عبد الرزاق الزرايدي: لهذه الأسباب باتت الحاجة ملحة لخطة إنقاذ اقتصادي..

عبد الرزاق الزرايدي: لهذه الأسباب باتت الحاجة ملحة لخطة إنقاذ اقتصادي.. عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط

"إن عواقب هذه الأزمة الصحية ستكون قاسية، رغم الجهود التي نقوم بها للتخفيف من حدتها"، هو مقتطف حمل كل معاني الصراحة والنزاهة الفكرية، التي أكد من خلالها صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، في خطاب العرش الذي وجهه مساء أمس الأربعاء، بمناسبة عيد العرش المجيد الذي يصادف الذكرى الحادية والعشرين لتربع جلالته على عرش أسلافه المنعمين. خطاب صريح وجريء، حمل رسائل سياسية هامة الفاعلين والمتدخلين، فبقدر ما تضمن اعترافا بقسوة الأزمة التي تمر منها بلادنا بسبب جائحة مرض كوفيد 19. لكنه في المقابل من ذلك، كان فرصة للانطلاق والتفاؤل بالمستقبل والأمل في الحياة، عنوانها البارز، وضع خطة اقتصادية طموحة، كما أكدنا على ذلك في تحليلاتنا السابقة، فالنظرة الثاقبة لصاحب الجلالة، واتخاذه لقرارات استباقية في مواجهة كورونا، جعلت خطاب جلالته اليوم، يتسم بالواقعية في تشخيص التحديات والصعوبات، بدل أن يحمل الخطاب السامي، تشخيصا واقعيا للحظة الخوف، فقد آثر جلالته إلى تحويلها للحظة فرح تاريخية مفعمة بشعور انساني وتضامني، كله أمل في المستقبل، لاستخلاص الدروس الإيجابية، وتقديم اجوبة عملية لرؤية اقتصادية طموحة، مسنودة بتدبير مؤسساتي شفاف ونزيه، للنهوض الاقتصادي، ومواجهة التحديات الخطيرة، فقد حمل الخطاب الملكي السامي جزءا خاصا بالتشخيص وجزءا آخر خاص بتقديم الحلول، ليوضح جلالته في خطابه بالقول: "وإذا كان من الطبيعي أن يشعر الإنسان، في هذه الحالات، بنوع من القلق أو الخوف، فإن ما أعطانا الثقة والأمل، هي التدابير والقرارات الحاسمة التي اتخذناها، منذ ظهور الحالات الأولى، لهذا الوباء بالمغرب. وهي قرارات صعبة وقاسية أحيانا، لم نتخذها عن طيب خاطر، وإنما دفعتنا لها ضرورة حماية المواطنين، ومصلحة الوطن".

 

الخطاب الملكي، جاء مليئا بالمعاني الإنسانية النبيلة، التي دفعت جلالته، يشدد على أن "هذه الروابط والمشاعر المتبادلة، التي تجمعنا على الدوام، تجعلنا كالجسد الواحد، والبنيان المرصوص، في السراء والضراء"، مبرزا اعتزاز وافتخار جلالته بمستوى الوعي والانضباط، والتجاوب الإيجابي، الذي أبان عنه المغاربة، ومختلف القوى الوطنية، خلال هذه الفترة، الذين قاموا بدورهم ، بكل جد ومسؤولية".

 

إن مزج الخطاب الملكي السامي بين الأمل والخوف، والتحذير من التداعيات الاقتصادية الخطيرة، يمنح خطاب جلالته، أهمية كبيرة ترسم للمملكة خارطة الطريق، وقبلها يشيد الملك حفظه الله بروح التضامن والمسؤولية، التي تعامل بها المواطنون والمواطنات، سواء على المستوى الفردي، أو ضمن المبادرات المشكورة لفعاليات المجتمع المدني، خلال فترة الحجر الصحي".

 

إن أهمية المقترحات الملكية، تكمن أساسا في إدراك جلالته، ل"حجم الآثار السلبية، التي خلفتها هذه الأزمة ، ليس على المستوى الصحي فقط، وإنما أيضا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي".

فحسب التشخيص الملكي، فقد "شملت انعكاساتها مختلف القطاعات الإنتاجية، وتأثرت كثيرا مداخيل الأسر، وميزانية الدولة أيضا"، ومن تم أمر جلالته، بإحداث صندوق خاص لمواجهة التداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لهذا الوباء. وهو ما مكن من تعبئة 33 مليارا و700 مليون درهم. وقد بلغ مجموع النفقات إلى حدود الآن 24 مليارا و650 مليون درهم، تم صرفها لتمويل تدابير الدعم الاجتماعي، وشراء المعدات الطبية الضرورية.

 

جلالته أيضا كشف أنه سيتم رصد 5 ملايير لصندوق الضمان المركزي، في إطار إنعاش الاقتصاد. وقد وجه الحكومة لدعم صمود القطاعات المتضررة، والحفاظ على مناصب الشغل، وعلى القدرة الشرائية للأسر، التي فقدت مصدر رزقها.

 

إن الدعوة الملكية بمواصلة التعبئة واليقظة والتضامن، والالتزام بالتدابير الصحية، ووضع مخطط لنكون مجندين ومستعدين لمواجهة أي موجة ثانية من هذا الوباء، لا قدر الله، خاصة أمام التراخي الذي لاحظناه، يبرز أهمية كل الخطط الاقتصادية التي ينبغي أن يمتلكها المجتمع، ومن تم فإن عمل جلالته "لا يقتصر على مواجهة هذا الوباء فقط، وإنما يهدف أيضا إلى معالجة انعكاساته الاجتماعية والاقتصادية، ضمن منظور مستقبلي شامل، يستخلص الدروس من هذه المرحلة والاستفادة منها".

 

يقول جلالته بنبرة واقعية ومسؤولة، "وإذا كانت هذه الأزمة قد أكدت صلابة الروابط الاجتماعية وروح التضامن بـين المغاربة، فإنها كشفت أيضا عن مجموعة من النواقص، خاصة في المجال الاجتماعي. ومن بينها حجم القطاع غير المهيكل؛ وضعف شبكات الحماية الاجتماعية، خاصة بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة، وارتباط عدد من القطاعات بالتقلبات الخارجية، لذا، ينبغي أن نجعل من هذه المرحلة فرصة لإعادة ترتيب الأولويات، وبناء مقومات اقتصاد قوي وتنافسي، ونموذج اجتماعي أكثر إدماجا".

 

إن الخطاب الملكي "وجه عناية الحكومة ومختلف الفاعلين للتركيز على التحديات والأسبقيات التي تفرضها المرحلة. وفي مقدمتها: إطلاق خطة طموحة للإنعاش الاقتصادي تمكن القطاعات الإنتاجية من استعادة عافيتها، والرفع من قدرتها على توفير مناصب الشغل، والحفاظ على مصادر الدخل. وهو ما يقتضي تعبئة جميع الإمكانات المتوفرة من تمويلات وتحفيزات، وتدابير تضامنية لمواكبة المقاولات، خاصة الـصغرى والمتوسطة، التي تشكل عمادا لنسيج الاقتصادي الوطني".

 

وفي هذا الإطار، كشف صاحب الجلالة أنه سيتم ضخ حوالي 120 مليار درهم في الاقتصاد الوطني، أي ما يعادل 11 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وهي نسبة تجعل المغرب من بين الدول الأكثر إقداما في سياسة إنعاش الاقتصاد بعد هذه الأزمة. وإحداث صندوق للاستثمار الاستراتيجي مهمته دعم الأنشطة الإنتاجية، ومواكبة وتمويل المشاريع الاستثمارية الكبرى بين القطاعين العام والخاص، في مختلف المجالات. ويجب أن يرتكز هذا الصندوق، بالإضافة إلى مساهمة الدولة، على تـنسيق وعقلنة الصناديق التمويلية.

 

ولضمان شروط نجاح هذه الخطة، دعا جلالته الحكومة والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين للانخراط فيها، بكل فعالية ومسؤولية، في إطار تعاقد وطني بناء، يكون في مستوى تحديات المرحلة وانتظارات المغاربة.

 

كما يجب الإسراع بإطلاق إصلاح عميق للقطاع العام، ومعالجة الاختلالات الهيكلية للمؤسسات والمقاولات العمومية، قصد تحقيق أكبر قدر من التكامل والانسجام في مهامها، والرفع من فعاليتها الاقتصادية والاجتماعية. داعيا أيضا، إلى أحداث وكالة وطنية مهمتها التدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة، ومواكبة أداء المؤسسات العمومية.

 

حسب الخطاب الملكي فإن الهدف من كل المشاريع والمبادرات والإصلاحات، هو النهوض بالتنمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية. ويأتي في مقدمة ذلك، توفير الحماية الاجتماعية لكل المغاربة، التي ستبقى شغلنا الشاغل، حتى نتمكن من تعميمها على جميع الفئات الاجتماعية.

 

الخطاب الملكي دعا للتعجيل بإعادة النظر في منظومة الحماية الاجتماعية، التي يطبعها التشتت، والضعف في مستوى التغطية والنجاعة.

 

وشدد جلالته وهو يضع جملة من المقترحات الاقتصادية وأن الوقت قد حان، لإطلاق عملية حازمة، لتعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، خلال الخمس سنوات المقبلة. والشروع في ذلك تدريجيا، ابتداء من يناير 2021، وفق برنامج عمل مضبوط، بدءا بتعميم التغطية الصحية الإجبارية، والتعويضات العائلية، قبل توسيعه، ليشمل التقاعد والتعويض عن فقدان العمل.

 

ويتطلب هذا المشروع المجتمعي حسب الخطاب الملكي السامي، إصلاحا حقيقيا للأنظمة والبرامج الاجتماعية الموجودة حاليا، للرفع من تأثيرها المباشر على المستفيدين، خاصة عبر تفعيل السجل الاجتماعي الموحد. مشددا جلالته، على ضرورة تعميم التغطية الاجتماعية، كرافعة لإدماج القطاع غير المهيكل، في النسيج الاقتصادي الوطني.

 

وتأكيدا على ما سبق أن أشرنا إليه سابقا، وانتقدنا فيه السيد رئيس الحكومة، فقد دعا الحكومة بتشاور مع الشركاء الاجتماعيين لاستكمال بلورة منظور عملي شامل، يتضمن البرنامج الزمني، والإطار القانوني، وخيارات التمويل، بما يحقق التعميم الفعلي للتغطية الاجتماعية.

وأوضح جلالته، أنه "لبلوغ هذا الهدف، يجب اعتماد حكامة جيدة، تقوم على الحوار الاجتماعي البناء، ومبادئ النزاهة والشفافية، والحق والإنصاف، وعلى محاربة أي انحراف أو استغلال سياسوي لهذا المشروع الاجتماعي النبيل".

 

إن الخطاب الملكي وإن كان خطابا غير مسبوق للأزمة، فإن المعاني التضامنية بين عموم المغاربة، تضمنت روحا عالية من الغيرة الوطنية الصادقة، و الانخراط بجد لتجاوز تداعيات مرض كوفيد، الاقتصادية والاجتماعية، لتكون الأزمة منعطفا حاسما لتسريع الإصلاحات التي ستقتضيها المرحلة، فلابد إذن من تقاسم الانشغالات، رغم الظروف الانسانية، وتتضمن خطة الإنقاذ، تفاؤلا بالمستقبل، ويتحول الخطاب الملكي إلى خطاب وجداني وعاطفي، أكد على أن المجتمع هو كالبنيان المرصوص، والمدخل الإنساني، يؤكد أن هناك احساسا وشعورا من الملك حفظه الله، بأنه متتبع جيد لكل صغيرة وكبيرة، إن خطاب الأزمة لابد فيه من استحضار المسؤولية والروح التضامنية..

إن أي تصور الاقتصادي لابد فيه من تأهيل تركيبته المالية ومشاريعه عامة وإنتاج مؤسسات قادرة على تفعيل هذه الخطة الاقتصادية القادمة.

 

إننا اليوم، بصدد خطاب ملكي، هو في حجم المرحلة التي يمر منها المغرب، هو خطاب متقدم جدا وهو خطاب واقعي تحدث عن الحمل الثقيل الذي يمكن أن يتحمله المغرب، والسير بنفس وتيرة العالم ومواكبة الضغوط الاجتماعية الكبيرة، ومن تم يصبح أمر بناء منظومة اقتصادية واقتصادية تجيب على التحديات وتضمن استقرارا في مناصب الشغل والحفاظ عليها وخلقها، هدفا ملكيا سامبا، لذا فخطاب العرش لابد له من إرادة حكومية تعمل على ابتكار سياسة التأهب ووضع استراتيجية تجعلنا قادرين على مواجهة كل التحديات.

 

- عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط،رئيس مجموعة رؤى فيزيون الاستراتيجية، رئيس مكتب غرفة التجارة البرازيلية الإفريقية بالمغرب