أما الضيعات الفلاحية المنتشرة في جنباتها فقد أصبحت فيلات وشاليهات فاخرة متراصة وكأنها تسابق الزمن وتسرع الخطى في سباق محموم نحو المدينة الكبرى. تنازع كل التحديات بإصرار كبير من أجل أن تنسلخ عن صورتها الأولى ،فتخونها الظروف وتضيع الفرص لتبقى رغم احتلال الإسمنت لأغلب مساحتها منها ، قروية حتى النخاع. سكانها البسطاء الطيبون .يجعلونك تعيد الزيارة بدل مرات عديدة.
بابوشعيب يقضي أغلب أوقاته منذ الصباح الباكر بالحي الذي نشأ فيه ، يعلم جيدا أن هذا المكان صامد لن يتغير فهندسته مستعصية على كل المخططات والبرامج وقد صرفت ميزانيات لاحدود لها دون أن يرى النور أي منجز. ستبقى يقينا هكذا فاتركوها لحالها بعدما ملت من مشاريعكم التي أصبحت سراب. كل الأمكنة تحتفظ بابتسامة أهلها كما هي أزقتها تتميز بهدوء منقطع النظير ، سي ميلود الخراز لازال في ركن الشارع يجلس وراء عربته يصلح أحذية الحي ، وحسن بائع الإسفنج يذكرنا بأعلى صوته وهو يحاور بابوشعيب حين كان يوزع بالمجان قطعا صغيرة على الأطفال في صبيحة يوم شديد القساوة وهم متوجهون إلى المدرسة. كل شيء هنا ينعش الذاكرة وكأن الأحداث لازالت طرية وقد وقعت بالأمس.
كل صباح بعد حصة رياضية من المشي المفضلة لديه ، حيث يحلو لصديقنا مجالسة أصدقاء الطفولة في أرقى مقهى بناصية الشارع الرئيسي يتداولون في مواضيع كثيرة .يطوفون بتدخلاتهم عبر مواقع جميلة من ذكريات الزمن الجميل ، كيف كان الشغب له حلاوته وهم يتلقون القرآن في لمسيد عند لفقيه عبد السلام ثم ينقضون على ثمار جنان العياشي في تحد ومغامرة وهم عائدون لبيوتهم. قصص ونواذر تدفع الجميع للحديث بنشوة متفردة. مواضيع لايملون من تكرارها وكأنها ملح الطعام فتزيد الجلسة نكهة وعذوبة تطيل عمر اللقاء. على غير عادته بادر بوشعيب أصدقاءه بالمشروع الحلم الذي أسر تفكيره للمدة الأخيرة حيث يعتزم بإنشاء مركب رياضي بكل محتوياته مع أصدقاء أمريكيين أقنعهم بالإستثمار في المغرب وقد وافقوا بعد زيارتهم الأخيرة على المشروع بل أعطوا لصديقهم بوشعيب التفويض الكامل والضوء الأخضر من أجل الشروع في الإجراءات الأولية. (يتبع)