الخبير اليوسفي يفكك بلاغ وزير التربية ويشرح تداعياته الخطيرة على مستقبل التلاميذ

الخبير اليوسفي يفكك بلاغ وزير التربية ويشرح تداعياته الخطيرة على مستقبل التلاميذ الخبير في مجال التربية الأستاذ عبد اللطيف اليوسفي
كان بلاغ يوم السبت 22 غشت 2020، الذي كشفت فيه وزارة التعليم عن تاريخ انطلاق الموسم الدراسي الجديد في 7 شتنبر 2020 مثيرا بكل المقاييس، سواء على مستوى المخطط التدبيري الذي اعتمدته الوزارة أو على مستوى تنزيله.
وفي هذا السياق اتصلت "أنفاس بريس" بالخبير في مجال التربية الأستاذ عبد اللطيف اليوسفي وأجرت معه الحوار التالي: 
 
بعد الإعلان عن 7 شتنبر كموعد لانطلاق الموسم الدراسي، ماهي قراءتك لهذا القرار الذي يبدو أنه جاء متأخرا؟ 

من عادة وزارة التربية الوطنية ان تصدر قرار تنظيم السنة الدراسية في موعد ملائم غالبا ما يكون خلال شهر أبريل أو ماي.
فبالنسبة للسنة الدراسية 2019-2020 صدر القرار بتاريخ 29 ماي 2019، غير أن طبيعة هذه السنة استثنائية تفرض بالقوة التفاعل مع المستجدات التي فرضها انتشار وباء كوفيد 19.
ولهذا وجدنا تنظيم السنة الدراسية الحالية تتقاذفه قرارات متنوعة ومختلفة نعتها البعض بالارتجال والارتباك بحيث صدر المقرر الاول رقم 029- 20 بتاريخ 05 غشت 2020، حيث تقرر دخول الاداريين يوم 1 شتنبر والتحاق أطر التدريس يوم 2 شتنبر وانطلاق الدراسة يوم 7 من نفس الشهر. وقد تحكم في هذا القرار توقع تحسن الحالة الوبائية بالمغرب وجني الثمار الإيجابية للحجر الصحي الذي دام شهورا.
واليوم ومع التغير السلبي الواضح في الوضعية الوبائية بدا المجتمع برمته ينتظر قرارات الوزارة بشأن الدخول المدرسي، خاصة بعدما أكدت دول كفرنسا تشبثها بالتعليم الحضوري.
وللإجابة عن هذا الانتظار صدر بلاغ الوزارة لتصريف المقرر الأول في ضوء تطورات الوضعية الوبائية في بلادنا، واتضح من خلال هذا البلاغ أن مقرر 5 غشت 2020 مازال محتفظا براهنيته وبأهم معالم برمجته للسنة الدراسية المقبلة..
وأعتقد بأن الوزارة كانت ملزمة بالتفاعل مع الوقائع والمستجدات، وحتى لو بادرت قبل 20 غشت 2020، بتقديم صيغة ما فإنها ستجد نفسها أمام واقع مختلف، خاصة بعد خطاب 20 غشت.... وبالتالي فإن إصدار هذا البلاغ حتى ولو كان متأخرا قليلا بالنظر إلى أسئلة الساحة الوطنية، فإنه جاء ليجيب عن بعض من التساؤلات وعلى طريقته الخاصة.
أما عن مضامين وإجراءات هذا البلاغ... فإن المواقف بشأنها تختلف إذ منذ صدور البلاغ والمواقف المختلفة والمتناقضة والمتضاربة ما فتئت تسجل؛ وكل منها ينطلق من موقعه ومن مصلحته ومن زاوية نظره.
وكلها مواقف مشروعة وتدل على حيوية المجتمع الذي من المفترض أن يكون يقظا باستمرار في كل ما يهم السياسات العمومية وتدبير الشأن العام. غير أنه يلزم التأكيد -مرة أخرى- على أن الاستثناء يعالج حتما بقرارات وإجراءات استثنائية.
ولا يمكن لقرارات مماثلة أن تحظى بقبول الجميع.
لأن الأمر ملتبس ومتغير باستمرار.
وبالتالي؛ فإن الاختيارات التي قامت بها الوزارة مهما تفهمناها ووضعناها في إطارها فإن ذلك لا يمنع من تسجيل بعض الاختلاف معها.
سواء فيما يتعلق باختيار "التعليم عن بعد" دون توفير شروطه ومستلزمات نجاحه، أو بالنسبة لتأجيل امتحان الجهوي، أو ترك خيار التعليم الحضوري للآباء والأسر.
وكلها قضايا تختلف فيها وجهات النظر وفيها كثير من الاختلاف.
ذلك أنه لكل قرار أو اختيار نقط القوة ونقط الضعف، ولكن الترجيح بين الاحتمالات يكون ضروريا للحسم.
وهذا الترجيح هو ما يظهر مقدار شجاعة المسؤول ونسبة تحمله للمسؤولية.

انطلاقا مما وضحته أكد  بلاغ الوزارة في أن الانطلاقة ستكون في صيغة الدراسة عن بعد في بداية الموسم  مع توفير "تعليم حضوري" بالنسبة للمتعلمين الذين سيعبر أولياء أمورهم، عن اختيار هذه الصيغة، على أن يتم وضع آلية تمكن الأسر الراغبة في ذلك من التعبير عن هذا الاختيار، ما هو تقييمك لهذا التدبير المزدوج؟ 

من يتأمل جيدا سلوك الحكومة وقراراتها، وضمنه سلوك الوزارة التربية وقراراتها منذ بداية هذه الجائحة، ويتأمل جيدا القرارات البلاغ، يصل بدون عناء إلى أن الاختيار الأثير والمفضل للوزارة من دون شك هو "التعليم عن بعد" -كم حاجة قضيناها بتركها- إنها صيغة الهروب على أضعف الإيمان، إنه اختيار الصيغة الأسهل والأكثر ضمانا لأقل الأضرار القريبة والمباشرة، ولكن خطورة هذا القرار تأتي من كونه لا يقدر جيدا الأضرار الكبيرة والخطيرة على مستوى التعليم ومستوى التلاميذ. وهي الأسباب التي تكمن وراء اختيار العديد من الدول للتعليم الحضوري والحسم في مسألة تعميمه، خاصة وأن النفق مازال مظلما، وأن الخروج منه لا تظهر له علامات.
بل إن مسؤولي المنظمة العالمية للصحة يتحدثون عن استمرار الوضع لسنتين في أحسن الاحوال. إن اختيار التعليم عن بعد رغم الإقرار الرسمي من جميع الدول ومن أعلى مستويات هيئات الدولية، كخايمي سافيدرا المدير العام، قطاع الممارسات العالمية للتعليم بمجموعة البنك الدولي الذي أكد نهاية مارس الماضي ما يلي "يشهد العالم حالياً حدثاً جللاً قد يهدد التعليم بأزمة هائلة ربما كانت هي الأخطر في زماننا المعاصر.
فحتى 28 مارس/ 2020، تسببت جائحة فيروس كورونا (COVID-19) في انقطاع أكثر من 1.6 مليار طفل وشاب عن التعليم في 161 بلداً، أي ما يقرب من 80% من الطلاب الملتحقين بالمدارس على مستوى العالم. ... وإذا لم نبادر إلى التصرف، فقد تفضي هذه الجائحة إلى ازدياد الأضرار مثل :
1. خسائر التعلّم.
2. زيادة معدلات التسرب من الدراسة.
3. عدم حصول الأطفال على أهم وجبة غذائية في اليوم. والأكثر من ذلك، انعدام المساواة في النظم التعليمية، الذي يعاني منه معظم البلدان، ولا شك أن تلك الآثار السلبية ستصيب الأطفال الفقراء أكثر من غيرهم؛ وكأن المصائب لا تأتيهم فرادى".
وإضافة إلى الأحكام الدولية على هذا النوع الاضطراري من التعليم، فإن وزارة التربية المغربية نفسها اعترفت بقصور هذا التعليم وتواضع نتائجه - رغم انه جاء لسد الفراغ وأنه كان خشبة انقاد الغريق -ولهذا لم تحتسب نتائجه في تقويم التعلمات، واكتفت بالأسئلة في الدروس الحضورية؛ ونقط المراقبة المستمرة خلال فترة الحضور إلى غاية 16 مارس2020.
والأمر كما يعلم خبراء الوزارة- راجع بالتأكيد لعوامل متظافرة ومتعددة منها ما هو راجع إلى قصور واضح وبين لدى النسبة العالية والكاسحة من أساتذتنا في استيعاب وتمثل آليات العمل في التعليم عن بعد وشروط إنجاحه.
وهو قصور يرجعنا مرة اخرى إلى مسألة التكوين الأساس والتكوين المستمر لأطرنا التربوية. 
فإذا اختارت الوزارة التعليم عن بعد وحسمت اختيارها فعليها ان تتحمل مسؤوليتها كاملة في توفير التكوين المستمر والمكثف والمواكب للأساتذة منذ بداية الدخول المدرسي وبالأسلوب الملائم والحازم الذي يضمن تغذية راجعة مضمونة وآثارا فعلية على العمل بهذا الاسلوب. خاصة وأن الامر لا يحتمل الاستمرار في الارتجال او التعويل على التكوين الذاتي والاستمرار بالإغراق في مبدأ "النية أبلغ من العمل".
إن عدم اقدام الوزارة على تنظيم تكوين مستمر حقيقي وفعال للأساتذة سيجعلهم كالداخل إلى حرب طويلة بدون سلاح.
ولو كان الأمر متعلقا بأيام أو أسابيع أو حتى سنة لهان ولضحينا بلحظة زمنية عابرة. ولكن الأمر يتعلق بنفق مظلم ومجهول النهاية. ولهذا وجب الحزم وبعد النظر في القرارات المستقبلية. 
وإذا ما حسمنا قضية التكوين بسرعة وحزم تعن لنا مسألة الحوامل البيداغوجية والمضامين المرقمنة؛ وهنا لابد من التأكيد على أهمية القرار الذي اتخذته الوزارة بتكليف الأكاديميات بتحضير كافة الدروس المقررة انطلاقا من تقسيم هذه المقررات وتوزيعها لتكامل المجهودات وهي عملية ممتازة وتدبير محمود إذا تم بالأسلوب الجيد، وبالأدوات الجيدة، وبالتتبع اليقظ، وباعتماد أدوات التصفية البيداغوجية الدقيقة من طرف المفتشين.
وإذا ما ضمنا الجودة المرجوة لهذا العمل، فإنه لاشك سيؤتي أكله الجيد وسيغطي نسبة من الخصاص المهول في هذا المجال؛ وسيمكننا من تصحيح الاخطاء الكثيرة التي سجلت في المرحلة السابقة والتي كانت مرحلة التجريب الضرورية المقبولة.
ولكن اليوم لم يعد منطق البريكولاج مقبولا. وهناك تجارب دولية مهمة يكفي أن نفتح أعيننا وأن نحسن الاستفادة منها  وأن نجتهد لنصوغ الدرس الملائم لنا.
وهو امر في المتناول ولدينا أطر جيدة إن أحسنا الاستفادة منها يمكن أن تنجح في تحقيق الإبداع المرجو. وفي هذا الصدد يلزم ان تدفع الوزارة مجموعة الناشرين إلى توفير مواد الكتب المدرسية المقررة في أقراص مدمجة، أن توضع هذه الحوامل وتفاصيلها على منصات وقنوات سهلة الولوج للتلاميذ والمدرسين والمهتمين.  
وبموازاة مع هذه الأعمال الضرورية، يلزم أن يتحمل المتدخلون الثلاثة في مجال الاتصالات وشبكات الانترنيت مسؤولياتهم كاملة في توفير الشروط التقنية لنجاح التواصل.
لأن التربية أولوية وطنية وشأن عمومي، ولا ينبغي أن يسمح المجتمع لهؤلاء الثلاثة بالاستمرار في الوضع السابق والحالي، بل على الدولة أن تحملهم مسؤولياتهم في توفير التغطية بالأنترنيت مجانا في العالم القروي ومناطق الهشاشة على الأقل وتخفيض الرسوم الحالية، لتصبح هذه المقاولات مواطنة فعلا.
علما أن العديد من مواطناتنا ومواطنينا لا يجدون ما يشترون به كتبا مدرسية مستعملة وأحرى أن يشتروا لكافة ابنائهم هواتف ملائمة أو حاسوبا منزليا مواكبا.
أما ذر الرماد في العيون بمبادرات بئيسة مثل السماح للتلاميذ بالدخول المجاني لبعض البرامج التربوية فلم يعد مقبولا.
ويلزم أن يتحمل كل واحد مسؤوليته كاملة.
ومسؤولية الدولة قائمة في كل هذه المحطات؛ أما الأسر فمغلوبة -في مجملها- على أمرها.
 
يلاحظ أن هذا التعلم عن بعد لا يحظى بالقبول فما هي أضراره بالنسبة لكم كتربويين؟

إن التعليم عن بعد في بلدان تعيش أوضاعا كأوضاعنا الاجتماعية والتكنولوجية بمثابه أبغض الحلال، إنه الاختيار الذي نجبر عليه رغم وعينا بقصوره ومحدوديته وأضراره البليغة التي سأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الأضرار النفسية بالنسبة للأطفال الذين يمنعون من أصدقائهم ومحيطهم الطبيعي فيصابون بالانطواء بسبب الانعزال عن اقرانهم في غرف ومنازل مغلقة، وفي العديد من الحالات في منازل ضيقة لا تسع أفراد الأسرة جميعهم.
وهناك الأضرار البيداغوجية المرتبطة بوأد البيئة البيداغوجية العادية التي ينمو فيها التعليم بالقرين والتعلم بالمنافسة "فالطفل عن الطفل آخذ" قال ابن خلدون في مقدمته؛ تضاف إليها الأضرار التربوية المتعلقة بتردي المستوى التعليمي والتحصيلي للتلميذ والمنظومة على السواء مما يعمق تراجع المستوى وتدنيه؛ هذا علاوة عن الأضرار الاجتماعية التي تعزل الفئات وتقطع الأواصر بينها، فيزيد التنافر الاجتماعي وتتعمق الفوارق. ليست هذه إلا نماذج من الاضرار التي لا تجعل اختيار "التعليم عن بعد" مقبولا إلا على مضض.
 
ولكن بلاغ الوزارة ترك مع ذلك إمكانية اختيار التعليم الحضوري للأولياء أمور التلاميذ؟ 

 لقد سبق لي ان قلت لك إن الاختيار الأثير والمفضل للوزارة هو "التعليم عن بعد"، وقد ترك البلاغ باب اختيار التعليم الحضوري للأسر مفتوحا. وهو أسلوب لسد الأفواه التي تقول (أنتم تريدون التعليم عن بعد وهو فاشل، ونحن نريد لأبنائنا التعليم الحضوري). والحال أن الوزارة تعي جيدا تبعات التعليم الحضوري؛ واحتمالات الأخطار القوية والواسعة التي يمكن أن تنجم عنه سواء بالنسبة لصحة التلاميذ والتلميذات، أو لصحة الأساتذة والإداريين أو بالنسبة للأسر والمجتمع. وأذكركم بأن الدولة سارعت في 16 مارس بتعليق الدراسة كأول إجراء احترازي في وقت كان فيه انتشار الوباء محدودا جدا عندنا.
فكيف يستقيم هذا الاختيار اليوم والحالة الوبائية مقلقة جدا والتحذير والخوف معبر عنه من أعلى مستويات الدولة؟ إن الأمر لا يعدو أن يكون توهيما بالاستشارة وترك الاختيار للأسر.
والسير على النهج الجديد في تحميل المسؤولية للمواطنين وليس للدولة ومؤسساتها!!! ثم إن الأمر فيه رسالة واضحة ومباشرة لمؤسسات التعليم الخصوصي التي سبق لها أن ركبت على قرار الدولة بتعليق الدراسة لتقول بانها كانت مجبرة على تنفيذ قرار الوزارة بالتعليق؛ وعلى الآباء تأدية واجبات التمدرس كاملة...
إن احتمال العودة إلى التعليم الحضوري في ظل الوضعية الحالية؛ وفي ظل منطوق البلاغ الوزاري يكاد يكون ضعيفا لأن حجم الخوف من العدوى وحجم التخويف الكاسح في المجتمع يمنع من احتمال العودة القوية إلى التعليم الحضوري. خاصة وأن شروط تأمينه صعبة جدافي الجهات الخمس وخاصة الأقاليم والعمالات التي تعرف انتشارا مطردا وواسعا للوباء.
ولهذا وجب التعامل مع الحالات ودراستها في عين المكان.  وعدم السقوط مرة أخرى في خطأ تعميم نفس الصيغة على مجموع التراب الوطني. والبلاغ فتح باحتشام هذا التكيف حسب الأحوال.
ويبقى مقترح العمل بالتناوب حسب الحالات مهما وقابلا للتطبيق المكيف حسب اوضاع كل مدينة وكل منطقة وفي اللامركزية يكمن المفتاح الحقيقي والمستديم للعديد من المشاكل.
 
ماذا تقصدون بالتعليم بالتناوب؟ وماذا تقصدون بمفتاح اللامركزية؟ 
 
إن صيغة العمل بالتناوب ما بين التعليم عن بعد والتعليم الحضوري نوقشت عدة مرات وفي مواقع متعددة واقترحتها بعض النقابات على رأسها النقابة الوطنية للتعليم (كدش).
وفي تفاصيلها العملية هناك مقترحات أرى منها على الخصوص: أن يؤمن المسؤولون المركزيون بأن في الجهات والأقاليم أطرا ذكية وقادرة على الإبداع والتفكير والاجتهاد.
وأن زمن المركزية المفرطة قد ولى. وأن كورونا وفرت اليوم فرصة هائلة للتحول الايجابي (ورب ضارة نافعة).
لهذا وجب توسيع ما أشار إليه البلاغ باحتشام من ترك فرص المبادرة مشرعة ومفتوحة على مصراعيها للأكاديميات الجهوية والاقاليم حتى لا نكرر الخطأ السابق بإيقاف الدراسة في أكاديمية الداخلة او العيون أو وجدة أو كلميم ولم تعرف إلا حالات قليلة!!؟؟ ونتعامل معها بنفس معيار الدار البيضاء أو مراكش أو طنجة أو فاس أو بني ملال؟.. إن الأمر يتعلق بتحول في عقلية التسيير وأسلوبه من نهج المركزية المفرطة إلى الجهوية الحقة.
بل إلى اللاتمركز الذاهب إلى مداه بترك فرص المبادرة لرئيس المؤسسة ومجلس تدبيرها، وإلى المديريات بآليات تدبيرها التشاركي، والأكاديميات بمجالها الإدارية المتواصلة عن بعد.
وهنا يمكن أن نطبق صيغا مختلفة منها التعليم الحضوري إن توفرت شروطه الآمنة؛ وقد نطبق التعليم عن بعد رغم الأضرار باعتباره "أبغض الحلال"؛ وقد نطبق التعليم بالتناوب كحل وسط ونبدع في صيغه وأشكاله.
وفي هذه الأجواء يمكن "للتعليم عن بعد" أن يطبق بطرق وأساليب متنوعة منها أن نقسم التلاميذ إلى مجموعتين تتناوبان على الحضور.
ففي الوقت الذي يقدم فيه الاستاذ درسه حضوريا للمجموعة الاولى تتبع المجموعة الثانية الدرس عن بعد – مع توفير شروطه –؛ وفي الأسبوع الموالي تحضر المجموعة الثانية وتتبع المجموعة الاولى الدرس عن بعد وتشارك فيه؛ ويكون التقويم واحدا وموحدا.
وهذا المقترح ليس إلا صيغة من ضمن صيغ أخرى أنا متأكد بأن الكفاءات التي توجد بالوزارة وبالأكاديميات وفي المديريات والمؤسسات قادرة على إبداعها فقط حرروها من أسر المركزية وخلصوها من اسلوب الصباغة بنفس اللون.
فلو كانت اللوحات الفنية مصبوغة بنفس اللون لكانت عمياء صماء، ولكن من تعدد الألوان يبزغ الجمال.
لهذا أقول إن إطلاق المبادرات حل سحري على طريق الإبداع والتنوع في كل مستويات التعليم من الأولي إلى الجامعي؛ ومخرج التناوب يتيح فرصا مهمة وواعدة.
 
أشار البلاغ إلى تأجيل الامتحانات الجهوية، كيف ترى هذا القرار؟
 
هذا القرار ورد في البلاغ الأخير باختصار شديد وبشكل حاسم ومحسوم دون ترك باب النقاش مفتوحا والحسم من حق الوزارة.
ولكن الإنصات للآراء مهم ومنهج الإشراك يفتح الأفاق الرحبة.
وأنا أعتبر الوضعية الحالية من تبعات القرارات المتسرعة السابقة.
وقد قلنا في حينها إذا تمكنا من إجراء الامتحانات الوطنية بنجاح فما المانع من أن نترك قرار الامتحانات الجهوية للأكاديميات تبرمجها حسب أوضاعها؟  
بل ما المانع من أن تجرى بنفس أسلوب الباكالوريا؛ والاستفادة من نفس اللوجستيك وتراكم الخبرات؟
لقد أفلتت الوزارة فرصة ذهبية بعدم تمرير الامتحانات الجهوية بين دورتي الباكالوريا وبأقل جد وبأقل ثمن.
وبما أن البكاء وراء الميت يشفي ولكنه لا يجدي، فإن التفكير في المخارج يلزم ان يبقى مفتوحا ويلزم العمل على تمرير هذا الامتحان بأسرع وقت ممكن لان تبعاته النفسية والبيداغوجية كبيرة وثقيلة.
ومبرر لا حاجة بنا للسرعة الذي قدم للوزير واه وعارمن الصحة.
لأن التلاميذ قضوا الصيف يحضرون وإذا بهم يفاجأون بالتأجيل إلى موعد غير مسمى. لقد اتضح بما لا يقبل الشك أن معالجة الامور بالتأجيل غير سليمة، بل ومضرة في كثير من الحالات؛ والتجربة التي عشناها أظهرت أن الآتي قد يكون – لا قدر الله – أفظع؛ وهناك مقترحات جيدة يمكن أن تخرج من مجالس المؤسسات وخاصة المجالس التربوية التي يلزم الانصات لها لتستعيد قوتها الاقتراحية.