"مدارات" التهاني يسلط الضوء على التجربة الأدبية للكاتب إدريس الصغير

"مدارات" التهاني يسلط الضوء على التجربة الأدبية للكاتب إدريس الصغير الكاتب إدريس الصغير (يمينا) والزميل عبد الإله التهاني

تابعت "أنفاس بريس"، مع عشاق إبداعات الكتاب والأدباء المغاربة وإسهاماتهم الفكرية، حلقة جديدة من برنامج "مدارات"، على أمواج أثير الإذاعة الوطنية، ليلة الثلاثاء 8 شتنبر 2020، حيث استضاف معد ومقدم البرنامج الزميل عبد الإله التهاني، الروائي والقاص إدريس الصغير.

برنامج "حوار في الثقافة والأدب" أضاء على ضفاف "مدارات"، مسار الكاتب إدريس الصغير في كتابة الرواية والقصة والمسرحية... واسترجع خلال ساعة من النقاش ذكريات ومشاهد من طفولة الكاتب إدريس الصغير، ونصوصه الأدبية المبكرة، مرورا بإصداره الأول (مجموعة قصصية عام 1976)، بالاشتراك مع الكاتب الراحل عبد الرحيم مودن، صعودا نحو الفترات اللاحقة التي شهدت ميلاد رواياته ومجاميعه القصصية، وطبعها في بيروت وبغداد وطرابلس والدار البيضاء والقنيطرة.

 

في تقديمه للكاتب إدريس الصغير قال الإعلامي عبد الإله التهاني، في حضرته "تستمر رحلتنا الأسبوعية مع كتابنا وأدبائنا المغاربة، ويرافقنا في جلسة هذه الحلقة الأدبية الكاتب البارز إدريس الصغير الذي راكم مسارا غنيا، من خلال كتاباته في جنس القصة القصيرة والرواية.. ساكبا مشاهد نابضة بالحياة.. ويعد الكاتب والأديب إدريس الصغير واحدا من رموز الكتابة الواقعية عبر مسيرة حافلة امتدت لأكثر من 50 عاما".

 

واستعرض التهاني العديد من إصدارات ضيف حلقته من بينها المجموعة القصصية "اللعنة الزرقاء" وروايته "الزمن المقيت" و"عين الأطفال والوطن" و"وجوه مفزعة في شارع مرعب" و"النهر العظيم" ومسرحية "أحلام الفراشات الجميلة" ورواية "الحظ الأخير" ومجموعته القصصية "معالي الوزير" و"حوار جيلين" و"رغم ذلك حلق العصفور في السماء" ورواية "لوحات مكسرة"... فضلا عن تأملاته الفكرية في عدد كبير من المنابر ومشاركاته الواسعة في الندوات ذات الصلة.

 

الاقتراب من نبع القراءة.. على درب الكتابة

 بأسلوب بسيط وغني بالتفاصيل قال الكاتب إدريس الصغير "ولدت يوم الجمعة 21 ماي 1948 في مدينة القنيطرة (ميناء ليوطي)، أعتبر نفسي من جيل عاش قترة في مرحلة الحماية وأشرق عليها نور الاستقلال، وخلال مسيرتي شاهدت الكثير من المحطات في تاريخ المغرب والعرب".

وعن بداية مشوار القراءة أشار ضيف البرنامج إلى أنه "بدأ في "الكتاب كجميع أترابي لأحفظ القرآن، ومن تم سجلت في مدرسة التقدم سنة 1956، بالتعليم النظامي المخالف للكتاب"؛ ويصف بداية الاستقلال قائلا "بعد استقلال المغرب كنا نشعر بجو وطني نأمل من خلاله بمستقبل مشرق وحر".

في تلك الفترة يضيف إدريس الصغير "وجدت ما لا يحصى من القراءات لأسماء كبيرة مثل محمد عطية الأبراشي وسعيد العريان والعديد من القصص المشوقة التي كانت تستهويني".. واستحضر في هذا السياق اسم معلمه الأستاذ الغربي وهو يتابع دراسته بقسم المتوسط الأول "بدأ يحدثنا عن الكاتب إحسان عبد القدوس"، وانطلقنا في قراءة "جميع الروايات والكتب والمجلات"؛ لكن النقطة المحورية ترجع إلى السنة الأولى من الثانوي بعد شهادة الدروس الابتدائية، حيث سيتأثر بأستاذ سوري "لعب دورا أساسيا في حياتي"، لأنه كان يمد تلامذته بنصوص جميلة للقراءة والتلخيص "وزع علينا قطعة مأخوذة من كتاب كليلة ودمنة وطلب منا إعادة كتابتها بأسلوبنا الخاص..". هذا العمل المحفز على القراءة والكتابة ترك في نفس الكاتب إدريس الصغير أثرا بالغا لما أعاد كتابة النص حيث خاطبه الأستاذ السوري بالقول "هذا عمل جيد، وقد تصبح كاتبا في المستقبل".

ويسترجع زمن المدرسة العمومية الجميل قائلا: "وجدنا مكتبة بالمؤسسة نطالع فيها الكتب، وأنشأنا مكتبة القسم، وكانت هناك مكتبة أخرى بدار الشباب، والمكتبة الأمريكية..." ويستحضر بحب ظاهرة نادرة تتمثل في إقدام أحد الأشخاص في "إنشاء مكتبة اسمها مكتبة الضعفاء، يمكن اقتناء كتبها بسعر بخس جدا وتبادل الكتب " كل هذه الذكريات التي ذكر ليخلص بأن "المطالعة كانت حاضرة بقوة قبل انخراطه في فعل الكتابة".

 

مخاض التجربة الأولى في الستينيات

عن كتابات البداية يوضح الكاتب إدريس الصغير قائلا: "هكذا بدأنا، أصبحنا نتبادل بعض الكتابات، لكنني أحجمت عن النشر في المجالات الحائطية، لأنني كنت خجولا وانطوائيا على نفسي"؛ فيما بعد "نشرت أول عمل، كان قصة تحت عنوان (خيانة) في جريدة العلم، سنة 1966 /1967، حيث كان الأستاذ عبد الكريم غلاب يشرف على الصفحة الثقافية، لكن النص الثاني لم يكتب له النشر في مرحلة تسلم فيها الصفحة الأستاذ المحجوب الصفريوي .."

 

قال الكاتب إدريس الصغير ضيف حلقة "مدارات"، والذي يعد من الجيل الرائد (جيل السبعينات) الذي أسس للقصة بالمغرب "في ظروف وسياقات تاريخية، قررنا أن نصدر قصة قصيرة مشتركة سنة 1976، مع زميلي وصديقي الكاتب عبد الرحيم مودن، كانت تجربة مهمة بالنسبة لنا".. ويتذكر بأنه كان "يتبادل الكتب أو المحاولات الكتابية التي كان يتمرن عليها وبها رفقة عبد الرحيم مودن". واستطرد قائلا: "حين تسلمنا النسخ الأولى من القصة القصيرة قال لي زميلي عبد الرحيم مودن..الآن دخلنا تاريخ الأدب المغرب".

وعن أسلوب الكتابة أوضح "حاولنا أن لا نكون متفرجين على الحدث مع القارئ، بل أن نكون مساهمين في الحدث مع القارئ ونستمتع بجمالية... لقد ساهمنا ببصمة هامة في تاريخ القصة المغربية والعربية".

 

حديث عن الأعمال المشتركة

 وأوضح ضيف "مدارات" بأن العمل الأدبي المشترك في جنس القصة في تلك الفترة لم "يكن بسبب أزمة النشر، بل كان دافعه الأساس الهموم المشتركة والطموح المشترك، وإعطاء بصمة قوية للنص القصصي المغربي".

وعن سؤال حدود الكتابة في تجربة العمل المشترك مع الروائي عبد الحميد الغرباوي في رواية (ميناء الحظ) قال "لقد اشتغلنا بشكل مغاير عن الكتابة المشتركة عند جبرا إبراهيم جبرا وعبد الرحمن منيف" على اعتبار أن عبد الحميد الغرباوي كان "قد بدأ نصا روائيا واقترح علي أن أكمله، وتوصلت إلى مخرج في الكتابة، حيث كتبت البداية واضطررت إلى قتل الكاتب الذي ترك تلك الأوراق وأكملتها..." من هنا يؤكد إدريس الصغير على أن "القارئ يفهم حدود ما كتبته، وحدود ما كتبه عبد الحميد الغرباوي، فعلا كانت تجربة متفردة وممتعة... المهم في الكتابة هو التجريب والمغامرة للوصول إلى الجودة المنشودة".

 

العلاقة مع زفزاف العظيم

في سياق الحديث عن الجمع بين الكتابة في القصة والرواية أوضح إدريس الصغير إلى أنه "يعتبر نفسه قصاصا، لست أدري كيف حدث أن كتبت في الرواية لما أنهيت كتابتها"؛ وأشار إلى أن "الأستاذ محمد الطوبي هو الذي أعاد نسخها بخطه الجميل، وكان التقديم بقلم الكاتب محمد زفزاف وصدرت كأول عمل في مجال الرواية". واستعاد إدريس الصغير علاقته مع الكاتب محمد زفزاف قائلا "هو زميل في الدراسة إلى حدود الباكالوريا، كان يفقني بفص واحد، والتقينا بمدينة الدار البيضاء كأساتذة سنة 1968/1969، وهناك اقترحت عليه كتابة تقديم لرواية (الزمن المقيت) وهكذا لازمته كصديق". والحديث عن الكاتب محمد زفزاف بالنسبة لإدريس الصغير "يستدعي أن تفرد له حلقة خاصة، لأن الرجل بصم بصمته في الحركة الأدبية العربية...رجل عظيم يقل نظيره".

 

 الترجمة والعبور نحو الآخر

 وعن مسألة ترجمة (أنطولوجيا) بعض الأعمال للغة الهولندية والإسبانية، أوضح الكاتب إدريس الصغير "هذه الانطولوجيا أخذها الأستاذ مصطفى يعلا، ومثلت جيلا من أجيال القصة القصيرة مع مقدمة تشير إلى مكانة هذا الجيل الإبداعي، والصحف تحدثت عنها". وأكد بأن مجال الترجمة "يبقى هاما جدا في انتشار الأدب المغربي عند قراء آخرين للتعريف بالأدب المغربي في الأمم الأخرى".

 

إطلالة على النقد والبحوث الجامعية

وعبر الكاتب إدريس الصغير عن سعادته بالبحوث التي أنجزت في الجامعة المغربية حول رواية (الزمن المقيت) "كنت سعيدا جدا بالبحوث وبالكتابة الصحفية عن مجمل التجربة سواء من طرف نقاد مغاربة أو في المشرق (العراق ومصر وسوريا) لأن الرهان كان هو رهان الجودة..."؛ وقال ضيف حوار في الثقافة والمجتمع عن تجربته "منحتي الثقة في النفس، لم تأخذ مني أي شيء، أعطتني كل شيء".

 

مهنة التعليم والأسرة والموسيقى والتقاعد

 وعن مساره التعليمي أعرب الضيف سعادته "سعدت بهذه المهنة، لقد عملت بالسلك الأول ولم أغيره، تجربة هامة استفدت منها لغويا واجتماعيا ونفسيا".. وأشعر بالسعادة "حين ألتقي بتلامذتي الذين يجمعني معهم التقدير والاحترام ومن بينهم كتاب كبار".

 

وبالنسبة لميوله الموسيقي يوضح بأنه "نشأ في أسرة متفتحة بمدينة القنيطرة الحديثة وهي محور فترة الحماية الذي سمي بالمغرب النافع بين الدار البيضاء والقنيطرة... إلا أنه له مشكل مع الموسيقى الشعبية"، على اعتبار أن "أذنه تعودت على سماع الموسيقى الغربية" والمراقص التي كنا "نتردد عليها لا تذيع إلا الموسيقى الغربية والعصرية... فعلا مشكلتي الكبرى مع الطرب الشعبي... لا أنسجم إطلاقا مع هذا الطرب الذي أصبح متفسخا ومبتذلا.. هذا قدري".

 

وعن الأمكنة والفضاءات أشار إدريس الصغير إلى أنه "يعشق كرة القدم، ويرتاح في فضاء الملعب، ذهني يكون قد رمى كل المشاكل والهموم أمام مداعبة كرة القدم طيلة الشوطين". وبخصوص التقاعد عن العمل قال "كنت أظن أنني سأكتب أكثر وأقرأ أكثر لكن العكس هو الذي وقع.. أحب الأسفار والانتقال من مكان لآخر.. على طول السنة أسافر"...