النهري: قرار تشكيل لجنة التحقيق حول المحروقات يدخل في إطار ممارسة الملك لسلطاته الدستورية

النهري: قرار تشكيل لجنة التحقيق حول المحروقات يدخل في إطار ممارسة الملك لسلطاته الدستورية حميد النهري

عين الملك لجنة خاصة، وكلفها بإجراء تحقيقات لتوضيح وضعية المحروقات بالمغرب وترفع إليه نتائج مفصلة في الموضوع؛ وياتي ذلك على خلفية تقرير مجلس المنافسة الذي أشار فيه إلى تواطؤات محتملة بين شركات المحروقات تستوجب إصدار قرار وتغريمها، وهو تقرير أثار خلافا بين مكونات مجلس المنافسة.

"أنفاس بريس" اتصلت في هذا الشأن بالأستاذ حميد النهري، رئيس شعبة القانون العام بكلية الحقوق بطنجة، والذي سلط الضوء على جوانب مختلفة من هذا الملف، عبر الحوار التالي:

 

+ قرر الملك تعيين لجنة خاصة تتكلف بإجراء التحقيقات الضرورية حول المحروقات وتوضيح الوضعية وترفع إليه تقريرا مفصلا عن الموضوع في أقرب أجل.. ما هي قراءتك حول تشكيلة هذه اللجنة، والتي تضم مؤسسات دستورية؟

- صحيح أن تشكيل هذه اللجنة يمكن تفسيره كإجراء يدخل في إطار ممارسة الملك سلطاته الدستورية باعتباره الحكم بين المؤسسات الدستورية.

وما دام يبدو أن هناك مشاكل تؤثر على سير أشغال المجلس، وذلك بين رئيس هذه المؤسسة وبين الأعضاء، خصوصا بالنسبة لملف المحروقات؛ فإن هؤلاء طلبوا التدخل على هذا المستوى. كما تم اعتماد صيغة لجنة مكلفة بإجراء التحقيقات الضرورية لتوضيح الوضعية.

ولكن من خلال بلاغ الديوان الملكي يظهر أن هناك ارتباكا وغموضا تمثل في إصدار تقريرين من طرف المجلس، إضافة  إلى طعن من طرف الاعضاء يشكك في كون رئيس المجلس يتصرف بناء على تعليمات أو وفق أجندة شخصية، وبالتالي طلب التحكيم الملكي.. أي أن الأمور ليست عادية في تعامل مجلس المنافسة مع هذا الملف.

إذن رغم هذا التدخل وإحداث هذه اللجنة، فإننا نحتاج إلى معرفة ما يجري داخل مجلس المنافسة فهو مؤسسة دستورية ينتظر منها المغاربة الكثير، بل راهنوا عليها في هذا الملف بالذات منذ تحرير سوق المحروقات وتقرير اللجنة البرلمانية، حيث أجرى مجلس المنافسة دراسة لما يقرب السنتين استمع فيها لمختلف الأطراف.. وحاليا أصدر نتائج كان من المنطقي أن تعلن في إطار من الشفافية والمسؤولية الملقاة على عاتق المجلس. لكن ما حدث يطرح أكثر من تساؤل ويزيد الأمر أكثر غموضا ويجعلنا ننتظر انتهاء أشغال اللجنة الجديدة المعينة من طرف الملك، لنرى كيف ستعالج هذا الملف.

 

+ بلاغ الديوان الملكي أشار إلى أن قرار مجلس المنافسة، يقر بأن هناك توافقات حول سوق المحروقات، بين من في نظرك، وما هي أهداف هذه التوافقات؟

- هذه المسالة ليست جديدة؛ فالجميع يعلم ان قطاع المحروقات يعرف احتكارا من طرف شركات قليلة تشكل لوبيا قويا يتحكم في السوق؛ وتقرير مجلس المنافسة أكد ذلك، حيث توصل إلى نتيجة أن هناك احتمالا كبيرا لوجود تواطؤات شركات المحروقات وتجمع النفطيين بالمغرب.. لكن للأسف عوض أن يتحمل المجلس مسؤوليته وينجز وظيفته التي يحددها القانون ويُعَوِل عليها المغاربة، نجد أن هذه النتيجة أحدثت تصدعات بين مكونات مجلس المنافسة، الرئيس من جهة والأعضاء من جهة أخرى. وأكثر من ذلك بلاغ الديوان الملكي هو الذي كشف هذا التصدع وقدمه للعموم. حيث أعلن البلاغ عن مجموعة من التناقضات التي شابت الموقف من ملف المحروقات داخل المجلس موضحا أن القرار الأول تم اتخاذه بموافقة 12 صوتا ورفض صوت واحد لكن بعد أيام جزء من هؤلاء الأعضاء 12 (لم يحدد البلاغ عددهم) تراجعوا عن موقفهم وأخذوا المبادرة لطلب التدخل الملكي.. وهذا الأمر زاد الوضعية تعقيدا وغموضا، وأصبحنا أمام عدة احتمالات وتكهنات حول كيف يُسَيَر المجلس. وما هي مصداقيته. حيث تأكد أن هناك من يؤثر على عمل مجلس المنافسة وتقاريره وبشتى الطرق؛ وفي ذلك في الحقيقة مس باستقلاليته ومس بمصداقيته بل حتى في وضعه القانوني كمؤسسة دستورية وأحد دعائم الحكامة الجيدة.

 

+ هنالك في القرار تلويح بإنزال عقوبات بين 8 و9 في المائة من رقم المعاملات تجاه شركات المحروقات  المتواطئة؛  فهل تطبيق هذه الجزاءات يبقى واردا، وما هو تأثيرها على الخزينة  العامة؟

- يجب أن نوضح الأمر، كما قلت سابقا، أن هناك مذكرتين الاولى في 23 يوليوز2020 حددت غرامة مالية بنسبة 9 في المائة من رقم المعاملات السنوي المحقق بالمغرب بالنسبة لثلاثة شركات كبرى موزعة؛ والتقرير الثاني في 28 يوليوز من نفس السنة حدد هذه الغرامة في نسبة 8 في المائة من رقم المعاملات السنوي دون تمييز بين الشركات. وبغض النظر عن هذا الاختلاف في النسبة تبقى الغرامة مهمة جدا.. وإذا أردنا تفصيلها بقيمة عائداتها للخزينة ستكون أرقام مهولة نستطيع أن نجيب بها من جهة عن تحديات الظروف الصعبة التي تعيشها بلادنا، ومن جهة أخرى نجيب بها عن ذلك السؤال المحوري الذي تطرحه وزارة المالية، وهو ضعف الموارد المالية.

فهذه الشركات المحدودة العدد  مارست لسنوات عدة احتكارا وتحكما في سوق قطاع المحروقات حققت من خلال ذلك مداخيل كبيرة جدا على حساب المستهلك؛ ويجب أن نعترف أن هذه الأرباح لا يمكن إدخالها في خانة الأرباح ولكن تصنف في خانة الريع أي الحصول عليها لم يتطلب مجهودا من طرف هذه الشركات، بل فقط استغلالا لوضعية اقتصادية غير سليمة (الهمزة).

 

+ يعتبر البعض أن المغاربة لاحظوا الخلل أو التواطؤ منذ حملة المقاطعة التي كانت في 2018. وبعد تحرير المحروقات في نهاية 2015.. هل حان وقت الحساب؟ وما هي الأبعاد الاستراتيجية لهذا الملف؟ وهل هي بداية إنقاذ شركة سامير؟

- المواطنون يعرفون حق المعرفة الوضعية الغير السليمة التي يشتغل فيها قطاع المحروقات ببلادنا ويعرفون السياسة غير مسؤولة التي نهجتها الحكومة التي عملت على تحرير القطاع دون اتخاذ الإجراءات اللازمة المصاحبة لهذا التحرير؛ كما توقفت شركة تصفية النفط (لاسامير) فأدى ذلك إلى فتح المجال أمام الشركات المحتكرة لفرض سياستها المعتمدة على مرجعية انتهازية مستغلة (الهمزة)، ولا علاقة لهذه السياسة باقتصاد السوق ومصلحة الاقتصاد الوطني؛ بل اكثر من ذلك توالي هذه الممارسات جعلت المغاربة يطرحون عدة اسئلة من قبيل كيف ينخفض سعر النفط في السوق الخارجي ولا يواكبه انخفاض في السوق الداخلي.

هذا الامر تبلور من خلال ردات فعل تمثلت في مقاطعة 2018 والتي ادت بالمواطنين أن يوجهوا انتقاداتهم إلى شركات معينة؛ وبالتالي أصبحوا يعرفون حق المعرفة من هي هذه الشركات التي تتحكم في القطاع بل أصبحوا يعرفون حتى من وراء هذه الشركات.

وهذه هي الوضعية التي يجب مناقشتها بكل صراحة هي وجود لوبي قوي يتحكم في القطاع ويؤثر على جميع القرارات التي تمس مصالحه الضيقة، سواء كانت هذه القرارات صادرة عن مؤسسات دستورية، أو عبر تقرير البرلمان سابقا، وحاليا عبر مجلس المنافسة، أو تلك  الصادرة عن ردات فعل المجتمع. وهذا الأمر في الحقيقة يشكل اليوم خطرا على التوازن الاجتماعي وفي هذه الظرفية الصعبة التي تقتضي مقاربات جديدة على جميع المستويات مقاربات تقطع مع مثل هذه الممارسات التي أدت بنا إلى إنتاج سياسة عمومية محدودة جدا عرتها أكثر وزادت في حدتها تداعيات جائحة كورونا. وهي وضعية تقتضي ليس فقط دق ناقوس الخطر ولكن استيعاب مستوى الخطر.

للأسف يبدو أن حكومتنا في (واد والشعب في واد آخر)، حيث يظهر أنها حافظت على نفس السياسة، والتي لن تزيد سوى في غنى الغني وتفقير الفقير. الشيء الذي سيؤدي حتما إلى نتائج لا يحمد عقباها.