لقد أفردنا لتدبير الشأن الديني بإيطاليا العديد من المقالات منذ عقد من الزمن، سواء بأسبوعية "الوطن الآن" أو "أنفاس بريس".. كما تطرقنا للعديد من المحاور الأساسية المتعلقة باشكالية " المُحَاور الوحيد" أمام السلطات الإيطالية والفاتيكان، و كذا موضوع تمويل المساجد و دُور العبادة بايطاليا.. ونبهنا إلى العديد من الانزلاقات الفردية و أخطاء هنا وهناك...
كما نبهنا إلى تعقد الموضوع وتعدد الفاعلين من الأفراد والمؤسسات والدول وتشابك سياسات الاندماج لدول الاستقبال مع تصدير بعض الدول لايديولوجتها و طريقتها في التدين ، وعلاقة كل ذلك مع مناخ العلاقات الدولية و تنامي تيارات التطرف و لإرهاب والكراهية واليمين المتطرف...و غير ذلك...
كان لنا السبق في تقديم قراءات نقدية موضوعية للكونفدرالية الإسلامية بايطاليا في عقدها الأول، وحضرنا اجتماعاتها الأولى مع السفير بنعبد الله بولونيا في فبراير 2009 و مرورا بالسفير أبو أيوب... كما حضرنا انتخابات الكونفدرالية في مارس 2012 بروما..
ونعود اليوم بأسئلة جديدة ، كمن له المصلحة بتفجير الكونفدرالية الإسلامية من الداخل..؟ وهل السبب الحقيقي هو التمويلات أم هناك أسباب سياسية و إيديولوجية...؟ وما الجديد في الصراع الجديد، هل الأشخاص والأدوات...أم الأيديولوجيات والأنظمة...؟
دعونا نفتح النقاش بكل شفافية ونُسمي الأشياء بمسمياتها، مع حِفظ حقٍنَا في الخطأ أو سُوء الفهم هنا أو هناك...مع التأكيد على أهمية النقد البناء وليس الخوض في الحياة الشخصية لأي كان...
فالسيد " بحر الدين " إمام مسجد " المدينة " بطورينو ، يتزعم الانتقاد اللاذع لطريقة أداء المكتب الكونفدرالي في جانب التسيير المالي ..خاصة وأن الأمر يتعلق باموال دافعي الضرائب من المغاربة و أن كل تلك الأموال مخصصة للامن الروحي لمغاربة إيطاليا...
وفي اتصال هاتفي مع السيد بحرالدين بمعية السيد سعيد حمادة..أكد على أن الأمر غير شخصي ضد شخص الرئيس ،لكنه مع الكشف عن حقيقة ارقام التمويلات من المغرب و مع الشفافية في التسيير واعتماد الكفاءات...مع انفتاحه على قنوات الحوار...
كان سيكون الأمر منطقيا و معقولا، لو قرأنا هذه الأسئلة بعيدا عن قراءة تاريخ الشأن الديني بمدينة طورينو عاصمة جهة البيومونتي...وما عرفته من " حرب المساجد " كما وصفها بعض علماء الاجتماع الإيطاليين و كذا الاعلام المحلي بطورينو..
إذ لا يمكن الحديث عن الشأن الديني بطورينو دون الحديث عن السيد عبدالعزيز الخوناتي إمام مسجد السلام ورئيس " اتحاد المسلمين بايطاليا "، و لا يمكن فهم ما يجري اليوم من صراع دون معرفة تفاصيل معركة مشروع "مسجد الرحمن " ومصير 2 مليون أورو من أموال دافعي الضرائب المغاربة... وأين يوجد الآن السيد عبدالعزيز الخوناتي؟ وهل تصرًف لوحده في غنيمة مالية خيالية اكثر من اثنين مليار مغربية..؟ أم لديه شركاء..؟ ومن لهم المصلحة في عدم الكشف عن حقائق القانون الأساسي لاتحاد مسلمي إيطاليا، أي الكشف عن أسماء السيد أمين المال وباقي أعضاء المجلس ...؟ لأنه يعتبر المسؤول القانوني عن تصريف أموال المغاربة أي " جوج المليار "...
خاصة وأن المسألة لم تكن سرا، فقد تناولت الجرائد المغربية الموضوع في حينه بعنوان " الفضيحة " أي بين سنوات 2007 و 2010، كما تناولت الصحافة الإيطالية تفاصيل دقيقة بالاسماء والأرقام...فاللهم أدِم نعمة الانترنيت و احفظها من الزوال...
أن ما جعلنا نشبه صراع اليوم بالأمس..هو اعتباره امتدادا لصراع بين ايدولوجيتين لم ينته بعد...فهل هو استمرار و امتداد بنفس الأشخاص وفي نفس اللعبة...؟
وهي اللعبة التي بدأت بانفصال السيد الخوناتي عن جمعية " لُوكُويْ " بين سنتي 2006و2007 بعد رفضها توقيع " وثيقة المواطنة " التي أعدتها وزارة الداخلية الإيطالية بتعاون مع فاعلين مسلمين مقيمين بايطاليا... من جهة ، و رغبة الخوناتي في لعب دور أكبر للمغاربة داخل " لوكوي " ذات الولاء المشرقي ، و قد كشف مؤخرا كتاب " أوراق قطر " عن تفاصيل التمويل و الاشخاص ايضا..
اعتقد ان المغرب رأى في الخوناتي و " اتحاد المسلمين بايطاليا " انتصارا مهما لطريقته الوسطية في التدين مقابل طريقة " لوكوي " المشرقية..مما جعله يحضى بتمويل ضخم لمشروعه مركز ثقافي إسلامي و مسجد الرحمن من طرف وزارة الأوقاف الإسلامية.. وهو ما جعل بلدية طورينو تسلم له ترخيص البناء في 30 دجنبر 2010، ويعلن الخوناتي بعدها عن بدأ عمليات البناء في يناير 2011 ...
لكن تمت عراقيل حالت دون بلوغ حُلم "مسجد الرحمن " ومنها قيام المغربي/ ة ( xx) في ابريل 2009، بتسريب خبر التمويل لصحافة حزب رابطة الشمال العنصري، وكذا توقيث الانتخابات البلدية بطورينو سنة2011...مما جعل الامر يصعب بتقديم طعن بتاريخ 28 فبراير2011، من طرف مستشار عن حزب الرابطة بالمجلس البلدي بطورينو لدى المحكمة الإدارية التاعبة لجهة البيومونتي التي أعلنت في أكتوبر 2011عن تأجيلها البث في القضية...!!
سيستمر الخوناتي في لعب دور المنشط في صراعه مع فاعل ديني آخر و هو السيد " بوشتى " صاحب محلات الجزارة الحلال و إمام مسجد ساحة الجمهورية بطورينو...و الذي سيتم طرده من إيطاليا و سينظم لحزب البديل الحضاري المغربي الذي تم حله هو أيضا من طرف السلطات المغربية..
و سيكون انخراط الخوناتي ضمن برامج "المنتدى العالمي للديمقراطية و الديانات " بمدينة أليساندرية الإيطالية ، هي أخر حلقات الخوناتي قبل اختفاءه من الساحة ( يقال انه انتقل الى فرنسا ) و اختفاء مصير " جوج مليار "...!
نميل الى الاعتقاد بأن نفس الصراع لا زال قائما اليوم و بنفس الأدوات...فالتدين المغربي المعتدل و الوسطي من جهة ، مقابل التدين المشرقي من جهة ثانية ، وهو ما يجعل من " حرب المساجد " حرب بالوكالة بين ايديولوجيات معروفة...
فبعد اختفاء " اتحاد المسلمين بايطاليا " حاول المغرب سد الفراغ بخلق فيدراليات جهوية و كونفدرالية إسلامية تتبنى الاتجاه المغربي أي الولاء لامارة المؤمنين والمذهب المالكي المعتدل....وخلق شراكات وتبني برامج و المشاركة في برامج " المنتدى العالمي للديمقراطية والأديان " كماستر الاسلام ببادوفا مثلا..
لكن ما علاقة كل هذا بالسيد " بحر الدين " و صراعه مع الكونفيدرالية اليوم ...؟ بكل موضوعية و بعيدا عن كل حسابات ضيقة أو اتهامات مجانية، فان كل الوقائع تقودنا الى الاعتقاد أن العلاقة هي استمرار الصراع بالوكالة باسم أيديولوجيات معروفة ..لكن تحت أسماء جديدة، كحماية مال دافعي الضرائب ومحاربة المفسدين...
لقد وضع السيد بحر الدين في نفس اليوم الذي حصل فيه السيد الخوناتي على رخصة البناء، أي يوم 30 دجنبر 2010، طلبا لترخيص بناء مسجد و مركز إسلامي جديد بطورينو بمنطقة Barriera di Milano ، باسم جمعية " casa di famiglia" ... وهو ما جعل صحافة حزب رابطة الشمال العنصري بطورينو تستغل سياسيا " خطأ توقيث " وضع الطلب من طرف السيد بحر الدين.. وأججت الرأي العام المحلي على مقربة من الانتخابات البلدية...كما تم استغلال الخروج الإعلامي للسيد بحر الدين و تعليقاته القوية في موقع إلكتروني محلي يوم 13 يناير2011،.. ووصل الامر الى المطالبة بتنظيم "استفتاء شعبي " بطورينو...
فهل يمكننا القول ان السيد " بحر الدين " قد عرقل مشروع الخوناتي " مسجد الرحمن "، بتقديمه طلب بناء مسجد ثاني في زمن انتخابي...؟ ولماذا لم ينتظر السيد " بحر الدين " حتى انتهاء فترة الحق في تقديم الطعن لدى المحكمة الإدارية...؟
واذا علمنا ان السيد " بحر الدين " قدم طلبا غير مكتمل من الناحية الإدارية ، و قيام فرضية علمه المسبق برفض طلبه لعيب شكلي..فهل كان تصرفه " تكتيكيا " مثلا...؟.
نحن لا نكيل اتهامات للسيد المحترم بحر الدين، بل نسوق الى إيجابات منطقية عن علامات استفهامات كبيرة ..مفادها ان الخوناتي تقدم بطلب مكتمل من الناحية التقنية و الهندسية و من الناحية المالية بالتوفر على " جوج مليار " من وزارة أحمد التوفيق ...
فلماذا تقدم السيد بحر الدين بطلب بناء مسجد ثاني في نفس الفترة و بدون ضمانات مالية، وصرح أن الخواص هُم مَن سيتولون تمويل أعمال بناء المسجد الجديد أي 45 ألف مصلي بطورينو...؟
فهل هناك جهات خاصة غير إيطالية و غير مغربية، هي من كانت ستُمول مسجد بحر الدين الجديد.. هذا مع التنبيه الى تزامن تلك الفترة مع قيام السيد " بحر الدين " بزيارات للديار المقدسة من أجل العمرة...!
الصراع اليوم هو شبيه بالأمس.. فقد تمت عرقلة جمعية اتحاد المسلمين بايطاليا و مشروع مسجد الرحمن في السابق، ونقف اليوم على محاولة تفجير الكونفيدرالية من الداخل...، ففي الاولي نجد اسم " بحر الدين " الذي يتكرر اسمه من جديد في الصراع الجديد مع الكونفيدرالية... فهل في الامر صدفة عارضة..؟
فمدينة طورينو العمالية وحمولتها الثقافية والسياسية وعدد مغاربة إيطاليا فيها وقرب جغرافيتها من أكثر من دولة أوروبية ..يجعل من أي مسجد أو مركز ثقافي إسلامي بطورينو يحمل البعد الأوروبي والإشعاع الأوروبي.. وهو ما يجعل من منطقة "جهة البيومونتي " نقطة صراع لاكثر من أيديولوجية و أكثر من تيار ديني...وهو ما يفرض البحث عن لاعبين بأسماء مستعارة تارة و باسم الدين و محاربة الفساد تارة أخرى..و تحت عنوانين مختلفة ، فبالأمس كانت تحت عنوان " حرب المساجد "...أما اليوم فهي تحت " حرب الفساد "..
هذا مع الاتفاق مع السيد "بحر الدين " على ضرورة إعادة النظر في جوانب عديدة داخل الكونفدرالية الإسلامية...على مستوى الكفاءات و الشفافية و البرامج وكذا الانفتاح على فعاليات المجتمع المدني...كانت هذه استفهاماتنا و ليست اتهاماتنا، فهل أسأنا الفهم سيدي بحر الدين..؟