لحسن العسبي: ترامب فائز؟

لحسن العسبي: ترامب فائز؟ لحسن العسبي

لا أدعي قراءة الكف، ولا التنجيم بالغيب، لكن بعض ما أستطيع ادعاءه من معرفة بطبيعة الذهنية السوسيو- نفسية الخاصة بالناخب الأمريكي، تجعلني أكاد أجزم (مرة أخرى، مثلما فعلت أثناء مواجهته مع هيلاري كلينتون منذ أربع سنوات)، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيفوز بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية القادمة بعد أقل من شهرين.

 

ليس الأمر، مرتبطا بالمآلات التي أخدتها أول مواجهة تلفزيونية مباشرة بينه وبين المرشح الديمقراطي جون بايدن، بل الأمر من وجهة نظري، سابق على ذلك. صحيح أن ترامب خرج منتصرا (أو شبه متعادل) في تلك المواجهة التلفزية، التي أحسن فيها استثمار ما يتقنه من أشكال تواصل لها تأثير نافذ على الفرد الأمريكي دون غيره من باقي العالمين (فهو رجل تواصل بامتياز منذ سنوات). لكن، نقط فوزه كائنة في مستويات أخرى.

 

ذلك أن طبيعة النظام الانتخابي الأمريكي المعقد والمركب، وكذا طبيعة الذهنية السياسية والسلوكية والثقافية للناخب الأمريكي، تجعل المرء يخلص إلى أن كل المؤشرات الأمريكية تمنح الفوز لدونالد ترامب، وأن تلك المؤشرات سوف تكذب مجددا كل استطلاعات الرأي التي ظلت منذ أسابيع تمنح الأفضلية للمرشح الديمقراطي جون بايدن. ذلك أن ما سيميل الكفة لصالح ترامب هو أن ثلثي النساء سيصوتن له (لأنه يقدم صورة الرجل الفحل الخشن)، وأن جزء مهما من السود سيصوت له، وأن جزء من الشباب سيصوت له، وأن غالبية الناخبين البيض سيصوتون له. وأن الأهم من كل ذلك، ستلعب الآلية الدينية الدور الحاسم في تغليب الكفة لصالحه (وهي المتحكمة في النساء والشباب والسود والبيض)، من خلال الدور المحوري منذ 20 سنة الذي يلعبه التيار الإنجيلي (المحافظ والمتشدد) داخل النسيج المجتمعي الأمريكي (كمرجع لكل التيار الإنجيلي بأمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا).

 

إن التيار الإنجيلي الأصولي المسيحي أصبح قويا هناك، وهو الذي سيحسم المعركة لصالح ترامب، مثلما حسمها بالبرازيل لصالح بولسونارو. دون إغفال أن هذا التيار الديني المتشدد والأصولي، المتحكم في الموسيقى والسينما والتلفزيون والتجارة والأبناك، من أشد المدافعين عن دولة إسرائيل، واتفاقية السلام مع الإمارات واتفاقية المقدمة للسلام مع البحرين ورقة مؤثرة ضمن حملة ترامب عند هذا التيار الديني الجارف هناك أكثر من اللوبي الإسرائيلي.

 

لهذا كله، وأشياء أخرى مرتبطة بحصيلته الاقتصادية والمالية الهامة خلال الأربع سنوات الأخيرة، هي التي تجعل كفة المرشح الجمهوري غالبة، رغم كل ما قد يقال إعلاميا عن أخطائه التدبيرية لمواجهة جائحة كورونا.

 

الذهنية الأمريكية مختلفة عن كل العالم، ولا يقاس عليها في اللعبة الانتخابية مثل الذي يحدث في باقي الديمقراطيات هنا وهناك.