دراسة في الإنتاج الفكري للراحل وقيدي من وجهة نظر السوسيولوجي عمر إيبوركي

دراسة في الإنتاج الفكري للراحل وقيدي من وجهة نظر السوسيولوجي عمر إيبوركي الأساتذة: محمد المصباحي، وعبد الكريم بلحاج، وعمر الإبوركي، والراحل محمد وقيدي(يسارا)

فقدت الساحة الفكرية مفكرا وفيلسوفا قضى حياته في البحث والتدريس، وهو ينتمي إلى مجموعة من الباحثين المغاربة الذين أنعشوا الفكر الفلسفي والتنويري منذ ستينيات القرن الماضي. ويعتبر الأستاذ محمد وقيدي رائدا في البحث الابستمولوجي، وقد ترك تراثا معرفيا ضخما في الفلسفة والعلوم الإنسانية والابستومولوجيا.

تكريما للراحل الأستاذ محمد وقيدي، تنشر جريدة "أنفاس بريس" مداخلة الأستاذ عمر الإبوركي تعريفا ببعض جوانب فكره، وما خلفه من كتابات ستخلد اسمه رحمه الله.

 

"لقد جمعتني به علاقة صداقة وفكر، واستمر التواصل الإنساني والفكري بيننا إلى حدود فترة الحجر الصحي، وكانت آخر زيارة له، بحيث أهداني آخر مؤلفاته: (محمد عزيز لحبابي، الإنسان والفيلسوف) وكان حديثنا حول سيرورة الفكر المغربي ورواده، وعلاقة ذلك بتحولات المجتمع المغربي، لاسيما أن الأستاذ وقيدي كان قد ذهب لفرنسا لإنجاز أطروحة في الفلسفة، ولكنه انفتح على العلوم الإنسانية، وله فيها مؤلفات قيمة تناولها من وجهة النقد الابستمولوجي".. عمر الإبوركي

العلوم الإنسانية من النقد إلى التأسيس

قراءة في مساهمة الأستاذ محمد وقيدي في النقد الابستمولوجي للعلوم الإنسانية.

إن المساهمات العلمية للأستاذ محمد وقيدي لها قيمتها العلمية والمنهجية، لأنه برح الدراسات الفلسفية في فترة ما، وانتقل إلى مجال العلوم الإنسانية و تناول بالدرس والتمحيص قضايا علوم الإنسان، و لم يأت إليها سائحا متفرجا، بل جاء مسلحا بأدوات النقد المنهجي والابستمولوجي، ليتناول بمنهجية المتفحص الدقيق الإشكاليات المتعددة في مجالات العلوم الإنسانية، والعوائق الابستمولوجية أمام تأسيس مفاهيم ونظريات تعالج قضايا المجتمع. وقد ركز في نقده الابستمولوجي على الأبحاث السوسيولوجية والتاريخية التي اهتمت بالمجتمع المغربي، والتي واكبها خلال وبعد المرحلة الاستعمارية.

دعا الابستمولوجي محمد وقيدي إلى التمييز في العلوم الإنسانية بين العوائق والقطيعة، ولمن الأولوية في تاريخ المعرفة العلمية في المجال الإنساني؟ فإذا كانت العلوم الفيزيائية حققت القطيعة مع المعرفة السابقة، ففي العلوم الإنسانية يهيمن التداخل بين المعرفة العامة والمعرفة العلمية. وحاول تدقيق المفاهيم الابستمولوجية وهو يسعى إلى تطبيقها على العلوم الإنسانية، انطلاقا من أبحاث في مجال التاريخ والسوسيولوجيا. هكذا استنتج أن هذه الأخيرة لا تنصاع لعقلانية العلوم الحقة، فعندما استعمل مفهوم العائق الابستمولوجي للتعبير عن المرحلة ما قبل علمية من تاريخ العلوم (الرياضيات ـ الفيزياء) ومفهوم القطيعة للدلالة عن مرحلة الثورة العلمية انطلاقا من القرن 19 م، فالعلوم الإنسانية لا تعرف نفس الدرجة من العقلانية ،وهنا تكمن صعوبة الحديث عن العوائق والقطيعة.

بعد حديثه عن العوائق يتساءل وقيدي عن الكيفية التي تتحقق بها القطيعة الابستمولوجية في علم الاجتماع؟

فهو يعرض رأي الباحثين الذين يطرحون مجموعة من التقنيات وهي:

فإذا كان النقد ينصب على العائق الأيديولوجي في الدراسات الاجتماعية والتاريخية، فهو يقر بمجموعة من الصعوبات التي تعترض لحظة التأسيس، ويلخصها فيما يلي:

ورغم هذه الصعوبات يطرح وقيدي مفهوم التوازن المعرفي في مقابل ما يراه قائما من اختلال في مجال البحث والذي تجسد على مستويات متعددة:

- على مستوى الكيف فإن التوازن منعدم لأن النظريات الأساسية في العلوم الإنسانية من إنتاج علماء الغرب، بحيث يجد الباحث المغربي نفسه مترددا بين النظريات التجزيئية والبنيوية، والتاريخانية، وأقصى ما يصل إليه هو نقد بعض هذه النظريات وبيان عدم إجرائيتها.

ما المقصود بالتوازن المعرفي؟

إنه التمييز بين مستويين هما: النقد والتأسيس الإبستمولوجيين، وهنا يستعرض ذ. وقيدي الصعوبات التي تعترض لحظة التأسيس وهي: .

- عدم القدرة على بناء نظريات مطابقة وصياغة المفاهيم الملائمة بفرط النقد.

وعبر هذه النماذج حاول أن يتتبع بعض القضايا الابستمولوجية في العلوم الإنسانية ويبحث في التوازن المعرفي الذي بدأ يتحقق بفضل بعض الأبحاث المعاصرة في المغرب، وبنقاشه هذا اختزل كثيرا من القضايا النظرية التي كانت تعترض كل باحث لتجاوز التراكم المعرفي السابق.

لكن التساؤل الابستمولوجي الذي انطلق منه وقيدي يبقى ساري المفعول هو: هل النتائج التي توصل إليها عبر هذه النماذج يمكن تعميمها وانطباقها على غيرها من الأبحاث؟

عمر الإبوركي ( باحث في السوسيولوجيا)