عبد اللطيف برادة: الخوف في عالم كورونا

عبد اللطيف برادة: الخوف في عالم كورونا عبد اللطيف برادة
يعيش العالم اليوم لحظة تاريخية حرجة مع انتشار فيروس كورونا لحظة تضع حضارتنا الحديثة وما بعد ألحديثة أمام أسئلة شائكة حول جدوى التقدم العلمي والتكنولوجي وحول انفجار الثقافة المعلوماتية وقيام زمن العولمة. أُطلقت قبل أعوام مقولات مثيرة مثل "نهاية التاريخ" و"موت ألحداثة وسواهما وأحدثت جدلاً ما زال مفتوحاً ولم يؤدّ إلى حال من اليقين، بل هو زاد من واقع الاضطراب الذي يشهده العصر الحادي والعشرون. ولعل حلول فيروس كورونا الخطير قلب النظريات التفاؤلية والأفكار اليوتوبية وأعلن مفهوماً آخر للتاريخ. الحروب والأوبئة والكوارث الجيولوجية اجتاحت الأرض والبشرية على مر العصور وحصدت ما لا يحصى من الضحايا. الآن في القرن الحادي والعشرين يجتاح الأرض والبشرية وباء رهيب فاجأ العلماء والمختبرات والمصانع النووية التي كان يظن البشر أنها أخطر ما يُحدق بهم. وحّد وباء كورونا العالم والقارات مؤكداً أن القرية الصغيرة التي قالت بها العولمة غير قادرة فعلاً على الصمود في وجه هذه الجائحة المرعبة.
إنها أيام قاسيه بلا شك، أحيانا يبدو لي أننا لم نستطع حتى أن نقدّر خطورة وباء الفيروس بل ليس لدينا من الإمكانيات ما يكفي لمعرفة ألواقع حتى ندرك ما نحن فيه.
لذا، كنت أعيش في قلق كبير هذه اللحظة. هو قلق يتركني في حيرة تحثني كي أتتبّع الأخبار عن العدوى يوم بيوم. وبما إنني كنت في عزلة تامة تفرغت لما اكتب كما للقراءة كقراءة الشعر والأدب والفكر.
هكذا كنت أقضي أيامي في العزلة يقظاً بما يحدث حتى خارج البيت من مآسي في نواح مختلفة من الحياة العامة.
هناك مثلا مأساة المرضى العاجزين عن الوصول إلى المستشفيات مأساة الفقراء الذين أصبحوا من دون دخل مأساة اللاجئين الذين يحملون أعباء الغربة والحرمان والموت مأساة عمال وموظفين مسرّحين من العمل، مأساة مؤسسات صغرى تتعرّض لصدمات الخوف من توقف نشاطها. كما كنت أفكر في العائلة وفي أقرباء أعرف أنهم يعيشون وضعية صعبة. أفكر في ألأصدقاء أتواصل معهم عبر الفيسبوك وأهاتف ألآخرين حتى أطمئن على حالتهم. أفكر في هيئة الأطباء والممرضين وجميع الساهرين في العالم على المرضى أحييهم وأتضامن معهم.
هكذا شعرت بأن جائحة الفيروس تنذر بالدمار وبأن بلداناً عربية، التي تعيش في حالة حرب منذ سنين، سيكون الواقع فيها أعتى مما سيؤول إليه الأمر في البلدان الأخرى.
نعم أنظر إلى واقع الوباء في العالم بما هو إنذار بالدمار. نظرة لا مبالغة فيها لما يحدثه فيروس كورونا في البشرية منذ بداية انتشار الوباء. دمار غير اعتيادي لا نقدّر فداحته. فأتساءل عن مصير الإنسان والإنسانية جمعاء وما سر ما يحدث هل هو من فعل الطبيعة العاصبة أم من صنيع الإنسان الذي لم يعد يعي بما يفعل ولا يهتم بعاقبة ما يقوم به من تصرفات وإعمال لكنني مع ذلك أظل متفائلا لان مقتنع تمام الاقتناع بان مصير الإنسان أن يتضامن مع أخيه الإنسان مصيره أن يقاوم الخطر الذي يحدق بكوكب الأرض وبالحياة وهو تصرف جبل عليه الإنسان ولن ينسلخ عنه مهما بلغ الأمر هكذا أنا متيقن بأن البشرية ستنتصر على الفيروس في الأخير، لكن بأي ثمن؟ هذا هو المجرى الذي لا يمكن التنبؤ به لان لا احد يعرف حجم الدمار الذي سيسفر عنه الفيروس الحالي بعد الخروج من الأزمة. ثم إنه من الصعب التكهن بإمكانية أن العالم تخطي الأزمة بنفس التحكم لدى جميع الدول نظرا للفوارق في الخبرة العلمية والإمكانيات والموارد المالية لكن هناك شيء يجعلني أتفاءل لما يخبأه لنا المستقبل وكان صوتا يهمس لي في أذني أن كل ما سيحدثه الوباء سيصبح غدا مجرد واقعة حلّت وارتحلت.
هكذا ونحن في قمّة تطوير أنظمة التواصل وأجهزة الاتصال والثورة المعلوماتية، وجدت نفسي معزولاً وحيداً أتأمّل الفراغ. وفي قمّة التطوّر العلمي والطبي، أرى البشرية تصارع شبحاً لا ينتمي حتى إلى الكائنات الحية، فليس للفيروس خلايا تنشطر لتتكاثر، بل يقتات مننا ليكون وينمو. كان في وهمي أنّ الإنسانية بذكائها قد سيطرت على كل شيء وأخضعت الطبيعة وانتصرت عليها، لكنني اكتشف أنّ هذه العقيدة المتحكّمة فينا، الداعية في كثير من الأحيان إلى الزهو والعجب بقوّة الإنسان وجبروت عقله تحتاج في أدنى الحالات إلى جرعة من النسبيّة والشكّ.
ومع ذلك فلا شيء يقف أمام غريزة الحياة. نحتاج فقط إلى العودة إلى عفويتنا واندفاعنا وما صنعناه في السابق مع أوبئة وكوارث فضيعة لنواجه الفيروس اللعين يكلما راكمناه من تجارب سابقة.
فمن دون شك سينتهي هذا الوباء كغيره من الأوبئة التي عرفتها الإنسانية عبر التاريخ. ستكون خسائره وآلامه التي سيخلّفها أقلّ من غيره ولا شكّ سيبكي الناس أحباباً وأعزّاء على قلوبهم بكاءً مرّاً. لكن السؤال الأهمّ بعد هذا كلّه: هل تعود الإنسانية إلى رشدها والدول كي تهتم إلى مواطِن القوة التي صنعتها أي الصحة والتعليم والبحث ألعلمي فتنفق عليه ما يجب إنفاقه بعد أن كرست كل استثماراتها في أسلحةَ دمار وجيوشاً عرمرماً بمنطق يؤدي إلى تدمير البيئة وهو منطقَ ربحٍ لا يحكمه إلاّ مبدأ متراكمة رأس المال إلى ما لا نهاية؟