مصطفى المنوزي: مخاطر إعدام الحكامة التشريعية والديموقراطية التمثيلية

مصطفى المنوزي: مخاطر إعدام الحكامة التشريعية والديموقراطية التمثيلية مصطفى المنوزي

مجلس النواب، ليس صندوق بريد لتبادل الرسائل فيما بين الأحزاب أو حلبة للصراعات الانتخابية.. وليس فضاء للاحتجاج، ولا هو منبر لرأي الوزراء غير المنتمين... هو مؤسسة للتشريع وصناعة السياسات العمومية ورقابتها، وليس قفصا للاتهام ولا هو محكمة لتحريك الدعاوى العمومية تجاه المجتمع المدني والمواطنين.. إنه  مؤسسة يخولها الدستور تدبير شروط الانتقال الدمقراطي من خلال مراقبة مشروعية استعمال الدولة للقوة العمومية وحكامة التدبير الجيد والقانوني للسياسات العمومية، وعلى الخصوص في مجال الأمن.

 

وإذا كانت الدولة، أو من وراءها، قد استغنت، بالمعنى البراغماتي، عن هذه الآلية الدستورية، في سياق التخلي التدريجي عن جدوى الدمقراطية الصورية، المسماة تمثيلية، فإن النقاش العمومي حول مسألة التعويضات والتقاعد، ينبغي أن يؤخذ بجدية وعقلانية، بعيدا عن أية مزايدة أو افتعال لمعارك جانبية، لأن المطلوب هو استحضار التحولات الحاصلة في المشهد السياسي، حيث لم تعد التعويضات تحفيزا بالضرورة للمشاركة السياسية، مما يعني أن الأمر خطير، بأن تتسم تلك التعويضات بطابع معاشي حتى لا نقول مصيري أو أنطولوجي، بالنسبة لـ "المعوزين البرلمانيين" أو رشوة سياسية مستدامة بالنسبة لمحتكري السياسة.

 

من هنا وجب التذكير أن الدستور أوكل التشريع في مجال القانون للبرلمان، ولكن التشريع في تقاعد البرلمانيين قد يطرح سؤال المسافة الضرورية بين الموضوع (القانون) وبين الذات (البرلمانيين المشرعين)، وهو أمر قد يثير التجريح المعنوي، مادام المنطق يقتضي أن يتم التشريع للأمة وليس للصالح الخاص، وفي أمور مالية تتداخل فيها الصلاحيات والقطاعات على مستوى التفعيل والتدبير، وكذا التنفيذ، مما قد يؤثر في مبدأ استقلالية الذمة، وفي نفس الوقت قد يمس بمبدأ تكافؤ الفرص، الشيء الذي ينبغي معه التوافق على صيغة، في إطار الاجتهاد.

 

وهنا يمكن فتح باب المشاورات مع الجميع، وإن اقتضى الحال إجراء تحكيم المؤسسة الملكية، والتي لها ما يكفي من هيئات ومجالس استشارية، والتحكيم ضروري لأنه سيلامس منازعة قانونية، وسيباشر وساطة بين  سلطتين  أو أكثر؛ وذلك مسؤولية الملك كضامن. وعندما نقول بأن الملك هو الضامن للحقوق والحريات، فليس من باب التملق السياسي، وإنما من واجب المساءلة الدستورية، ليتخذ ما يلزم أمام خطورة الإجهاز على الحقوق المكتسبة للمواطنين.. فليس هينا أن ينفرد البرلمان بسلطة التشريع في مجال القانون، في ظل الدستور الجديد، وفي ذلك ضمان لبقية الحقوق الاساسية، من الحق في التعبير والتظاهر السلمي إلى الحق في الحياة الكريمة، وإن ما تفرخه لنا الحكومة من توتر وارتباك في اقتسام السلطة التنفيذية مع الملك، بالنظر إلى التنازلات الريائية والزبونية، قد يؤثر على مزيد تفريخ لإجراءات لا دمقراطية ولا شعبية.. وفي ذلك مؤشر قوي على صمود إرادة تأجيل اللحظة الدمقراطية وتهريب التغيير الدمقراطي إلى زمكان غير مدني وغير حداثي، وإن شئتم لا دستوري...

 

فليتحمل الجميع مسؤوليته أمام القانون والتاريخ.

 

لقد عشنا سنوات من احتكار السلطة التنفيذية لقرار التشريع باسم العقلنة البرلمانية في حين ظل المنتخبون يزكون كل المخططات تمريسا لبرلمان غرفة التسجيل، ومن بين إحدى لحظات التواطئ السياسي وبعلة خدمة الأمة، وفي العمق كانت "الحكامة البرلمانية" في خدمة الحماية العسكرية، بمعناها شرعنة الإفلات من العقاب، في صيغة مصادفة مشوبة بتدليس مقصود.. فلأول مرة يكون الحضور بتلك الكثافة خوفا من زجر الغياب، والحكومة المسخرة استغلت الفرصة لتمرير قانون حصانة العسكريين بالأغلبية -دون تعديل المادة السادسة- التي تمنع على العسكريين تنوير العدالة والحقيقة القضائية والتاريخ خير الماكرين، ليظل تعديل المادة 6  دينا في عنق  الجميع.