عبد الإله الجوهري: ثريا لم ترحل 

عبد الإله الجوهري: ثريا لم ترحل  عبد الإله الجوهري، و لراحلة ثريا جبران
كتب الكثير عن ثريا وهي حية، ولا زال يكتب ويكتب عنها وهي "ميتة"، وفعل الكتابة في كل الحالات يستمد شرعيته ومشروعيته ووجوده، من كون المحتفى بها امرأة استثنائية، فنانة لا يجود الزمان دائما بمثلها، مناضلة أفنت زهرة عمرها في حمل لواء الحب والحق، ومناصرة الطبقات المسحوقة، لحد انها كادت أن تترك روحها بين أيادي القمع وخنق الحريات، بداية سنوات التسعينات، لكنها تركت قصة شعر شاهدة على همجية الظلم والظلام، ودليل على التحدي وعنفوان الحياة لامراة نذرت وجودها لما تؤمن به .
المسرح المغربي عرف عطاءات فنانات مغربيات متعددات، لكنه لم يحتضن فنانة بالشكل الذي احتضنها به، لم ينتش فرحا وبهجة بالشكل الذي كان ينتشي به وثريا ترقص فوق ركحه. سواء حين تؤدي شخصيات مقتطعة من متن التراث المسرحي العالمي، او تجسد واقع نسوة مغربيات عشن في كنف بلد الرصاص، ومغرب الحريات المخنوقة، بسبب ظلم طغمة بئيسة، خلال سنوات الكلام المحظور. كانت وظلت تمثل بحذق وعمق مرفوعة الرأس، منفتحة ومتفتحة على معاني الخلود، في كيفية تكسير المواضعات، وتسطير الطرق المفضية لبهجة النفوس.
التلفزيون لم تكن ترتاح له، لأنه، وحسب قناعاتها، يحد من طموحها في التعبير كما تحب وتريد، لأنه باب لولوج المنازل، وجسر لمعانقة العائلات، والحلول ضيفة على جمع الناس، فكان ولابد من ان يتم وضع حد للاندفاع، ومراعاة قيم الضيافة والوجود، والركون في الغالب الأعم لقضايا مجتمعية، يجد فيها المتفرج متنفسا للمشاهدة الموصلة للفرجة البريئة، والعلاقات الإنسانية المؤسسة على الفائدة في تجذير مغربية المولود فوق هذه الأرضية الطيبة التي ننتمي لها جميعا.
السينما ورغم مشاركاتها العديدة، منذ سنوات السبعينات، في أفلام لمصطفى وعبد الكريم الدرقاوي و إدريس المريني ومومن السميحي وسعد الشرايبي وحسن بنجلون وحسن غنجة، وغيرهم كثير، إلا أنها لم تحقق من خلال أدوارها على الشاشة الكبيرة ما كانت تصبو إليه، بمعنى لم تمنح ذلك الدور الذي يفجر طاقاتها كما فجرتها فوق خشبات المسرح، داخل المغرب وخارجه. فالمسرح ظل هو الفضاء الأليف والقريب إلى حساسيتها الفنية وقلبها الإنساني، فوقه تفجر كوامن الدواخل، وترقص على إيقاعات جذبة الوجود، وتردد مع سيدي عبد الرحمان المجذوب وبوغابة وحكايات بلا حدود: امتى نبداو امتى، لأن البدايات بالنسبة لها فرض مكتوب واختيار يأتي عن حب وطواعية، اما النهايات فغالبا ما تكون قدرا محتوما. 
ورغم أن النهاية جاءت صادمة لكل أحبابها واصدقائها وعشاق فنها، إلا أنها نهاية/ صدمة يقلل من وقعها، حضورها الدائم في الذاكرة، ومخاطبتها لنا بالصوت الإبداعي المحفظ والمسجل في الوجدان، رغم حجب الحياة، والقدر والمكتوب، وبقاء اسمها محفورا، مهما بعد الزمن، كأيقونة من أيقونات هذا البلد المعطاء، الذي احبته وأحبها بلا حدود.
عبد الإله الجوهري، ناقد ومخرج سينمائي