يحيى عمارة في "مدارات".. من سؤال البدايات إلى سؤال الشعر والكتابة

يحيى عمارة في "مدارات".. من سؤال البدايات إلى سؤال الشعر والكتابة الكاتب يحيى عمارة (يمينا) والزميل عبد الإله التهاني

استضاف الزميل عبد الإله التهاني، معد ومقدم برنامج "مدارات"، مساء يوم الثلاثاء 7 يوليوز 2020، الشاعر والباحث الأدبي يحيى عمارة، الذي عزز الخزانة الشعرية بدواوينه (فاكهة الغرباء، لن أرقص مع الذئاب، لا تقيد يد الورد، فوضاي تكتب نثرها..)، حيث سلط الضوء على جوانب أساسية من مساره الأدبي والجامعي، من البدايات إلى الامتداد، مع استحضار ظروف وتفاصيل اقترابه من نبع الكتابة..، فضلا عن ملامسة انشغالاته وبقية مستوياته الفكرية.

 

على ضفاف "مدارات" التهاني، تابعت "أنفاس بريس" رفقة أصدقاء البرنامج، حديث الشاعر يحيى عمارة في مسألة الهوية الثقافية، وإشكالية تنمية المقروئية، ورهانات الصناعة الثقافية بالمغرب، وحضور الرؤية الصوفية في نماذج من الشعر المغربي المعاصر، وصولا إلى استعراض انطباعاته وذكرياته عن شخصيات فكرية وإبداعية مغربية.

 

سؤال البدايات

يسأل الشعراء اعتياديا في مدارات التهاني، عن اليوم الذي امتدت فيه أياديهم واقترفت فعل القراءة والكتابة، حيث أجاب الشاعر والكاتب يحيى عمارة قائلا: "هناك محطات اعتبرها ميثاقا بيني وبين الشعر". وسؤال البدايات يحيل على ذاكرة الطفولة في علاقة مع جنس الشعر.. "جاءني الشعر ضيفا وطيفا، دق بابي دون استئذان... لم يصبني السأم من احتضانه".. هكذا توطدت علاقة القصيدة مع الشاعر بعد أن وجدت في "الطفل يحيى عمارة عاشقا لصوت الشعر.. بفضاء الحديقة... للحديث مع الذات والاستمتاع بحديث الطبيعة".

 

وربط الشاعر علاقته مع القصيدة وعاشرها منذ أن خاطبه المعلم في المدرسة قائلا: "أنت بداية شاعر". حيث كان قد كتب نصا مبعثرا عن الربيع، ومن ثم "أسست القصيدة كيانه"، بمحفزات الفقر والهم "واستوعب قيمة الشمعة التي تحترق لتضيء الحرف والكلمة وتكتمل قصته مع لهيب الشعر... في سنوات الثمانينات".

 

توطدت العلاقة مع القصيدة كذلك حينما بدأ يحيى "ينشر قصائده في الملاحق الثقافية بالصحف الوطنية"؛ وتتعزز عبر مسار الإبداع في لحظة مشرقة في ذاكرة البدايات وهي "مشاركتي مصادفة في مهرجان الشعر بمراكش"، وتسلم شهادة المشاركة التي "أعلنت ميلاد شاعر".. وفي نفس السياق يستحضر يحيى عمارة مدينة وجدة "مدينة الشعراء والفنانين التي كان لها إسهامها في تربية ذوقي الأدبي" ومدينة فاس"، معقل الشعراء والمبدعين والتي صادقت على شاعريتي".

 

تقويم التجربة الشعرية ذاتيا

"إن عدم الرضى عن القصيدة البهية والإيقاع الجميل، والصور الشعرية، كان سببا من أسباب تأخرنا في المغامرة شعريا"، يقول يحيى عمارة؛ مضيفا بأنه كان "يريد أن تكون تجربة نشر القصائد شبيهة بالنبع، وبعين الماء التي تفيض في الطبيعة ولا تنتهي"؛ حيث يصف علاقته بجيليه بأنها "علاقة ائتلاف واختلاف.. ألتقي معهم في الأفق الشعري دون اتفاق.. لأن الشعر يتطور بالاختلاف"؛ موضحا "أكتب ذاتك أولا، عاشر الأشياء والكائنات والأكوان".

 

دواوين الشاعر، هل هي امتداد أم انعطافة

وعن سؤال بخصوص الإصدارات الثلاثة هل يعتبرها الشاعر امتداد أم انعطافة على مستوى الكتابة واللغة قال "أجد صعوبة في تقويم دواويني المتواضعة، أبوح بشعور ينتابني، هو قبل أن تقدم للمتلقي جديدك اسأل نفسك؟"، وأردف موضحا "تجربتي تختلف من ديوان لآخر..."، حين أتحدث عن تجربة العزلة في زمن الجائحة فإنها تختلف في "الكتابة والتصور... لأن القصيدة حكاية" ورؤية الشاعر في الكتابة "هي جسر التلاقي بين التجارب، وتقديم الجديد المختلف على السابق".

 

مفهوم "الدكتوراه" عند عمارة

"الدكتوراه هي جسر علمي يربط بين معرفة طالب إلى معرفة باحث"، يوضح يحيى عمارة، مؤكدا على أن "الدكتوراه هي بداية إعلان مشروع باحث".. من هنا ينطلق ضيف "مدارات" ليتحدث بإسهاب عن بحث "سؤال المرجعية في الشعر المعاصر" بعد أن لاحظ قلة البحث في الشعر، وانحسار الدراسات العامة في الحديث عن الشعر المحظوظ المفكر فيه (المشرق) وتهميش العشر غير الفكر فيه (المغرب)، حيث شغله سؤال "خلاصة نقدية، تقوم بالاعتراف بالخصوصية". في هذا السياق يقول الباحث يحيى عمارة لقد "تهافتوا على الإبداع العشري المشرقي، وفي المقابل تم إغفال الشعر المغربي".

لهذا السبب عمل يحيى عمارة على "إبراز حقيقة الشعر المغربي انطلاقا من النص وتبيان حال الشعر المغربي الذي كان مغيبا".

 

سؤال الفلسفة والأدب والتصوف

بسط الزميل عبد الإله التهاني أمام الضيف سؤال الربط بين خط الكتابة الشعرية مع خط مزاولة التدريس الجامعي والعبور من الأدب نحو الفلسفة، فكان بوح يحيى عمارة "إن سؤال الفلسفة والأدب يوجد في ذات الشاعر"، ومنذ أن كان طالبا عشق الفلسفة بتحفيز رمزي من أستاذ سوري الذي نوه بمعرفته الفلسفية، حيث قال له "لك إطلاع على الفلسفة"، الشيء الذي يعتبره الضيف "شكلت اللحظة، نصيحة لم أنساها"، وظل يسدي النصيحة ويرددها لطلبته "اقرأوا الفلسفة"... لأن هناك "تكامل بين الأدب والفلسفة، والإنسان وجدان وعقل". وبخصوص عالم التصوف، يقول يحيى عمارة "عالم التصوف واسع، ولنا علاقة تاريخية ومذهبية مع العوالم الصوفية والخطاب الصوفي، والشعر لا يمكن أن نحذف منه هذه العلاقة". ويرى الباحث "أن النتيجة النسبية التي وصلنا إليها بواسطة قراءة النصوص... فهناك فريق تعامل مع التصوف بروحانية الحال والتواجد بلغة صوتية وجدانية.. وفريق آخر تأثر بالمعجم الصوفي لغة وأسلوبا ليكون الخطاب صوفي".

 

الهوية الثقافية والحداثة

الحديث عن الهوية والحداثة في المغرب يؤكد يحيى عمارة "لا يمكن التغاضي عنهما" وتعريف الإنسان لذاته من خلال انتمائه للمجتمع "يتميز بالتاريخ المشترك وثقافة دستورية ومجتمعية في إطار التعدد" والحداثة بالسنبة له "لا تعني التخلي وإعلان القطيعة مع كل ما هو ماضوي". وأكد عمارة أن "خصوصية الثقافة المغربية تستلزم الوقوف عند سؤال هوية الأنا... عند حداثة الذات والأنا، أولا"، ليخلص في حديثه إلى أننا في حاجة إلى "مشروع مجتمعي حداثي يجمع بين جاذبية الخصوصية وجاذبية الكونية لنستشرف المستقبل انطلاقا من الهوية الثقافية وسؤال الحداثة". وبخصوص أصوات الهوية من خلال الرواية المغربية أو الهوية السردية يقول الباحث عمارة "ينطلق من بؤرة تتأسس بصيغة الفرد والمجتمع... فصوت التاريخ يصدر عن المؤرخين المغاربة، وصوت اللغة التي تمتاز بالتعدد في المغرب، وعبر عنه الروائيون بالمغاربة من أمثال (محمد الاشعري، أحمد توفيق، وسالم حميش...).

 

تأثر الباحث بالمفكر إدوارد سعيد

"إنه قارئ جيد ومطلع على الرواية الغربية والعربية، وركز على المرجعيتين، وكان يدافع عن الثقافة العربية"؛ هكذا وصف ضيف مدارات المفكر العربي إدوار سعيد الذي "تأثر به من خلال اشتغاله على إشكالية الهوية، وأخذت منه هذا المفهوم". ويضيف عمارة بأن "الروائي المغربي يشتغل على تجديد التراث من داخل الرواية"، مستشهدا بنصوصه التي "تدرس في الجامعات الدولية والملتقيات الفكرية".. وأكد على أنه من الضروري "العودة إلى مشروع إدوارد سعيد الفكري"، على اعتبار أنه "أغنى المكتبة العربية... وهذا زمنه"؛ ولاحظ الباحث والأديب يحيى عمارة أن هناك "عودة للجيل الجديد لمشروعه الثقافي... رغم أنه كان منسيا"؛ موضحا بأن مشروع إدوارد سعيد "تعددي ويعتمد على ما هو معرفي وفلسفي واستشرافي بأسئلته حول "سؤال المكان في ارتباطه بالهوية وسؤال المنفى يترتب عن سؤال المكان".

 

وقبل اختتام حلقة مدارات باح الشاعر يحيى عمارة بعلاقته بهذه الأسماء:

- عبد الرحمن بوعلي: شاعر عربي، علمني مناهج النقد، مترجم عربي، وفق في الجمع بين التراث والحداثة.

- محمد البلهيسي: دراماتورج عربي، فنان متميز، قام بوظيفة المثقف، أنجب جيلا مثقفا، وأعطى كل ما يملك في حياته للفن.. إنه متنبي الخشبة.

- عبد السلام بوحجرة: أحس بشيء داخلي يبكي حينما أتذكره، عاش شاعرا ومات شاعرا، إنه شاعر المواقف والجماليات، شاعر وكاتب مسرحيات، هرم من أهرام القصيدة، إنه الغناء على مقام الشعر.. كان يشرف المغرب والقصيدة العربية.