فن حمادة الرحماني.. موروث ثقافي ضارب في الهوية والأصول الصحراوية

فن حمادة الرحماني.. موروث ثقافي ضارب في الهوية والأصول الصحراوية الباحث عبد العالي بلقايد ...ومجموعة حمادة بوشان

يعتبر الترافع عن الموروث الثقافي الشعبي بمنطقة الرحامنة قضية وملفا آنيا لا يتطلب التأجيل، خصوصا لما يتعلق الأمر بلون فني نابع من الأصول وله جذور وامتدادات تاريخية وحضارية وثقافية وإنسانية.

هكذا يتحدث الباحث الأستاذ عبد العالي بلقايد، حينما يغوص في كنه "ذخيرة وذاكرة المغاربة"، ويحول صفحات "العيطة بمختلف أنماطها" على منصات مواقع التواصل الاجتماعي إلى منبر إعلامي جاد ومسؤول (صفحة العيطة الحوزية/ صفحة الحصبة ولافة/ صفحة محبي العيطة) ويسلط كشافات الضوء على جواهرنا "المنسية" و"المعرضة للانقراض"، والتي تعكس كنوز الوطن الذي راكم الكثير من التنوع على مستوى الفنون الشعبية لتحصين وجوده/ الذات/ الجماعة.

في هذا السياق وارتباطا بثقافة الاعتراف يستحضر الباحث عبد العالي بلقايد بتواضع كبير، رفقة تلامذته (هشام متصدق ورفيقة المهدي) خلال كتاباته ونبشه، وترافعه، كل الفعاليات والأسماء التي تجتهد من أجل صون تراث فن حمادة وتحصينه ضد النسيان.

"أنفاس بريس" ارتأت التعاطي مع منسوب كتابات ثلة من أبناء بن جرير لتوثيق ذاكرة مجموعة حمادة الممتدة جذورها وروابطها من الرحامنة إلى القبائل الصحراوية.

 

فن حمادة جوهرة أساسية في عقد التراث الرحامني/ الصحراوي

تفعيلا لكل المبادرات التي تتغيا تسليط الضوء الإعلامي على فن حمادة لـ "محاربة بلاغة المحو وتدمير ذاكرة محورية في كل الاستراتيجيات الناسجة لروابط وحدة المصائر، وتوحيد العناصر الناظمة لوحدة الهوية الثقافية بين هذا اللون وامتداداته الصحراوية"، قرر الباحث عبد العالي بلقايد رفقة زملائه الشباب، نشر مجموعة من المنشورات المتعلقة بـ "فن حمادة التراثي"، لفتح باب "معالجة هذا التراث، وتوثيق قصائده، رغم الكثير من العوائق الذاتية والموضوعية، ومنها شح الوثائق وانعدام المبادرات الساعية إلى إخراج هذا التراث الشعبي إلى الضوء الإعلامي".

 

هذا العمل التوثيقي في أفق تتوجيه بإصدار يجمع هذه المنشورات، هو مساهمة من رحم مدينة بن جرير، عاصمة الرحامنة، يروم -حسب بلقايد وزملائه- لانطلاقة مبادرة تهتم بفن حمادة لغاية "صونه وتثمينه. ولكي تثير كذلك اهتمام المؤسسات الذات الصلة بموروث سائر إلى الزوال لأن الشيوخ المتمكنون في تقلص مستمر، بفعل الشيخوخة، وعدم وجود خلف يضمن الحفاظ على موروث ناظم أساسي للذاكرة والهوية".

 

في معنى حمادة

من بين معاني حماد وهو واحد من حمادة، بفتح الحاء، أو ضمها، هو من أكثر من الحمد. وكثر كذلك شكره للناس، ولله، وبذلك حسنت أخلاقه مع الله و الناس. ومن مشتقات "حماد" محمد وأحمد، وهي أسماء تشير إلى الرسول عليه الصلاة والسلام. ومن معانيه محمود وهو من حسنت أخلاقه.

وبذلك كانت عائلات في الغناء الحساني مشهورة بهذا اللون في مدح النبي، والثناء على الرسول عليه الصلاة والسلام. فرغم أن المجموعات الحسانية لا تحمل هذا الاسم أي حمادة. فالثابت أنها كانت في شق من غنائها تخصصه للأمداح.

 

حمادة والارتباط الإثني.. وثقافة الشعر

سواء بالحوز، أو الرحامنة، ارتبطت حمادة بقبائل شريفة النسب، معروفة بالورع، والمجاهدة بالنفس، ولأجل العلم. كقبيلة اولاد بن السبع، أو قبيلة أولاد مطاع. أما بقبيلة الرحامنة فقد مارست فن حمادة، سواء القبائل القادمة من الصحراء الشرقية، والتي يطلق عليها ناس الحوز القبلة. أو تلك القادمة من الصحراء المغربية والمعروفة بصحراء الساحل. وقد انتشرت بالخصوص في بوشان، ونزالت لعظم، والنواجي، والمرابطين. سواء عند: (الزيود، وأولاد رزق، والمرابطين، والنواجي..) الذين قدموا من درعة حيث ألوان شبيهة بحمادة كالركبة، وضرب السيف، وغيرها. أو سلام العرب، وأيت ياسين، والركيبات.

هؤلاء قد اشتهروا كذلك بنظم الشعر، إذ كان بهم شعراء قادرين على قول الشعر تفاعلا مع أي حدث يعرفه العمران البشري. وبذلك ارتكزت حمادة في بداياتها على إلقاء الشعر بالطريقة المنبرية لغاية الاحتفال، بحيث كان الشاعر كفاعل محوري يلقي شعره بالنقر على ألة إيقاعية، وترد عليه المجموعة، بعد أن يكون الطلبة قد أكملوا تلاوة القرآن لتأتي فقرة حمادة في مدح الرسول، وذكر ملاحم الجماعة، التي تعتبر مشتركا بينهم جميعا.

 

 

فن حمادة والمجال

أغلب القبائل العربية التي استوطنت دير الأطلس الكبير، عبرت بهذا اللون بكل من الحوز، الذي نعني به مجالا أوسع من إقليم الحوز كتسمية إدارية التي يعرف به إقليم أضيق ترابيا.

من ذاك الذي يقصد به رقعة أوسع جغرافيا من العمالة التي تحمل هذا الاسم. وكذلك الأمر فنيا بحيث يشمل بعض القبائل من صويرة، وشيشاوة، وحتى بعض القبائل الأمازيغية بأمزميز التي عبرت بلون حمادة كلون غايته التحميد، والصلاة على النبي، وبذلك نكون إزاء لون سماعي ولكن على طريقة الحسانيين سواء بالرحامنة، أو بالأقاليم الصحراوية، على عكس القبائل العربية التي استوطنت دير الأطلس المتوسط التي أبدعت شكلا فرجويا أخر سمته عبيدات الرما، لحصول اختلافات في التعبيرات الثقافية، وفي الأصول الإثنية، والتفاعل مع الجغرافيا والتاريخ.

 

هذا النوع الفرجوي الذي تم إنتاجه بدير الأطلس المتوسط، يتشابه، ويتآخى مع اللون الحمادي (فن حمادة) في الكثير من المظاهر منها على الخصوص الفرجة، اللباس، الآلات الموسيقية، كالبندير، والطعريجة، والآلات الجرسية الحديدية سواء أكانت صينية، أو مقص.. الجميل في هذه الألوان أنها استعملت آلات موسيقية مغربية صرفة.

 

آلة البندير الإيقاعية، وإن أستعملت في الكثير من الحضارات، وفي الكثير من الألوان الصوفية، ففي الأشكال المغربية يتخد طابعا محليا صرفا، لصناعته من جلد الماعز الجبلي المتين الذي يحتاج إلى تسخين بالنار ليتحول إلى آلة تصدر نقرات قوية و متسعة، فصداها يكون قويا تردده جبال الأطلس لأن غاية كل الأشكال المغربية ذات الطابع الفرجوي إبراز الاحتفال، وإيصاله إلى أبعد نقطة ممكنة. فضلا عن اللباس المتميز بتعميم العصابة في كل هذه الألوان التي صففت على الرؤوس بأناقة تشي بجمال اللباس المغربي.

 

فن حمادة الامتداد الصحراوي، والنفس الزاوياتي

بمعية زملائي ارتأينا أن نفتح هذه الكوة الإعلامية، لغاية إخراج هذا الفن من اللامفكر فيه، إلى دائرة الضوء، اهتماما وتفعيلا لمبادرات تنتج مساعي تصب في البحث، في الامتدادات التاريخية والفنية لكذا فن. وإذا كان مجموعة من الإخوان فعلوا مبادرات أحيت الاهتمام بهذا الفن وجعلت مجموعة من الشيوخ ما زالوا مرتبطين به ومحافظين على نشاط ذاكرتهم وارتباطها به أي بفن حمادة، فإن تقدم سن هؤلاء لا يبعث على الأمل، والحال أن مجموعة من القصائد غابت ولم تعد متداولة وهي: قصائد ذات بعد تاريخي ووطني، تشير إلى معركة الهيبة، وأخرى تشير إلى معركة التحرير الوطنية، ونفي المغفور له محمد الخامس.

 

إن فن حمادة هو عبارة عن مجموعة من القصائد، والسرابات، والبراويل، والمايات، كان الشيوخ هم منتجو هذه القصائد وغالبا ما يغيب حضور شعراء خارج فرق حمادة، وحسب تصريح الشيوخ فقد اقتصر إبداعهم وقتئذ في توسيع بعض المايات الهوارية، أو المايات الحسانية. لضيق أفق إنتاج الشعر، الذي سيرتبط بالذوق العام الذي شرع في طلب منتوج سريع، وايقاعي بالدرجة الأولى. ولم يعد يرغب في القصائد الطويلة والطربية.

 

تغييب ألوان فنية عريقة بمنطقة الرحامنة

بلاغة المحو لم تلتهم فقط الشعر بل غيبت ألوانا فنية عريقة سواء ببوشان، أو بمنطقة البحيرة وهي فن الكاف ( ثلاث نقط فوق الكاف) الذي كان نشيطا في فترة كانت الجماعة بها شعراء كثيرون، كما غاب فن الكدرة بشكل تراجيدي ببوشان، وبمنطقة البحيرة.

 

وهذا الفن حسب الروايات الشفوية انتشر، مع فن حمادة بالدواوير التالية: (لكرينات، سويحات، الرباعة، بو ناكة، بو هداد....)، وهي كلها بمنطقة البحيرة التي ضمت أعرق الأصول، وأشرف العائلات نسبا وعلما، وورعا سواء تلك التي انحدرت من صحراء القبلة، أو صحراء الساحل حسب التعريف الشعبي لصحرائنا المغربية. فمن الصحراء الشرقية: (الزيود، والرزقيين ذوو الانتماء البوعزاوي زاويتيا، والمحموديين ذوو الإنتماء التيجاني). الساقية الحمراء، ووادي الذهب: لقد شكل الركيبات أكبر مكون قاطن بالبحيرة إلى جانب سلام الغرابة بجماعة أولاد بن عنو، واستوطن الركيبات الكنتور كذلك وأقاموا بها زوايا من بينها زاوية أهل ابراهيم غالي رئيس جمهورية الوهم، والذين عرفوا بـ (معروف) مشهور عندهم ينظمونه صيفا.