سعيد الكحل: أدبيات البيجيدي وتصريحات قادته تناهض الدولة المدنية

سعيد الكحل: أدبيات البيجيدي وتصريحات قادته تناهض الدولة المدنية سعيد الكحل
إن تصريح الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني بكون مرجعية حزبه "حددها الله" يحمل دلالات خطيرة على أكثر من مستوى . وهذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها السيد العثماني عن قناعته هذه ؛ ما يعني أن الحزب له إستراتيجية ثابتة تتمثل في "أسلمة" الدولة كمقدمة لإقامة "نظام إسلامي" بما يعنيه من الالتفاف على الدولة المدنية وإقامة "الدولة الدينية".
فقد درج قادة الحزب على تقديم أعضائه بكونهم يمثلون "الإسلام السليم"، فيما شددت  أطروحة المؤتمر السادس للحزب على تميز منتسبيه عن غيرهم ممن ينتمون إلى باقي الأحزاب السياسية بالارتباط "بالمرجعية الإسلامية" كالتالي   (وتفريط الحزب في التأكيد على تعزيز الارتباط بالمرجعية الإسلامية من شأنه أن يفقد إحدى المقومات الأساسية الضامنة لتميز أعضائه ). ومن الدلالات الخطيرة هكذا تصريح :
1 ـ إضفاء طابع القداسة على الحزب وبرامجه، مما يجعله فوق النقد ويقوي فرص فوزه في الانتخابات أمام أحزاب ذات مرجعية بشرية .
وهذا الاستغلال  الصارخ للدين لكسب أصوات الناخبين يضع الحزب في تعارض مع الدستور الذي يمنع قيام الأحزاب على أساس ديني  في الفصل السابع منه ( لا يجوز أن تؤسس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي). فاحتكار المرجعية الدينية يقود بالضرورة إلى احتكار الحقيقة وإيهام المواطنين بأن خطط الحزب وبرامجه تعبير عن إرادة الله وتنزيل لتعاليمه ، وأي معارضة لها أو انتقاد هو عصيان وكفر.
وفق هذا المنطق ،  فكل من يعارض الحزب أو يرفض برامجه  فهو يعارض تعاليم الله تعالى ويخالف تشريعاته.وليس غريبا على حزب البيجيدي أن يوظف هذه المرجعية ليرمي خصومه سنة 2000 بالكفر ومحاربة الدين إبان معركة مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية. بل يلجأ إلى سلاح الدين للاستقواء على الخصوم ومحاولة التأثير على الرأي العام في كل المعارك السياسية  والحقوقية . 
وتكفي الإشارة هنا بما سبق وتفوه به المقرئ أبو زيد الإدريسي مخاطبا أعضاء الحزب بزاوية سيدي إسماعيل بإقليم الجديدة ( إننا باقون معكم إن شاء الله كما فعل الرسول صلى عليه وسلم بعدما عاد من فتح مكة، وخشي أهل المدينة أن يغادرهم ويعود إلى مكة بعد أن فتحها.. وقال (الرسول): الدم الدم، والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني)، أو تشبيه تنازل بنكيران لعزيز أخنوش خلال المفاوضات لتشكيل الحكومة  للولاية الثانية بتنازل الرسول عليه السلام لكفار قريش في صلح الذيبية.
2 ـ التمييز في الأحزاب بين من "حدد الله" مرجعيتها وبين من لم يحددها . وهذه هي الشرارة الأولى للفتنة الطائفية التي دمّرت شعوبا ودولا ومزقت نسيجها المجتمعي والثقافي .فإيديولوجية الحزب وأطروحاته كلها تصب في اتجاه تقسيم الأحزاب على أساس عقدي/ديني وليس إيديولوجيا ؛ ومن ثم نقل المعارك السياسية إلى المجال الديني ليسهل تحريض المواطنين ضد الأحزاب ورموزها التي لم "يحدد الله مرجعيتها".طبعا هذا التمييز يتنافى حتى مع الإسلام  الذي لم يرهن عطاء الله بالإيمان ولكن بالعمل (قل كلا نُمدّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا) الإسراء:20 ؛ كما يتنافى مع جوهر السنة النبوية الشريفة التي أقرت أن الأمور الدنيوية من اختصاص البشر وما راكموه من خبرات وتجارب عملية ومعرفية "أنتم أدرى بشؤون دنياكم".
3 ـ السعي لفرض وصاية الحزب على الشعب . فكل ما تروجه أدبيات الحزب وقيادته يتمحور حول تميّز أعضائه ووصفهم "بالرساليين" وحمَلة مشروع مستمد من الدين وساع إلى إقامة دولته .وباعتبارهم كذلك ، فهم يسعون إلى ممارسة الوصاية على الشعب وعلى الدولة ، فيحلّون ويحرمون ما يخدم أهداف الحزب ويترجم العقائد التي صاغها المودودي والبنا وابن تيمية وليس ما جاء به رسولنا الكريم (ص) ودعا إليه. لهذا تصدى الحزب لكل التشريعات والقوانين التي ترقى بالمرأة وتؤسس للمساواة والمناصفة وتضمن إدماجها في التنمية ، أو تلك التي تحمي حقوق الأطفال والقاصرات من الاستغلال بكل أشكاله. نفس الموقف اتخذوه من الإجهاض الإرادي والحريات الفردية ورفع المغرب تحفظاته عن عدد من المواثيق الدولية خاصة تلك المتعلقة بحقوق النساء .فالشعب والأحزاب بالنسبة للبيجيديين يجهلون الدين ويسيئون الاختيارات السياسية والاقتصادية والثقافية (تصدى الحزب لقرار تدريس المواد العلمية باللغات الأجنبية).  
4 ـ الالتفاف على الدولة المدنية التي تعبر عن إرادة الشعب وتخضع مؤسساتها إلى دستور وضعي توافقت عليه مكونات المجتمع وقواه السياسية الفاعلة . فالدولة المدنية تناقض الدولة الدينية التي يسعى تيار الإسلام السياسي إلى إقامتها من حيث كون الأولى تقوم على فصل السلط وربط المسؤولية بالمحاسبة وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان في بعدها العالمي والمساواة بين الذكور والإناث ؛ بينما الدولة الدينية تجعل الحاكم فوق الشعب يقرر نيابة عنه ويحكم بالاستناد إلى رجال الدين الذين تكون لهم اليد الطولى في إدارة شؤون الدولة وتحديد اختياراتها . والأخطر في الدولة الدينية أنها لا تسع جميع المواطنين على اختلاف معتقداتهم ومللهم .لهذا يتشبث أعضاء الحزب وكل تيار الإسلام السياسي بحد الردة لشرعنة تصفية خصومهم السياسيين بعد رميهم بالكفر.
لحسن حظ الشعب المغربي أن التجربة السياسية للبيجيدي على رأس الحكومة وفي موقع القرار أماطت اللثام عن الحزب وأعضائه الذين تظاهروا بالورع والتقوى ونظافة اليد فثبت تورطهم في فضائح أخلاقية وقانونية  وخروقات دستورية (حرمان مستخدميهم من التسجيل في صندوق الضمان الاجتماعي والاستفادة من خدماتها، بالإضافة إلى سلسلة من القرارات التي أجهزوا بها على الحقوق والمكتسبات (التوظيف بالتعاقد ،إلغاء الترقية بالشهادات الجامعية ، هضم حقوق المتقاعدين..)