محمد أولوة: "باك 2020.. الامتحان الموعود والحلم المنشود!"

محمد أولوة: "باك 2020.. الامتحان الموعود والحلم المنشود!" محمد أولوة

من المؤكد أن الواقع الصحي المفاجئ الذي أرخى بظلاله على العالم أجمع بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، سيترك آثارا نفسية على التلميذات والتلاميذ خاصة المقبلين على اجتياز الباكالوريا، حيث يمتزج لديهم القلق والخوف المضاعف من الهاجس الصحي ومن الانشغال بنتائجها المرتقبة. فللإمتحان رهبة كما يقال، فكيف بالامتحان في ظل هذه الظروف وما فرضته من أجواء غير مألوفة !؟

ومما لا شك فيه أنه بالرغم من إعلان وزارة التربية الوطنية بشكل مبكر عن آفاق إجراء هذا الامتحان، وتأكيدها على مراعاة كل ما قد يعترض التلميذات والتلاميذ من تحديات في ظل الظروف الاستثنائية الحالية، بما في ذلك الاقتصار في مواضيع الامتحان على الدروس المنجزة حضوريا، وكشفها عن مختلف التدابير الصحية الاحترازية والوقائية الكفيلة بجعل التلاميذ والتلميذات وكافة الأطر الإدارية والتربوية في مأمن من الإصابة بالداء، حتى تتم جميع العمليات المرتبطة بتنظيم الاستحقاق المذكور في أجواء من الطمأنينة والأمان والسلامة، إلى غيره من التطمينات، إلا أن ذلك لن يبدد كليا مخاوف هؤلاء مما تخبئه أجواء الامتحانات وأوراقها لهذا العام.

وذلك على اعتبار أن الامتحان، أيا كان موضوعه أو مجاله، فهو محطة مهمة في حياة كل متعلمة ومتعلم، لأنه يحدد ثمرة مجهودهم ويرسم مستقبلهم ويقترب بهم خطوة نحو تحقيق طموحهم، ناهيك عن كون امتحان الباكالوريا، في الفترات العادية، من الأمور الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لعموم العائلات حيت تعيش البيوت في الغالب حالة استنفار قصوى، وذلك بسبب ما ارتبط بالذاكرة المجتمعية عن رهبة تلك الشهادة وهيبتها، فبالأحرى أن يتزامن إجراؤه بظرف صحي فجائي ووبائي مستجد.

وعلى ذكر الوسط العائلي فإنه لا يمكن إغفال درجة القلق والحيرة التي تزداد ارتفاعا، بشكل رهيب، لدى شريحة عريضة من الأسر التي تعاني أصلا من تداعيات جائحة كورونا وتأثيراتها المدمرة على مستوى عيشها بفقدانها لمصدر رزقها، ما يجعل تلك الأسر تقع في هذه الفترة المتسمة بحدة الكساد والعسر بين سندان الفاقة والعوز المدقع وانسداد الأفق أمامها، ومطرقة الرغبة في التخفيف على فلذات أكبادها من ضغط الامتحانات المرتقبة، والاطمئنان على مصيرهم الدراسي المجهول... وهو ما يستوجب من الحكومة وضع مسألة  محاربة الهدر الجامعي في صلب اهتماماتها، واتخاذ التدابير اللازمة في هذا الشأن، وفي مقدمتها توسيع وعاء المنح الدراسية  وتعميمها لتمكين جميع الطالبات والطلبة من الحصول عليها.

وكما سلف الذكر، قد تعتبر هذه الفترة من الفترات الحرجة التي يعيشها المتعلمات والمتعلمون، لكن بالرغم من ذلك ينبغي أن توضع الأمور في حجمها الطبيعي بعيدا عن التهويل.

فالقلق الذي يعتري غالبية التلميذات والتلاميذ قبل الامتحانات وأثناءها هو أمر طبيعي وسلوك عرضي مألوف، مادام في درجاته المقبولة، بل ويعد تحفيزا إيجابيا لتحقيق الدافع نحو التفوق.

وفي هذا السياق، فالامتحان شر لا بد منه كما يقال، ولكن يتعين إيجاد أفضل السبل للتخلص من الاضطراب والقلق عند المقبلات والمقبلين على اجتيازه والأسرة على السواء، حيث يقتضي الأمر من الأسر التمسك  بالتفاؤل والابتعاد عن الأفكار السلبية، وأخذ الأمر بشكل طبيعي والتعامل بهدوء مع مثل هذه المواقف والظروف، وذلك بتعزيز الأجواء الإيجابية والطمأنينة لدى بناتهم وأبنائهم، والتخفيف من حدة ما يشعرون به من توتر وضغط نفسيين، بالعمل على بث روح الأمل والراحة في نفوسهم وحثهم على الاطمئنان وعدم إعطاء هذا الامتحان هالة أكثر مما يجب.

وارتباطا كذلك بالظرفية الصحية الاستثنائية التي سيجرى خلالها الامتحان، يجدر التنبيه بالأخص إلى عدم الانجرار وراء الأخبار الزائفة والشائعات المتناسلة التي تطلق هنا وهناك، على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن مواضيع الامتحان أو شكل ووضعية الفضاءات والأجواء التي يمر فيها، ذلك أنه قد لا يشكل إجراء الامتحان في هذه الظرفية الصحية الاستثنائية والمفاجئة مشكلا كبيرا في حد ذاتها، لكن طرق التعامل السيء معها، والشائعات التي تتزامن معها، قد تكون أكبر إشكال و أكثر خطورة منها.

 

محمد أولوة/ أستاذ وفاعل جمعوي ونقابي