وصل حقل التربية والتعليم بالمغرب إلى ما وصل إليه، من وضع متقهقر يعج بالمشاكل والأعطاب.
يمكن أن نتفق بالإجماع من دون أدنى ريب أنه راهق مُطلاً على الأزمة بكل معانيها و تجلياتها إن لم نزعم متفقين على أنه في أزمة حقيقية، أمسى الجدل والسجال حول سقمه وعلله محسوما، حيث أجمع على ذلك الخواص والعوام من النقاذ والممارسين التربويين إلى كافة أطياف المجتمع بمثقفيه ومن هم دون ذلك، ومن كان يخوض مع الخائضين في أحاديثه.
تثاقلت مشاكل القطاع التربوي ودارت عليه الدوائر حتى تم اعتباره بالمبتدأ و الخبر ذاك القطاع الشبح الذي فشلت في التغلب عليه كل التوجهات وانكسرت أمام ضراوة استفحال معضلاته كل الاستراتيجيات.
تعاقبت الوزارات، اختلفت الرؤى، تضاربت الأفكار، ودار لقمان ظلت على حالها آيِلًا سُورُها على الانهيار متكبدة نكسات الزمن، فهي من جهة مشلولة في مجارات التطورات والتحولات التي لفت المجال التربوي عبر العالم، وارتقت به إلى تبني أنظمة وبيداغوجيات حديثة، تواكب الحاضر ومنفتحة على المستقبل، ومن جهة ثانية غياب العقلانية والواقعية في التخطيط وفق الدواعي والمتطلبات المنطقية على مقياس المجتمع وحاله، وتماشيا مع كل مرحلة من مراحل سير البلاد، بعيدا عن الأفكار الطوباوية والمشاريع الوردية البعيدة زمنيا وسوسيولوجيا وحتى تنزيلها على الواقع قد يعد مستعصيا عصيا.
عرف المجال التربوي، عبر العالم، تحولات و تغييرات جدرية خصيصا عند الغرب ودول جنوب شرق آسيا، حيث شملت هذه الطفرات مراجعة شاملة للنظريات التربوية المعتمدة والسلاسة في تنزيل المشاريع المتبناة على الواقع، كما انعكس ذلك على المدرسة محولاً إياها من المؤسسة التربوية الكلاسيكية إلى فضاء ذكي وورش عنكبوتي، منسجم مع المجتمع المعلوماتي، تطوره هو تطور للمجتمع وارتقاء هذا الأخير تنال منه المدرسة نصيبها من ذلك.
في ظل هذا وذاك يظل واقع المدرسة المغربية، يجعلها بعيدة عن هذه الظروف نظراً لقلة الموارد اللوجستيكية في أحسن الأحوال، وغيابها في أغلب هذه الأحوال. ولنا أن نتصور مؤسسات في قلب حواضر المدن الكبرى، تعاني مرافقها من أبسط الأساسيات الوسائطية والتواصلية مع غض البصر عن البنيوية، وقس على ذلك المدارس المتناثرة بالمداشر وعلى شطوط الجبال وسفوح الأرياف كيف يمكن أن يكون حالها. بالاختصار المفيد يمكن القول إن الجانب اللوجستيكي والبنيوي محدد أساس يعبد الطريق نحو الانفتاح على تكنولوجيا التواصل، باعتمادها في سيرورة العملية التعليمية التعلمية ومن ثمة يكون قد آن الأوان للخوض في أحاديث عن المدارس المعلوماتية أو الذكية، أو البرامج الخاصة بالاقسام الافتراضية، والتعليم عن بعد بشتى مشتقاته. ويمكن القول جزما بأن انعدام الإمكانات اللوجستيكية تقف حجر عثرة في سبيل وصول هذه الغاية، ومن ثمّ يكون تأكيداً للحديث عن كون مدرستنا لم تُجارِ نسق التطور الرهيب في المجال التربوي عبر العالم والذي فرضه تطور العالم نفسه.
في حديثنا عن الواقعية في التخطيط، نقصد بذلك وضع أو تبني الاستراتيجيات والمشاريع التربوية التي من شأنها أن تكون تتماشى وطبيعة المدرسة المغربية تربويا ومجتمعيا، مع استحضار الوصفات والآليات الكفيلة بتنزيل ذلك على الواقع، عِوض الخوض في استيراد أو استنساخ مخططات وبرامج إصلاحية جاهزة، لا تمت واقع المدرسة المغربية بصلة من الصِّلات.
في أحايين كثيرة تم تجريب وصفات، كان الهذف من إقحامها هو تضميم الجروح الغائرة التي أمست تبدو للقاصي والداني أنها تجر الجسم التربوي نحو الهلاك السريري، و ما فتئ المشروع المعتمد يراوح الرفوف، حتى تناهت إلى مسامعنا، أنه زي فُصِّلَ على غير المقاس، وتم استبداله بمشروع آخر من شأنه أن يحل بعض المشاكل، تظل مجرد حلول إصلاحية مؤقتة. فالاسترسال في تغيير المشاريع بالأخرى هو دليل قاطع و برهان ساطع، حول مدى نجاعة المشاريع المستبدلة أو المتخلى عنها، إذ لا يمكن اللجوء لأي مخطط أو مشروع تربوي إلا من أجل ترقيع هفوات أو استكمال أو حتى تعويض لنقائص ميزت سالفه من المشاريع.
حتى لا نضع كل البيض في سلة واحدة ومن زاوية نقدية هادفة بَنَّاءة لا هدامة مفادها الأول والأخير هو رغبة جامحة متطلعة لقطاع تعليمي ذي جودة تضاهي الأنظمة الرائدة وأرضية تربوية خصيبة، لا بد من الإشادة بأنه تحقق تقدم في القطاع التربوي وكانت هناك مجهودات غير مخفية أثمرت نتائج إيجابية، أو على الأقل كاذت تثمر ذلك، إلا أن أعطاب القطاع تغطي كل ذلك وتجعل الوضع اليوم بدون الحاجة للتشخيص أنه أصبح يتطلب قبل أي وقت مضى التفكير في مقاربة تربوية إصلاحية تشاركية، بتداخل وتدخل كل الشركاء بمختلف أطيافهم مع تبني إصلاح أو مشروع يراعي واقع المجتمع و خارطة طريقه.
ويظل المدرس هو الفاعل الرئيس بوصفه المُنَفِّذ لكل التوجهات التربوية، وقوة اقتراحية لا محيد عنها في التخطيط قبل التدبير، حتى تشرق شمس ربيع قطاع تعليمي تربوي أكثر هيكلة، مثمر للكفايات وأرض خصيبة معطاء تكون مصدر نماء للبلاد و العباد.