ادريس المغلشي: أحلام مستثمر على الورق (3)

ادريس المغلشي: أحلام مستثمر على الورق (3) ادريس المغلشي
قدم بابوشعيب لأصدقائه فكرة عن المشروع وكيف أقنع مستثمرين أمريكان بتحويل الوجهة من تونس إلى المغرب، اعترى الزيارة الأولى بعض التعقيدات الطفيفة التي أفرزت بعض التخوفات، لكنهم يثقون في شريكهم المغربي من خلال معاشرة و تعامل دام لعقدين من الزمن طبعه الالتزام والإحترام ، والإنضباط. استرسل في حديثه وزملاؤه ينصتون إليه باهتمام شديد بل حيوه لغيرته على بلدته وكيف أنه  متمسك باستقطاب هذا المشروع المهم . 
بابوشعيب بنشاطه وحيويته المعتادة يشرح كل التفاصيل حتى يتمكن رفاقه من استيعاب  الموضوع الذي شغل باله لمدة ليست باليسيرة، كل الإمكانات والشروط متوفرة. والملف جاهز، ومع كل هذه الرغبة الأكيدة،  نبهه جمال الموظف صديق الطفولة الذي خبر دواليب الإدارة بأن عليه تسهيلا للإجراءات وتسريعا لها ، أن يخصص مبلغا ليس باليسير لما يسمى عندنا "بالتدويرة ". فانتفض العياشي معقبا، عندنا بأمريكا  كل الأمور تعالج الكترونيا وتسلم الوثائق في مواعيدها  المحددة بالدقيقة والساعة والثانية  مرفوقة بعبارات التقدير والإحترام. عبثا حاولوا إقناعه لكنه رفض هذا الطرح وتمسك بموقفه ، فما يسمع من خطاب رسمي كاف بأن يزرع الثقة فيه ويجعله يرى الأمور بنظرة متفائلة ،لم يستسلم. 
صاح متدخل آخر :لاتتعب نفسك أبابوشعيب ،ماقاله جمال  صحيح وحقيقة مرة مع كامل الأسف عليك تقبلهاوالاستسلام لها ،  بين امريكا " أولبلاد". لا مقارنة مع وجود الفارق .
 أقسم بوشعيب بأغلض الأيمان أنه لن يسلم رشوة لأي كان مهما كان مستواه على مهمة هي في الأصل من واجب الإدارة القيام بها ومن صميم مهامها.
في صباح يوم الإثنين بداية الأسبوع ، توجه إلى الإدارة المعنية باستقبال الملف، كله حيوية ونشاط كعادته ، لاحظ أمرا غير مقبول ولا مستساغا ، حارس الأمن عوض تسهيل مأمورية المرتفقين في الولوج إلى الخدمة ، أصبحت له سلطة غير مفهومة تتجلى في المنع او الترخيص. الناس تتودد إليه وهناك من يضجر ، صور متعددة و كاريكاتورية فتحت الباب أمام تأويلات وعجز عن الجواب على سؤال : 
ماهو الدور الحقيقي لحارس الأمن بالضبط ؟ 
لم يكثرث بابوشعيب لهذا الوضع دخل إلى بهو الإدارة يبحث عن مكتب المسؤول، وجد العون في استقباله طلب منه استشارة وتوضيحا مستفسرا عن المدة التي سيستغرقها الملف ليصبح موقعا جاهزا ، لمزه العون في همس خافت أن الأمر يحتاج "لتدويرة " ستعبد الطريق نحو الهدف المنشود قاده فضوله لسؤال آخر : 
وكم مبلغ هذه " التدويرة " في نظرك ؟ 
رد عليه : خمس مائة درهم ستوزع على كل المتدخلين. 
اعتقد بابوشعيب أنه وقف على صيد ثمين ،فدخل عند المسؤول ،مشتكيا بصيغة التهديد وطالبا منه تفعيل القانون في حق هذا المرتشي الوقح الذي يحاوره  "او بلعلالي ".
طلب منه المسؤول الالتحاق بالمكتب رقم 3 ووعده  باتخاذ الإجراءات اللازمة. بوجه بشوش و باطمئنان شديد خرج في اتجاه المكتب. انتظر دوره فدخل عند رجل بدين بهندام أنيق ومكتب به ملفات مرتبة بعناية ، وضع الملف في تأدب كبير وهو يقدم بعض الشروحات وأهمية المشروع للبلدة حيث سيحقق نقلة اقتصادية نوعية ،قاطعه المسؤول بإشارة بيده  أنه لايشك في أهمية هذا المشروع لكن هناك تفاهمات أولية نحتاج لضبطها. لم يتأخر في طلبه مصرحا بأن صاحب المشروع عليه أن  يقدم  عمولة تقدر ب 5000درهم .جحظت عينا بابوشعيب ولم يصدق ماسمعه من المسؤول. طوى بسرعة الملف تحت إبطه مودعا  دون أن يعقب. فهم الدرس واستوعب الأحداث بشكل جيد وقرر الرجوع إلى أمريكا. وقد تشكل لديه اقتناع لارجعة فيه وبدون تردد أن كثير من الأحلام التي نعيش من أجلها ليست لها  أوطان إنما قدرها أن تبقى حبيسة قرارات على الورق فقط .