المصطفى الفارح: كورونا والمخزن والديمقراطية

المصطفى الفارح: كورونا والمخزن والديمقراطية المصطفى الفارح
في ظرف لا تحسد عليه البشرية، حيث الحروب والنزاعات المسلحة والاضطرابات السياسية والاجتماعية والسباق المحموم من أجل السيطرة على مصادر الطاقة والثروة والتحكم في التجارة العالمية وفي وضع معايير وقواعد النظام العالمي الجديد وإعادة تقسيم وتوزيع العالم، سكانا وثروات ، بما يخدم أهداف ويضمن مصالح القوى العظمى ، جاء فيروس كورونا " كوفيد 19 " ليزيد الوضع تأزما ويحول كوكب الأرض، رغم شساعة مساحته وغناه وثرواته الطبيعية واللامادية، إلى سجن كبير يتحكم في أبوابه وفي الحق في الحياة فيه، أصحاب الثروة والسلطة والجاه .
لا يخرج المغرب عن القاعدة بل يمكن اعتباره نموذجا صارخا في التفاوت الطبقي وفي التوزيع الغير عادل للثروات.
حسب آخر تصنيف لمؤشر التنمية البشرية في العالم حسب الأمم المتحدة في تقرير أنجز في السنة الماضية 2019 ، فإن حوالي 45% من المغاربة يعانون من الفقر الشديد ونبه التقرير إلى أن الرقم مرشح للارتفاع، وتم تصنيف المغرب في المركز 126 . ورغم ما يؤاخذ على نظام التصنيف هذا والمؤشرات المعتمدة فيه فإنه ليس بعيدا عن الواقع المغربي . فالمندوبية السامية للتخطيط نشرت بدورها أرقاما مخيفة وهي تتحدث عن أزيد من 22% من السكان المغاربة يعيشون تحت خط الفقر، رقم يبقى متفائلا جدا بالمقارنة مع أرقام تشير إلى حوالي13 مليون مواطن بالكاد يجدون ما يسدون به رمقهم لأجل البقاء على قيد الحياة . هذه المعطيات تعطي فكرة عما هو عليه الوضع في الصحة والتعليم والشغل وباقي القطاعات ولنا مرجع في تصريح سابق للوزيرة المسؤولة عن القطاع الاجتماعي التي أعلنت فيه بأن مبلغ 20 درهم يكفي للعيش الكريم في المغرب، في الوقت الذي تعتبر فيه الأمم المتحدة كل من يكسب 1.9 دولار في اليوم تحت خط الفقر.
عندما يصرف أزيد من 85% من دخل الفقراء في المواد الأساسية للتغذية من أجل البقاء على قيد الحياة، علينا أن نتوقف لحظة لتأمل حياة هؤلاء وللتفكير في مستقبل البلاد.
في المقابل يصرف أزيد من 36% من دخل الفئات الغنية في السفر والترفيه والخدمات. هذه الفوارق الصارخة ليست سوى الشجرة التي تخفي الغابة حيث تعيش فئات شعبية واسعة أخرى لا يطالها الإحصاء والدراسات لأنها وكأنها غير موجودة ، وهي في المدن أكثر منها في القرى نظرا للهجرة القوية من البوادي إلى المدن ولأن عامل التضامن الاجتماعي العائلي يلعب دوره في طمس آثار ومخلفات الفقر وتغييب الضحايا من مسرح الجريمة .
هذا الوضع المزري ، الذي يجعل كل مواطن ذا حس وطني يخاف على مستقبل البلاد ، زاده وضع وباء كورونا استفحالا ، إذ بالرغم من المجهود المبذول من طرف الدولة لمحاربة الوباء من خلال الإجراءات الصحية والأمنية المتخذة ومن خلال الدعم المادي الذي تم إحداثه لمساعدة المواطنين المعوزين والفقراء فإن أثره كان محدودا جدا بالمقارنة مع الميزانية والإمكانيات التي رصدت له، بسبب تفشي الفساد والرشوة والمحسوبية . لقد قامت الدولة المغربية بإجراءات استباقية متميزة كان لها أثرها الكبير على تطور الوضع الصحي للبلاد ، كما قامت بمبادرات جريئة على مستوى التعاون والتضامن الدولي في محاربة الجائحة، مبادرات وإجراءات ثمنها المجتمع الدولي، لكن ليس بالإجراءات والتدابير المناسباتية توضع الحلول للقضايا الشائكة المتعلقة بالتنمية بالحكامة الجيد وبالديمقراطية بشكل عام.هذه الأمور يصعب تحقيقها في غياب دولة الحق والقانون والمؤسسات .
لقد عرى فيروس كورونا على الواقع المغربي الذي نجح الائتلاف الحاكم في تغطيته ولفت أنظار الشعب عنه من خلال صراعات وهمية حول قضايا ثانوية تتعلق بأبواب ميزانية وأوجه صرفها والآمرين بصرفها أو حول حق التعيين في مناصب سامية أو كوطا نسائية أو شبابية أو حول الحق في الشغل، في الوقت الذي يتم فيه الإجهاز على حقوق الأجراء من قبل من يتحملون مسؤوليته حكوميا، وكذلك هو الشأن بالعدل وباقي القطاعات.
النموذج التنموي الجديد قيد الإعداد تجاوزته الأحداث، المسألة سياسية قبل أن تكون تنموية، يجب التفكير في نظام حكم جديد، برلماني، لا يسمح بالاختباء في دهاليز القصر هروبا من المسائلة من طرف صاحب السيادة الشعب .