلطات الحكومية المغربية زيادة طلبيات استثنائية من لقاحات الانفلونزا الموسمية. ومن المنتظر أن تشرع فعلا بلادنا في توفير هذه اللقاحات داخل الصيدليات بتغطية 100% للمصاريف بالنسبة للمؤمَۜنين، وبالمجان داخل المراكز الصحية.

2- يجب التأكيد على الإجراءات الحاجزية من كمامات وتباعد وتطهير اليدين وتجنب الازدحام والتجمعات والأماكن المغلقة، ويجب تهويتها. هذه الإجراءات تحمي ضد كوفيد وتمنع تفشيه وفي نفس الوقت تحمي ضد الانفلونزا الموسمية وضد كل الأمراض المعدية الأخرى. إجراءات بسيطة ونتائج مذهلة في الحفاظ على صحتنا وصحة أسرنا وصحة المجتمع ونشاطه الاقتصادي والاجتماعي والدراسي.

3- في غياب أو في انتظار تحاليل سريعة للفصل بين كوفيد والأمراض الأخرى، يجب تكييف بروتوكولات التشخيص والتكفل بما يضمن توازنا بين فعالية التحكم في وباء كوفيد من جهة، وعدم تعطيل الحياة العامة بسبب الشك وليس اليقين من الإصابة بكوفيد. ونعني تخفيف بروتوكولات العلاج لدى الفئات الشابة والسليمة، وتخفيض مدة العزل إلى 10 أيام ثم 7 أيام بالنسبة للمصابين لتسهيل احترام الإرشادات مع تقوية الإجراءات الحاجزية.

4- لتجنب إثقال كاهل المنظومة الصحية بسبب توافد مرضى الإنفلونزا ومرضى كوفيد 19 في نفس الوقت، يمكن التخفيف من التوجه إلى المستشفى وحصره على الحالات التي تعاني من أعراض تنفسية حادة، والتكفل بكل الحالات الباقية بمنازلها أو بالمراكز الصحية الخارجية والعيادات الطبية. وهنا ضرورة إشراك الطب العام وطب العائلة وأطباء القطاع الخاص للمساهمة في التكفل الخارجي بهؤلاء المصابين.

5- يجب التركيز في القادم من الايام على التعريف بأعراض كوفيد والانفلونزا وباقي الأمراض التنفسية الاخرى لدى عموم الناس لتسهيل التواصل الطبي وتنظيم الاستشارات الطبية وترشيدها.

 

- الطيب حمضي، طبيب وباحث في السياسات والنظم الصحية