محمد لكريني: خبراء يرصدون المسألة الليبية في ضوء التطورات الراهنة

محمد لكريني: خبراء يرصدون المسألة الليبية في ضوء التطورات الراهنة محمد لكريني يعرض في تقريره إضاءات حول ندوة المسألة الليبية

نظم فريق البحث حول السياسات والمعايير التابع لمختبر الدراسات في العلوم القانونية والاجتماعية والقضائية والبيئية، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أيت ملول جامعة ابن زهر، اللقاء الأول من سلسلة الندوات الحوارية "للموعد الدولي حول موضوع: المسألة الليبية في ضوء التطورات الراهنة" وذلك بتاريخ الأربعاء 1 يوليوز 2020.

وقد تميز هذا اللقاء الذي قام بتنسيقة د. سعيد همامون أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان بكلية الحقوق أيت ملول، بمشاركة  كل من: د. محمد لكريني؛ دة. آمال الحواسني؛ ود. حكيم التوزاني؛ أساتذة القانون الدولي بكلية الحقوق أيت ملول، وبحضور: د. رحيم الطور عميد الكلية، وتمت خلاله استضافة الأستاذ موسى عبد الحفيظ القنيدي أستاذ القانون الدولي  بكلية القانون بجامعة مصراتة  بليبيا، حيث دار اللقاء حول أربع محاور أساسية:

 

ناقش المحور الأول: المسألة الليبية وسؤال الشرعية الدولية من وجهة نظر القانون الدولي، عبر تسليط الضوء على أدوار الأمم المتحدة في تدبير الأزمة الليبية منذ اندلاعها سنة 2011، وقد اعتبر المتدخل من ليبيا أن قرارات الأمم المتحدة تكتسب الشرعية الدولية، وأن التدخل العسكري الذي تم في إطارها كان يهدف إلى حماية المدنيين، فلم يكن يُتوقع أن التدخل الأجنبي سيساهم في تفاقم الأزمة، وإثارة  المزيد من الانقسامات خاصة في ظل غياب مؤسسات شرعية حاكمة. الأمر الذي يفسر استغلال بعض الدول لهذا الوضع لتحقيق مصالحها ودعم فئات على حساب فئات أخرى، وكل ذلك في غياب استراتيجية محكمة للدول الخمس الأعضاء بمجلس الأمن الدولي.

 

في حين خصص المحور الثاني: لمرجعيات التسوية، وسياقات التدويل، ففي سؤال حول راهنية اتفاق الصخيرات كمرجعية للتسوية، في ضوء التطورات الأخيرة للمشهد الليبي، (خصوصا بعد انسحاب برلمان طبرق) تم التأكيد أن اتفاق الصخيرات مازال يشكل إطارا مرجعيا بحكم أنه هو الذي يمنح الشرعية لحكومة الوفاق الوطني إلى غاية يومنا هذا، وقد تمت الإشارة كذلك إلى أن هذا الاتفاق كان محل إجماع عموم الليبيين سواء كانوا أكاديميين أو غيرهم. غير أن حكومة الوفاق الوطني واجهت بعض العراقيل من طرف بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن، أو في المنظومة الدولية والتي تدعم الطرف العسكري (حفتر) من أجل الإجهاز على هذا الاتفاق على الرغم من الشرعية التي يكتسيها في قرارات مجلس الأمن. كما أن اتفاق الصخيرات حسب المتدخل هو الأداة الوحيدة لإحياء العملية السياسية، وأي إسقاط له سيدخل البلاد في حرب أهلية قد يتجاوز مداها الحدود الليبية. لذا فإن مجلس الأمن لا يتحدث عن إلغاء اتفاق الصخيرات لعلمه بأهميته.

 

وفي سؤال آخر عن تأثير الانقسامات السياسية التي تشهدها الساحة الليبية على التوصل إلى حل سياسي مستقبلي؟ تم التأكيد أن الحل الليبي-الليبي أصبح غير ممكن نظرا للدعم الخارجي الذي يتلقاه كل طرف من أطراف النزاع، بل إن بعض الدول تتدخل من أجل إفشال كل بوادر الحلول من خلال التأثير على طرف ليبي ما. كما أشار المتدخل إلى أن حجم العمليات العسكرية الداخلية يعكس تعذر أي حل ليبي صرف، والحل في نظره بيد مجلس الأمن من خلال قراراته الملزمة والمقرونة بالقوة العسكرية في حالة تخلف أحد الأطراف.

 

وفيما يخص أدوار التكتلات الإقليمية وتأثيرها على التسوية، تمت الإشارة إلى أن جامعة الدول العربية لم تلعب دورا فعالا حيث فقدت أي إمكانية للتأثير في التسوية لأنها لم تكن محايدة مما أفقدها ثقة الطرف الآخر. كما أن اتحاد المغرب العربي لم يكن له أي تأثير بحكم فشله الذريع من الناحية العملية، في حين تم تحجيم دور الاتحاد الإفريقي  تدريجيا. وبالتالي فالأزمة الليبية لا يمكن حلها إلا من خلال مجلس الأمن وشرط التوصل إلى توافق سياسي داخلي بين أطراف النزاع.

 

أما بخصوص المحور الثالث من اللقاء والمعنون بالوضع الإنساني وتوثيق الانتهاكات، مهمة من؟ وما هي ممكنات المتابعة؟ فقد دار حول تشخيص الوضع الانساني في ليبيا، وتم التأكيد من خلال هذا المحور على أن ظاهرة الإفلات من العقاب وعدم المحاسبة تعد من الأسباب الأساسية في ارتفاع جرائم الحرب والانتهاكات الأخرى لمقتضيات القانون الدولي الإنساني، بالإضافة إلى عوامل أخرى كعدم تأهيل الترسانة القانونية ذات الصلة بهذا النوع من الجرائم (جرائم الحرب ، جرائم ضد الانسانية والإبادات الجماعية) إلى جانب استفحال الوضع الأمني وانتشار السلاح غير المرخص به، مما أدى إلى ضعف المنظومة القضائية، في ظل غياب ضمانات الحماية للقضاة وللمنظومة ككل التي تظل عاجزة عن ملاحقة الجناة.

 

وتفاعلا مع سؤال حول من يتحمل مسؤولية الوضع الإنساني في ليبيا، اعتبر الأستاذ المتدخل أن المسؤولية مشتركة بين الجميع؛ أفرادا وهيئات حيث تتدخل فيها كل الأطياف على المستوى الداخلي بدون استثناء، بدءا من السلطة الانتقالية مرورا بمجلس النواب والقوات العسكرية... وصولا إلى المجموعات المسلحة، أما على المستوى الخارجي فتتحمل بعض الدول الإقليمية شقا كبيرا من المسؤولية على اعتبار أنها تدعم بعض المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة.

 

أما فيما يتعلق بكيفية رصد وتوثيق الانتهاكات فقد تم الإقرار بأن هذه العملية لا يمكن أن تسند إلى جهة واحدة بل هناك مجموعة من الهيئات من قبيل وزارة العدل، اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني، الهيئات الحقوقية التابعة للمجتمع المدني، والتي ساهمت بالفعل في رصد مجموعة من الانتهاكات الخطيرة.

 

لتختتم أشغال هذا اللقاء بمحور خاص حول "السيناريوهات المتوقعة للتسوية" تم تناولها من خلال نقطتين: همت الأولى الإطار المرجعي الذي يحتله اتفاق الصخيرات لإيجاد أي تسوية، خاصة في ظل تعثر اتفاق برلين بالرغم من الجهود التي بدلت لإنجاحه، وأن التطورات الحالية ليست إلا إقرارا بفشله، في  حين حافظت مرجعية اتفاق الصخيرات على استمراريتها من الناحية العملية، ومن المرجح أن تعود من جديد بحكم أن أطراف النزاع تستمد شرعيتها من هذا الاتفاق.

 

في حين خصصت النقطة الثانية لمسألة تعزيز القدرات على تحريك المتابعة التي أضحت ملحة خاصة بعد رأي المجلس الأعلى للقضاء في ليبيا الصادر 04 أبريل 2019 باعتباره أعلى سلطة قضائية، الذي اعتبر فيه أن هجوم "حفتر" على العاصمة طرابلس ومحاولة إسقاطها وإسقاط اتفاق الصخيرات بقوة السلاح إنما هو حالة "احتراب" (احتراب بين الإخوة)، وبالتالي نأى بنفسه عن التدخل بالرغم من الانتهاكات الجسيمة، الأمر الذي يمكن اعتباره اقرارا بالعجز وعدم الرغبة في نفس الوقت على تحريك المتابعات.

 

وقد أسفر هذا اللقاء على مجموعة من التوصيات التي تهم المسألة الليبية من قبيل:

- التأكيد على ضرورة إيجاد حل سياسي توافقي بين الأطراف الليبية؛

- أن التوافق السياسي يجب أن يكون مدعوما من طرف مجلس الأمن، وبعيدا عن تأثيرات التدخلات الخارجية؛

- ضرورة اتخاذ مجلس الأمن للقرارات اللازمة لفرض استتباب الأمن، وإنهاء أي تواجد عسكري أجنبي بما فيه المرتزقة والميليشيات وشركات الأمن الخاصة؛

- يتعين على مجلس الأمن في إطار التسوية إنشاء محكمة دولية خاصة أو مختلطة تعنى بمتابعة الانتهاكات الجسيمة ومحاسبة المسؤولين عنها؛

- تعزيز قدرات القضاء الوطني بما يضمن حماية القضاة الليبيين، ويعزز من خبرتهم في ممارسة مهامهم؛

- تأهيل القانون الوطني بما يسمح من تحريك المتابعة والحد من الافلات من العقاب؛

- إنشاء آليات للتحقيق ورصد الانتهاكات وتوثيقها، إما ان تكون تابعة للقضاء الليبي أو للبعثة الأممية، أو امتدادا لاختصاصات المحكمة الجنائية الدولية؛

- تعزيز قدرات هيئات المجتمع المدني بشكل يسمح لها للقيام بدورها في عملية التحسيس بأهمية احترام القانون، ورصد وتوثيق الانتهاكات؛

- راهنية إطار الصخيرات كمرجعية للتسوية؛

 

- محمد لكريني، أستاذ القانون والعلاقات الدوليين بكلية الحقوق أيت ملول - جامعة ابن زهر