لارميطاج.. وصمة عار على جبين مسؤولي البيضاء

لارميطاج.. وصمة عار على جبين مسؤولي البيضاء عقيدة عبد العزيز العماري، عمدة الدار البيضاء هي إعدام المساحات الخضراء
أتيحت لي الفرصة مؤخرا لزيارة حديقة لارميطاج، الموجودة في قلب مدينة الدارالبيضاء في مفترق عدد من الأحياء، الشعبية منها والراقية والمتوسطة، أشهرها حي درب السلطان، ذي الكثافة السكانية المرتفعة للغاية. والحق أنني أصبت بخيبة وحسرة كبيرتين للحالة التي وجدت عليها الحديقة المذكورة التي سبق لمؤسسة محمد السادس لحماية البيئة أن أعادت لها الروح وسلمتها لسلطات المدينة ولسكانها في حلة غاية في الحسن والنضارة والاتساق. وقد شاهدت بأم عيني، أياما قليلة عقب تدشين الحديقة من طرف الأميرة للا حسناء، رفقة مسؤولي المدينة، كيف صار المجال الأخضر للارميطاج آنذاك آية في الروعة ومفخرة حقيقية للمدينة ولسكانها. وللتذكير فإن لارميطاج، ليست وحدها التي أعادت لها مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة الاعتبار والحياة، بل استفادت من تدخلات المؤسسة أيضا، حدائق تاريخية أخرى: جنان السبيل بفاس، والحدائق العجيبة ببوقنادل، وحديقة مردوخ بالدارالبيضاء كذلك.
حديقة لارميطاج إذا طالها الإهمال وعادت تقريبا لحالتها السابقة: أزبال وبقايا أتربة متناثرة هنا وهناك، أغراس وأشجار شاحبة اعتراها الذبول واللامبالاة، مساحات محدودة من العشب الأخضر تقاوم وتتعرض للتآكل يوما عن يوم، ممرات ومسالك متربة ومتهالكة، جيش من القطط والكلاب الضالة تستوطن الحديقة وتتواجد في كل أركانها، أبواب مشرعة على مصراعيها وسياج مقتلع وروائح كريهة، غياب كلي لحراس الحديقة، وتحول الحديقة شيئا فشيئا لفضاء مهجور، غير آمن، مكان لتجمع المشردين وقطاع الطرق، بحيث يمكن القول إن الحديقة تسير من جديد حتما نحو الموت البطيء، رغم المجهود الملحوظ الذي عاينته عن قرب من مجموعة صغيرة من العمال التابعين للشركة الجديدة التي عهد لها بالتكفل بأمور الحديقة وأمور أخرى.
أجل،لا ينبغي أن نكون سلبيين، هناك جهود تبذل في عين المكان، ولكنها جاءت متأخرة بعد أن نال الإهمال من الحديقة مكمنه وفقدت خمسين بالمائة من مقوماتها أو أكثر. وهنا لابد من التأكيد على المسؤولية الجسيمة الأولى للمجلس الجماعي للدارالبيضاء ومجلس مقاطعة مرسى السلطان والسلطات المحلية الحضرية التابعة لولاية الدارالبيضاء عموما، التي، كعادتها دائما، لم تحرك ساكنا حين بدأت المؤشرات الأولى للتدهور تطفو على السطح ويرخي الإهمال واللامبالاة بظلالهما على الحديقة. كما أن هناك مسؤولية معنوية لمؤسسة محمد السادس لحماية البيئة التي لم تتتبع، ولو عن بعد، مصير مرفق أخضر بيئي تاريخي ارتبط اسمها به، وصرفت عليه أموالا كثيرة، رغم علمها المسبق بما قد يتعرض له من الإهمال نتيجة لسوء التدبير والقصور الملازمين لتسيير المرافق والمجالات البيئية بصفة عامة في بلادنا. وأخيرا، فإن اللائمة تقع أيضا على السكان المطلين على الحديقة والمجاورين لها وعلى جمعيات المجتمع المدني بالمنطقة الذين ربما لم يقوموا كما ينبغي بواجب الدفاع عن هذا الفضاء الأخضر المتميز الذي يستحق منهم كل العناية والاهتمام.
مقترحات عملية لإنقاذ حديقة لارميطاج من جديد والمحافظة المستدامة عليها.
ما العمل؟ هل الهيئات والمؤسسات القائمة على شؤون المدينة عندنا، وما أكثرها،عاجزة إلى هذا الحد عن تدبير مرفق بيئي في حجم حديقة لارميطاج؟ رغم وعينا بأن الحقيقة التاريخية، الماثلة أمام أعيننا تفرض علينا الإقرار فعلا بوجود حالة من العجز المزمن في هذا المجال، فإننا، مع ذلك سنتسلح بالأمل في إمكانية تحقق تحول ايجابي في مرفقنا العمومي الجماعي، ونورد لأجل ذلك بعض المقترحات العملية التي نراها قمينة بأن تساعد على إعادة التوهج والاعتبار لهذه الحديقة المحبوبة من لدن فئات عريضة من البيضاويين.
وتنقسم هذه المقترحات إلى نوعين: مقترحات عبارة عن متطلبات أولية، وأخرى تتعلق بالنظام التدبيري المقترح اعتماده.
نقصد هنا بالمتطلبات الأولية شروط لابد من تحققها لتأمين نظام تدبيري مستدام لحديقة لارميطاج. وهي شروط ثلاثة: توفير الأمن بمحيط الحديقة وبداخلها؛ توفير جهاز دائم لحراسة النباتات والأغراس ؛ وتنظيم الأنشطة الرياضية داخل الحديقة وتقنينها. وبالفعل، فإنه في غياب الأمن داخل وفي محيط الحديقة، سينعدم أو يقل إقبال ساكنة الأحياء المجاورة على هذا الفضاء الأخضر الذي هم بحاجة ماسة إلى الاستمتاع به. إذا لابد من التفكير، بشكل أو بآخر، في تخصيص دورية أمنية خاصة ودائمة بالحديقة ومحيطها لإشاعة الطمأنينة والسلامة في نفوس مرتاديها ولإعطاء انطباع جديد عن حديقة لارميطاج ومحيطها التي تعد في مخيلة العديد من السكان بأنها بؤرة غير آمنة. وعلى مستوى آخر، ينبغي العمل على تزويد الحديقة بجهاز لحراسة وحماية النباتات والأغراس والأزهار والمساحات المعشوشبة من السلوكيات الجانحة ومختلف أشكال التعديات التي تلحق بها من المرتادين والزوار أنفسهم. وأول ما ينبغي لهذا الجهاز أن يسهر على تأمينه ضبطه لنظام فتح الأبواب وإغلاقها وهو الأمر الذي لايتوفر حاليا للأسف الشديد. وأخيرا، فإنه لايمكن انتشال حديقة لارميطاج من حالة البؤس والفوضى التي توجد عليها الآن دون تنظيم الأنشطة الرياضية التي تمارس بها حاليا من دون حسيب أو رقيب. ففي الوضع الحالي، تبدو لارميطاج فضاء للرياضة، أكثر منها حديقة للاسترخاء وطلب الهدوء والراحة والاستمتاع. وهناك قرارات نعتقد أنه لامحيد عن اتخاذها والعمل على فرض احترامها، لما يتحقق من ورائها من مصلحة عامة: وأول هذه القرارات منع الشباب والأطفال من لعب الكرة داخل الحديقة وهذا أمر معمول به في جميع الحدائق العمومية، ثانيا منع الأنشطة الرياضية الجماعية داخل الحديقة ولاسيما تلك التي تباشرها بعض النوادي الرياضية لفائدة منخرطيها الذين يعدون بالعشرات، وأخيرا تقنين مزاولة نشاطي المشي والركض الخفيف بشكل فرديداخل الحديقة، وحصره في حدود أوقات معينة ( من السادسة حتى حدود الساعة التاسعة صباحا مثلا). إن مجمل هذه الاقتراحات الغاية منها المحافظة على البنية التحتية للحديقة التي تضررت كثيرا بفعل تحول ممراتها ومختلف جنباتها إلى حلبة للركض والتنافس والمشي والحركات الرياضية المختلفة، على مر اليوم، الشيء الذي يتنافى تماما مع الوظيفة الترفيهية التي تؤديها الحدائق بصفة عامة.
هذا فيما يخص المتطلبات والشروط الأولية، أما فيما يتعلق بالنظام التدبيري للحديقة الذي نقترحه، فإننا سنكتفي هنا، في غيبة المعطيات الرقمية والولوج إلى البيانات والمعلومات الإحصائية والمالية المتوفرة ولا شك لدى الجهات المسؤولة (مؤسسة الدارالبيضاء للبيئة)، بالإشارة السريعة إلى بعض العناصر الأساسية التي نراها كفيلة بوضع أسس نظام ثابت مستدام ومحكم لتدبير هذ الفضاء الأخضر. وهذه العناصر في نظرنا هي: أولا العمل على تزويد الحديقة بنظام إداري مستقل، مسؤول ومكلف خصيصا بتدبير شؤون الحديقة لاغير، وهو الأمر الذي لا يتوفر في الظروف الراهنة. ثانيا إرساء نظام للمراقبة والتتبع الغرض منه التحقق الدوري من تحسن المؤشرات التدبيرية وإدراك الأهداف المسطرة سلفا، ثالثا، لقد بات من الضروري العمل، بشكل أو بآخر، على إحداث "جمعية أصدقاء حديقة لارميطاج" لإشراك المجتمع المدني في القيام بدوره في مجالات التوعية، وتعبئة واستقطاب الامكانيات، وتوليد الأفكار، والاضطلاع بدور الدفاع عن مصالح الحديقة وحمايتها والرقي بها إلى الأفضل.
وعلى كل، عسى أن يجد هذ المقال الذي هو عبارة عن صرخة استغاثة على لسان إحدى أعز وأقدم الحدائق العمومية بالمغرب، أذنا صاغية لدى كل من يعنيه الأمر. وأهيب بمنتخبي الدارالبيضاء وعموم المسؤولين بها على الخصوص، أن يتحققوا مما ورد في هذا النص من أوصاف ووقائع وأن يقوموا بجولة خفيفة للحديقة ليتأكدوا بالملموس من الحاجة الملحة للتحرك، بشكل جدي ومسؤول وصارم، لتدارك ما يمكن تداركه قبل أن تستفحل الأمور وتؤول إلى الأسوأ. فهل ياترى من حياة لمن تنادي ؟
ابراهيم زياني، أستاذ بالمدرسة الوطنية العليا للإدارة