عيد الأضحى: "بوهيروس" اللعبة الشعبية التي تحتفي بقيم الشهامة وشجاعة الفارس المغربي

عيد الأضحى: "بوهيروس" اللعبة الشعبية التي تحتفي بقيم الشهامة وشجاعة الفارس المغربي فارس مغربي ومشهد من الألعاب الشعبية خلال عيد الأضحى (السبع بولبطاين)

مع بداية العد العكسي للاحتفال بمناسبة عيد الأضحى في زمن كورونا اللعين، اختارت "أنفاس بريس" أن تنعش ذاكرة المغاربة من خلال استحضار طقوس وعادات وتقاليد ألعاب شعبية لها قيمتها التراثية في المخيال الشعبي؛ علما أن الجائحة تقف سدا منيعا لإقامة مثل هذه الاحتفالات في علاقة مع الإجراءات الوقائية للحد من انشتار مرض كورونا.

 

"بوهيروس" من الألعاب الشعبية الشائعة في المجتمع المغربي خلال عيد الأضحى، وتصنف لعبة (بوهيروس) في إطار الألعاب الشعبية  كثقافة تراثية مغربية ، التي يتم تنظيمها فور الانتهاء مساء يوم العيد من طقوس لعبة أخرى لها من الإحالات والرموز والطقوس والدلالات المرتبطة بعدة معتقدات وتمثلات، وهي لعبة شخصية (السبع بو لبطاين) وشخصيات أخرى لها دلالاتها في المخيلة الشعبية .

 

في هذا السياق نذكر بأن عادات وتقاليد لعبة السبع بولبطاين تقوم بها عدة شخصيات تمثل أدوارا مجتمعية في المغرب العميق، حيث يرتدي السبع بولبطاين (سبع بطاين من جلود الصوف لأضحية العيد ويضع قناعا على وجهه) وتحيط به شخصيات ذكورية أخرى تلقب بأسماء متنوعة حسب خصوصيات المناطق وثقافتها الشعبية مثل (كعيوينة، الرجل العجوز، الشاب المقبل على الحياة، المرأة العازب، اليهودي...) بالإضافة إلى بعض العازفين والموسيقيين وضباط الإيقاع الشعبي لتقديم مقاطع غنائية (تواشي ) للجمهور الذي يكون سخيا في إطار إحياء هذا الموروث الثقافي الشعبي.

 

لعبة بوهيروس المغربية

زمن هذه اللعبة الشعبية "بوهيروس" يحدد عند أغلب المغاربة وخصوصا في البادية بحلول اليوم الثاني بعد نحر كبش العيد، وتمارس طقوس اللعبة بشكل جماعي بين تجمعين سكنيين، (بين دوارين) أو (قبيلتين متجاورتين)، يتقاسمان عدة خصوصيات وعلاقات وروابط اجتماعية واقتصادية (المصاهرة/ الفلاحة والزراعة/ تقاسم المياه...) ، ويعتمد في هذه اللعبة الشعبية على بقايا عظام/ رأس الخروف والكتف، التي يتم جمعها بعد وجبة دسمة مألوفة عند الجميع  داخل الدوار/ القبيلة، إما على شكل أطباق لحم يتم طهيها بواسطة بخار المياه الممزوجة بالتوابل والبصل والقليل من القزبر والمقدونس، أو إعداد لحمة الرأس بالكسكس.

بقايا تلك العظام هي سر اللعبة الشعبية (بوهيروس) بحيث يتم جمعها في "صرة" داخل قماش أبيض كنفايات عظمية وجب التخلص منها ورميها خارج الحدود، ويتكفل أحد شباب الدوار/ القبيلة برميها داخل التجمع السكاني/ الخصم في اللعبة، والذي يكون سكانه على علم بالمكيدة  ومستعدين للقبض على مقترف الجريمة.

 

الاستعداد للعبة "بوهيروس"

يستقر الرأي، على الاختيار الصائب بالنسبة لأقوى شاب الدوار، من طرف أبناء منطقته، حيث يكون على دراية كبيرة بمداخل ومخارج، ومسالك وطرقات الدوار/ القبيلة/ الخصم في اللعبة، تلك المسالك التي تكون في غالب الأحيان محاطة بنباتات الصبار، وتوضع فيها كمائن للإيقاع بالعدو المفترض.

ولأن المكلف بمهمة التخلص من بقايا العظام شاب/ فارس بطل وشجاع تتوفر فيه جميع شروط الحداقة، حيث يتم تجهيزه بأفخم الألبسة التقليدية (العمامة/ الجلابة/ البلغة/ التشامير/ الشكارة/ الخنجر/ الدليل...)، بعد اختيار أحسن وأسرع الخيول وأجودها بالمنطقة، وتلجيمها، ووضع أجود السروج المرصعة بخيوط الصم المزركشة، والحبال الحريرية ذات الألوان الزاهية (سرج العود).

ويقام حفل على شرفه من طرف فتيات ونساء الدوار، يتخلله الغناء والنظم والإنشاد، تمجيدا لشجاعة فارسهم المقدام الذي يستعد للمواجهة وتحمل مسؤولية رفع رأس القبيلة، من خلال رمي صرة العظام (بوهيروس) داخل القبيلة الأخرى (مول العود الطرفاني في إيدو لعشارية)، (شكون الدايز في لمراح مول البركي والسناح)، (وخوكم البنات حط السلاح ومشى يتسراح)..

 

قوانين لعبة "بوهيروس " خلال المنازلة

في يوم المواجهة، يتم اصطحاب الفارس المغوار، بالغناء والنظم والتهليل والتكبير، من طرف جميع سكان القبيلة / الدوار، إلى حدود ديار القبيلة الأخرى أو الدوار، ويتم توديع البطل المفترض على إيقاع الزغاريد والدعوة له بالنجاح في مأموريته، حتى يعود للقبيلة بعد أن يقذف بصرة العظام ويطلق العنان لفرسه دون أن يتم القبض عليه من طرف أبناء القبيلة الأخرى، والتي من المفترض أن يكون كل شبابها قد تجندوا للإيقاع بحامل تلك العظام "بوهيروس" ووضعوا خطط وتكتيكا حربيا لمنعه من بلوغ هدفه .

 

التخلص من صرة العظام.. انتصار

في قانون اللعبة، ما دامت الصرة بين أيدي الفارس وهو يتجول بين دروب الدوار/ القبيلة، ولم يقذف بها داخل ديارها، فلن يتجرأ عليه أي أحد، أو يعتدي عليه، الأهم أن عيونهم على الصرة وما دامت معه فالاحترام واجب... لكن بمجرد أن تفارق صرة العظام يدي الفارس/ البطل المفترض، حتى ينطلق شباب القبيلة المعتدى عليها للإمساك به، منهم من يمتطي الخيول أو البغال أو جريا على الأقدام ويتم محاصرة كل منافذ القبيلة للقبض على الفارس والتنكيل به.

 إذا نجح الفارس في المهمة، من خلال اجتيازه حدود القبيلة المنهزمة، وعاد إلى قبيلته سالما، احتفل أهل الدوار احتفالا باذخا بالنصر، حيث يتم تمويل "السهرة" من لحوم أضحيات عيد القبيلة المنهزمة، وانصياعها لجميع طلبات أهل القبيلة المنتصرة، وتوفير كل شروط الاحتفال بالنصر (موسيقى ورقص وغناء/ خدمات اجتماعية....).

أما القبيلة المنهزمة فالمفروض فيها أن تستعد في السنة المقبلة لطقوس اللعبة الشعبية واختيار فارسها الذي سيتحمل مسئولية رمي صرة العظام داخل ديار القبيلة المنتصرة.

 

القبض على الفارس.. انتصار

أما لا قدر الله، وتم القبض على فارس القبيلة الذي اخترق الحدود ورمى بصرة عظام بوهيروس، فستمارس عليه أنواع الإهانة، حيث يتم تكبيله، وجرجرته أمام الملأ (سحله)، وطلي وجهه وكل ملابسه التقليدية البيضاء بسواد أدخنة قدور الطهي من طرف فتيات ونساء الدوار الذي تعرض للهجوم.

الفارس المنهزم يتم تكبيله فوق صهوة الجواد مقلوبا في الاتجاه المعاكس، تحت صفير الجمهور، وفي الطريق نحو الدوار يصطحبه أهل القبيلة على أنغام إيقاع غناء ونظم وإنشاد يقلل من شجاعة القبيلة وفرسانها، ويتم تسليمه لأهله مكبلا ومدلولا وصاغرا ، كما يتم تسليم كبير القبيلة صرة العظام التي كان ينوي رميها بالديار على أساس إعادة الكرة في السنة المقبلة .

 

في ختام "بوهيروس" يتم تنظيم مراسيم الاحتفال بالهزيمة داخل قبيلة المنتصرين وبالطبع على نفقة قبيلة الفارس المنهزم مع الانصياع لجميع طلباتهم في حدود الإمكانيات المتوفرة، لكن دون التنازل عن تمويل الحفل من لحوم أضحيتاهم وتقديم مختلف الأطباق مصحوبة بالموسيقى والغناء والرقص في جو أخوي يكرس مفهوم النصر وشهامة الفارس المغربي!