العالم اليوم بصدد بناء نظام جديد، نماذج تنموية بديلة، طرقا مستجدة لصيانة الأوطان وتجديد هرمية الدول، وضخ دماء جديدة في القرار الوطني الاستراتيجي، أي أن الوباء الذي كشف كثيرا من الضعف في الأنظمة الطبية والصحية كان أيضا حريقا إيجابيا، أنار الطريق لمعرفة الذات، واستنتاج الخلاصات، وتشخيص العلل، والتفرغ للتخطيط الجدي للمستقبل البعيد، اي أن القوة الرابحة هي التي تتسلح بالعلم، تستثمر في التعليم، تحضن العلماء والباحثين من مختلف التخصصات، تحد من الانحرافات التي عرفها التطبيب في العقود الأخيرة، بعدما دهسته الحمى الرأسمالية وأصبح وسيلة للغنى والربح على حساب صحة الناس ومستقبل البلدان. طرح الوباء سؤال التخصصات التي كادت تنتهي، على غرار علم الأوبئة وعلم الفيروسات والأمراض التعفنية، حيث أن هذه التخصصات لا يمكن أن تفتح بها عيادة خاصة وتشرع في مراكمة الأموال، إنها تخصصات ترتبط بالقطاع العام، بالمجتمعات الإنسانية، بمصير البشرية، لهذا أصبح دورها رياديا، وأهلها بمثابة المخلصين الذين بعقولهم الذكية تبنى المعرفة الناجعة التي تجيب عن أسئلة الحماية من الأمراض المعدية وتداعياتها الصحية والاقتصادية والاجتماعية، لهذا بات من الأولويات تغيير السياسة التعليمية في مجال دراسة الطب وذلك بالرفع من القيمة العلمية والبيداغوجية لهذه التخصصات، وتشجيع الطلبة على اختيارها وإنجاز البحوث في مختلف فروعها، مع تشكيل فرق البحث في هذا الميدان في كل الكليات والمدارس التي لها علاقة بهذه التخصصات، ومدها بالدعم والتمويل لأجل الحصول على بنيات بحث علمي يمكن له أن يساهم في تطوير آليات متابعة انتشار الأوبئة والتعرف على خرائطها وطرق مكافحتها والحد من مضاعفاتها المتعددة... وما سؤال اللقاح سوى جزء من هذه السياسات العمومية التي أبانت الآن عن فعاليتها في هذا السباق العالمي المحموم نحو إيجاد وسيلة للقضاء على الفيروس نهائيا لكسب معركة علمية واقتصادية وإنسانية ستكون لها تداعيات على ما تبقى من الألفية الحالية...