الكاتب والناقد عبد النبي دشين في ضيافة مدارات التهاني

الكاتب والناقد عبد النبي دشين في ضيافة مدارات التهاني عبد النبي دشين وعبد الإله التهاني

يواصل برنامج "مدارات " الإلتزام  بخطه التحريري ، في إعطاء الكلمة للطاقات الأدبية والفكرية المغربية ، من مختلف المشارب والاهتمامات، من أجل عرض أفكارها ومساراتها الثقافية،  من خلال جلسات حوارية تتسم بالسلاسة والإنسيابية.

في هذا السياق استضاف الزميل عبد الإله التهاني ليلة الجمعة 28 غشت 2020 ، عبر أمواج الإذاعة الوطنية وعلى ضفاف ينابيع حوار الثقافة والمجتمع الكاتب المغربي عبد النبي دشين ، حيث سلط الضوء على مساره الثقافي، من خلال استعراض مساره في كتابة القصة القصيرة، والمقالة الأدبية، والتأملات النقدية، واهتماماته بالمسرح والسينما، وتجربته في التدبير الثقافي المؤسساتي والمدني.

الزميل عبد الإله التهاني فتح شرفات "مدارات" لكي يطلع المستمعون والمستمعات من عشاق البرنامج على ذكريات طفولة الكاتب والناقد عبد النبي دشين... و قد شكل محور البدايات انطلاقة جميلة للحديث في مواضيع ومحاور أخرى لها صلة بالنقد الأدبي، وإشكاليات التربية والتعليم، والأدوار المفترضة للمدرسة العمومية المغربية في التنشئة، والتربية والتكوين، وتهذيب الذوق، والتربية على القيم المثلى والسلوك المدني الرفيع، مرورا بتصوره لإستراتيجية تنمية القراءة وحب الإطلاع في أوساط المجتمع، وصولا إلى الحديث عن طبيعة فهمه لوظيفة الكتابة الأدبية، وطريقته في ممارستها، وكذا علاقته بالأمكنة التي ألهمته.

"الحديث عن هذه المحطة، حري دائما بالمبدع أن يتمثل زمنه النفسي، وزمنه الاجتماعي...البيئة التي تورطنا دائما ما يكون لها النصيب الأكبر في تشكيل وجدان المبدع"، هكذا أجاب الكاتب والناقد عبد النبي دشين على سؤال البدايات والعودة إلى الينابيع حيث أكد على أن "في مرحلته الطفولة العمرية كان شغوفا بالقراءة، كان ذلك الطفل الذي يختلي بذاته من غير وعي، وكانت عدة أشياء تثيره في خلوته، وعوالم يرى فيها نفسه"

و أكد ضيف برنامج مدارات على أن " الحديث عن الطفل فينا لا يمكن أن ينفصل عنا"، حيث استرجع مرحلة طفولته ليقول "كنت انفتح على الحلم الجميل عبر نصوص جميلة مشبعة بالخيال والعالم الغرائبي" و كان يلجأ دشين الطفل للقراءة لما "تضيق به الأمكنة والعوالم، فيبحث عن تغذية الذات في ما هو أفسح وأرحب من خلال شغف القراءة "

و أوضح الكاتب والناقد عبد النبي دشين بأن "مرحلة المدرسة كانت مفصلية في ولعي بالكتابة عبر الموضوعات الإنشائية، إنها لحظة إنتشاء ، لحظة في العمر لا تنسى أبدا" من هذه اللحظة تورط كاتبنا الناقد عبد النبي دشين "ورطة جميلة.. و الكتابة مفتاح سحري"

وعن المقروءات التي جذبت ضيف البرنامج وارتبطت بمراحل عمرية قال : "كانت مرحلة أساس لكل جيل مقروءات وشمت ذاكرتنا القرائية ..جبران خليل جبران، المنفلوطي، العقاد، الرافعي...هذه النصوص لم تكن فقط ن أجل المتعة، كانت تتسرب إلى مسام الروح...كانت نصوص غريبة جدا وحالمة وأيضا تسمو بنا عن ضيق الواقع.."، و أضاف في هذا الجانب قائلا:" كانت النصوص هي البديل والعزاء في ما لم نجده في واقعنا.. كان للقراءة بالغ الأثر في التورط الجميل في عالم الكتابة"

وبخصوص نصوصه الأولى قال:"كانت هذه النصوص الامتداد الطبيعي لمرحلة الكتابة المدرسية الإنشائية ..النصوص الأولى كانت تحاول أن تعاين البرهة التاريخية التي نعيش فيها...نصوص رصدت ما هو اجتماعي له نفحة سياسية.. مثقلة بهذا الإرث السبعيني" وأوضح في هذا السياق بلغة المحلل بأن "الانضباط للشرط التاريخي لا يمكن أن ينفلت منه أي مبدع..النصوص الأولى الكاتب يعلن ذاته، له وللآخرين ..نصوص تقول كل شيء..لأن الذات مشحونة ومتوترة بالانفعالات (الذاتي والاجتماعي والسياسي)..كانت النصوص تصرخ بعنف وتقول كل شيء.."

عن سؤال الكتابة في المجال القصصي أشار الأديب عبد النبي دشين إلى أنه "يحس بأن الشعر يجب أن يغذي النثر..لذلك كان ميلي للنثر لأنه يمنحنه مساحة أوسع...وكانت اللغة الشعرية تنفلت لتستوطن المحكي وتحضنه وتجعل منه محكيا آسرا"

أما عن مجموعته القصصية "رائحة الورس" ، (الورس نبات لا رائحة له) فقد كان الكاتب "يتهيب من مسألة النشر"، وبالعودة للعنوان "عنوان إشكالي و مفارق، يخلق نوعا من الخلخلة لدى المتلقي " لأن ضيف مدارات "لا يمل إلى الاستسهال ، أخاطب ذكاء المتلقي . و اختياري للعنوان فيه نوع من التطابق بين الورس والطفولة، لأن الطفولة رديف للكتابة وهي إكسير لكي لا نشيخ"

"في مختبر الكتابة تتفاعل به عدة عناصر، وتحضر أشكال تعبيرية أخرى، كالمسرح والسينما والتشكيل..أحاول أن أطعم النص وأجعل له ركائز من هذه الفنون الأخرى لنضمن له الكثافة الناظمة والمعتقة"

بالنسبة للانتقال من القصة القصيرة إلى الشعر أو الرواية أوضح الكاتب والناقد دشين بأن" الرواية تستهويه ويدمن قراءتها" و في الرواية "هناك مساحات للبوح والقول" ولاحظ بأن هناك ما يمسى "بزمن الرواية الكل سار يكتب الرواية"

واعتبر بأن" القراءة في المغرب تعتبر معضلة كبيرة نظرا لغياب الاهتمام بالمنتوج الإبداعي، وغياب الشغف بالقراءة" و بخصوص علاقة المدرسة المغربية بفعل القراءة "لأنها مشتل لاستنبات القراء، لابد من الاهتمام بفعل القراءة داخل المدرسة المغربية"

وأكد بأن فعل القراءة "لا يمكن أن يبنى على الإكراهات المؤسساتية والمنهجية لأن الشغف بالقراءة يبنى بتلقائية دون قيود وبدون شروط مؤسساتية" وأشار إلى أنه يجب المراهنة على "المدرسة لترسيخ فعل القراءة من خلال وضع مشروع مجتمعي لتنمية هذا الفعل بمساهمة مجموعة من الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين لأن القراءة ليست فقط شأنا يهم وزارة التربي الوطنية هو مشروع مجتمعي متكامل"

وأكد على أن المدرسة كإطار "يعاد فيها إنتاج منظمة القيم، المدرسة وجدت لتوجه الحياة، وهي أيضا مشتلا لقيم الجمال والسمو والرقي ...هي الأرضية التي تفيد بناء الإنسان وتربيه على الجمال والتسامح وكيف نتعلم أن نحب الحياة عبر تمرير نصوص تغذي وتخصب الإنسان..."