في ذكرى استشهاد عريس المقاومة.. شذرات من سيرة البطل إبراهيم الروداني

في ذكرى استشهاد عريس المقاومة.. شذرات من سيرة البطل إبراهيم الروداني ملحمة الشهيد إبراهيم الروداني تضمنها كتاب "صفحات من ملحمة تاريخ المقاومة المغربية... والآن أتحدث"
تحل ذكرى استشهاد البطل إبراهيم الروداني يوم 5 يوليوز 2020، الرجل الوطني النموذج الذي لعب دورا محوريا في المشهد السياسي المغربي رابطا بين العمل السياسي والنقابي واختيار العمل المسلح ضمن كتيبة الوطنيين المقاومين لقوى الإستعمار الغاشم وأذابه. 
في هذه الذكرى تسترجع جريدة "أنفاس بريس" لحظات تاريخية مشرقة من خلال بعض  الشذرات القوية من ملحمة الشهيد إبراهيم الروداني، التي تضمنها كتاب "صفحات من ملحمة تاريخ المقاومة المغربية... والآن أتحدث" ، الذي أعده وأصدره أحد رفاق دربه التهامي نجار.
 
انخرط الشهيد إبراهيم الروداني في المشهد السياسي المغربي ضمن صفوف حزب الإستقلال سنة 1944، بالموازاة مع تقديم الحركة الوطنية لوثيقة المطالبة بالإستقلال، حيث لعب أدوارا طلائعية على عدة واجهات نضالية، (التعليمية والاجتماعية والنقابية..) ولم يبخل المناضل ابن منطقة تارودانت في دعم العديد من الطلبة المغاربة الذين كانوا يتابعون دراستهم العليا في فرنسا من أمثال (الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي والأستاذ البشير التعارجي، والأستاذ المعطي بوعبيد ، والنقابي الحسين أحجبي وإدريس الفلاح ...).
 
 الشهيد إبراهيم الروداني اختار المقاومة بالسلاح، حيث حول بوصلته من العمل السياسي إلى العمل المسلح، بعد أن ركز كل جهوده التنظيرية متبنيا إستراتجية التخطيط لتأسيس خلايا المقاومة في مختلف أحياء الدارالبيضاء، وانتقاء خيرة الوطنيين المقاومين من أمثال الشهيد عباس المسعدي والشهيد محمد الزرقطوني، ومحمد الناصري، وإدريس بن بوبكر، وجناح بنعشير...).
 
ربط الشهيد إبراهيم الروداني بين التأطير السياسي و النقابي، والعمل السري لتنفيذ العمليات الفدائية، بعد "أن جعل من معمله مكانا للاجتماعات السرية، ومن منزله الكائن بدرب مارتيني مقرا للتخطيط للعمليات الفدائية، فيما خصص بيتا آخر مقرا لتأسيس نقابة وطنية أطلق عليها هو نفسه الإتحاد المغربي للشغل، وذلك يوم 20 مارس 1955 بمساعدة كل من المحجوب بن الصديق، والطيب بن بوعزة ، وأمين هاشم ، وصالح المسكيني".
 
"كان بيته ومعمله (معمل مادة جافيل) مفتوحين دائما للمواطنين، وملاذا لهم.. يعقد فيهما اجتماعات التخطيط للأعمال الفدائية، والحوار مع رموز المقاومة وتبادل الآراء من أجل تحرير المغرب.. وتزويد الفدائيين بنصائحه وتوجيهاته". 
 
بشهادة مجايليه والمحتكين بشخصيته فقد كان إبراهيم الروداني رحمه الله "شخصية وطنية فذة، انطلق في مسيرته النضالية بعد رجوعه من فرنسا بعدما اكتسب تجربة نقابية وسياسية" حسب أغلب الشهادات التي تم توثيقها في صفحات تاريخ المقاومة المغربية.
 
كانت للشهيد نظرة اقتصادية متحررة وغير تبعية بدليل أنه عندما دعت الحركة الوطنية إلى تأسيس شركات وطنية لمواجهة الشركات الفرنسية، و وضع اللبنات الأولى لبناء الاقتصاد الوطني، "سارع المرحوم إبراهيم الروداني إلى إنشاء شركة (لافاسك) لصنع مواد التطهير من ماله الخاص، وجعل مقرها في وسط الحي الشعبي درب السلطان في زنقة (الموناستير) واستغلها مكانا لاجتماع الوطنيين والمقاومين، وفرصة لتوفير الشغل لأكثر من خمسين شخصا، ولم يكن المرحوم إبراهيم الروداني يستفيد من إيراداتها وخصصها فقط لدعم الحركة الوطنية"
 
 أغلب الشهادات حول الكفاح المسلح والمقاومة الفدائية التي جرت أطوارها وأحداثها الرئيسية بمدينة الدارالبيضاء، كانت "تتم تحت إمرته، وبتخطيط هندسي للعمليات الناجحة الثي أعطت ثمارها، إما بالإستشارة أو الإشراف أو التنفيذ". في هذا السياق تتحدث أوراق المقاومة عن الرجل بسخاء يوازي سخاءه "لم يبخل بأمواله على المواطنين، ولا عن القضية الوطنية، فكان عمله وبيته وطنا للوطنيين والمقاومين والنقابيين والسياسيين، ولقادة جيش التحرير بالشمال والجنوب" . 
 
عن رفاقيته في درب النضال تؤكد أغلب الشهادات التاريخية بأن "الشهيد محمد الزرقطوني كانت له علاقة متينة مع الشهيد إبراهيم الروداني امتدت آثارها إلى مجموع التراب المغربي، وكانت تخطيطاتهما تصل بضرباتها إلى أبعد نقطة بالمغرب، من أجل فك الحصار والعزلة عن الدارالبيضاء، بإستراتجية ذكية كانت تستهدف إبراز أن المقاومة المسلحة مشروع وطني وليس حركة فدائية في مدينة عمالية حديثة مثل مدينة الدارالبيضاء".
 
الحدث الأبرز في مسيرة الشهيد إبراهيم الروداني أنه "كلف رفقة إخوانه المقاومين بعد عودة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، بجمع السلاح من المنظمات والمقاومين...لكن في يوم 5 يوليوز 1956 سقط الشهيد برصاص الغدر "
لم يمر الحدث المؤلم دون حراك شعبي حيث "خرج سكان الدارالبيضاء مستنكرين ماحدث للفدائي الكبير ابن تارودانت الذي مثل المقاومة البيضاوية بكفاحه وأمواله ...خرجت ساكنة الدارالبيضاء عن بكرة أبيها تبكي فقدان البطل.. خرج الفدائيون الشرفاء الذين عاشروه، خرج الرفاق الذين كانوا بجانبه بدرب الكفاح ، خرج العمال والتجار والحرفيون في موكب جنائزي مهيب امتد من المسجد المحمدي بالأحباس إلى مقبرة الشهداء... يرافقه وفد رسمي برئاسة حكومة امبارك البكاي وحضور إدريس المحمدي وزير الداخلية والمرحوم الأستاذ عبدالله إبراهيم، كما حضر الجنازة بعض أعضاء منظمة أسد التحرير والمنظمات والأحزاب السياسية الممثلة في زعمائها والمؤسسات النقابية..".
 
لحظة الاستشهاد "في ذلك اليوم المشؤوم جاء من أخبره بأن أفرادا من منظمة (الهلال الأسود) يحومون حول معمله، وطلب منه عدم الخروج ريثما يستدعي زملاءه لحمايته، فلم يبال بهذا التحذير وخرج، ووقف أمام باب معمله طويلا منتصب القامة شامخا، يستنشق نسيم الاستشهاد، رافعا رأسه ليرى سماء بلاده الحرة المستقلة لآخر مرة في حياته، ثم فتح باب سيارته، وقبل أن يجلس وراء المقود امتدت له يد الغدر من الخلف، وأطلقت عليه عدة عيارات نارية فأردته قتيلا، وأصيب كذلك أخوه ومات متأثرا بجراحه، كما قتل أحد المارة وأصيب آخرون بجروح خطيرة، واستطاع بعض الحاضرين إلقاء القبض على خمسة من الجناة، وعند استنطاقهم اعترفوا بأنهم ينتمون إلى (الهلال الأسود).."