قراءة في تحقيب العداء الجزائري للمغرب والمغاربة

قراءة في تحقيب العداء الجزائري للمغرب والمغاربة عبد الرحيم أريري

في مطلع كل سنة اعتاد الوسط الديبلوماسي والأمني العالمي على «حركات تسخينية» للجزائر وعملائها بأوروبا وأمريكا لتعبئة الرأي العام الدولي ضد المغرب بالتزامن مع مناسبتين سنويتين: دورة مارس التي يخصصها مجلس حقوق الإنسان بجنيف لمناقشة حقوق الإنسان بدول العالم، ودورة أبريل لمجلس الأمن بنيويورك؛ وهما المناسبتان اللتان حولتهما الجزائر إلى «عيد» تحتفي فيهما بإذكاء الحرب ضد المغرب.

 

فرغم أن قرار وقف إطلاق النار بين المغرب والبوليساريو دخل حيز التنفيذ عام 1991، فإن الحرب بين المغرب والجزائر لم تتوقف، بحكم أن البوليساريو تمولها وتشرف عليها الجزائر، وبحكم أن شرط وجود الديبلوماسية الجزائرية هو الاشتغال على معاكسة مصالح المغرب أينما كانت.

 

في الآونة الأخيرة عاد التلاسن الحاد بين البلدين بسبب تصعيد الجزائر من مواقفها العدائية، لدرجة خيل فيها للمرء أن العلاقة بين المغرب والجزائر تسممت اليوم؛ والحال أن عداء الجزائر نحو المغرب والمغاربة يعد عقيدة راسخة لدى العسكر والحكام الجزائريين.

 

وإذا كان العداء كما قلنا عقيدة ثابتة بقصر المرادية منذ 1975، فإن الموجة العدائية الأخيرة تلونت بألوان جديدة، يمكن أن نضع لها تحقيبا في ثلاث موجات كما يلي: الحقبة الأولى، تمتد من مطلع الألفية الثالثة (أي بعيد خروج الجزائر من الحرب الأهلية الناتجة عن العشرية السوداء) إلى 2016، فيما تمتد الحقبة الثانية من 2016 إلى إزاحة بوتفليقة عام 2019، والحقبة الثالثة تبدأ منذ انتخاب عبد المجيد تبون في دجنبر 2019 إلى اليوم:

 

الحقبة الأولى: تميزت بتحول في التعامل العدائي للجزائر مع المغرب، إذ ما أن استتب الأمر لبوتفليقة بعد انتخابه في أول عهدة رئاسية عام 1999، حتى سارع عام 2001 إلى سحب ملف الصحراء من وزارة الخارجية بعدم جعلها المدبر المباشر حتى لا تكون وجها لوجه مع المغرب، وقام بوتفليقة بتسليم الملف لمكاتب محاماة دولية ومكاتب دراسات وإلى لوبيات قوية في أمريكا وأوروبا بناء على كناش تحملات يضبط التزامات هذه المكاتب واللوبيات مقابل عمولات مالية جد ضخمة تتلقاها من الجزائر.

 

هذه الخطة سمحت للجزائر بأن تضمن تعبئة لعدة منظمات وهيئات دولية تلتقي كلها حول أن المغرب هو أسوأ من «كوريا الشمالية» ومن «الجزائر» في مجال حقوق الإنسان! عبر تقنية تضخيم الأحداث والأرقام بغاية واحدة: ألا وهي دفع الأمم المتحدة لاعتماد توصية تقضي بتوسيع صلاحيات المينورسو لتشمل أيضا مراقبة حقوق الإنسان بالصحراء، هذا الهدف كادت الجزائر أن تحققه عام 2013 في عهد الرئيس الأمريكي أوباما، لولا التدخل الملكي والمباحثات التي أجراها محمد السادس مع نظيره الأمريكي أفضت إلى سحب مسودة المشروع من مجلس الأمن.

 

الحقبة الثانية: ابتدأت بعد حل جهاز الاستخبارات العسكرية بالجزائر (DRS) في يناير 2016 وإبعاد الجينرال توفيق وأوتاده عن «كعكة البترول». إذ بادر محيط بوتفليقة، الرئيس السابق للجزائر، إلى تبنى استراتيجية أخرى تروم استمالة كبريات الشركات الأمريكية في صفقات خيالية في حقول النفط والغاز بغاية التمهيد لدخول أروقة صناع القرار بالبيت الأبيض والكونغريس، بالنظر إلى أن الشركات الكبرى هي التي تمول -في جزء كبير- الحملات الانتخابية الأمريكية، فإذا ضمنت الجزائر ود الشركات الأمريكية ضمنت بالتالي ود السياسيين الذين تمولهم هذه الشركات!

 

بالموازاة مع ذلك عملت الجزائر على إعادة انتشار عملائها من البوليساريو في أوروبا الغربية والشرقية لتحقيق تصدع في الجبهة المغربية بفرنسا من جهة ولاستمالة النخب السياسية والإعلامية بألمانيا (حين كان هورست كولرآنئذ مبعوثا للأمين العام الخاص بالصحراء) من جهة ثانية، وتحقيق اختراق في دول البلقان وأوروبا الشرقية من جهة ثالثة.

 

الحقبة الثالثة: تبدأ هذه الحقبة مع تنصيب عبد المجيد تبون كرئيس جزائري جديد يوم 19 دجنبر 2019، هذا الأخير حرص على مركزة الخطاب في حفل التنصيب على المغرب معتبرا إياه "بلدا عدوا" للجزائر! وصرح  تبون في ذات الخطاب أن "قضية الصحراء هي قضية تصفية استعمار"! ويعود هذه الموقف إلى أجواء الاحتقان الشديد بالجزائر بسبب الحراك الشعبي الذي دام لأزيد من سنة، وما زال الشارع الجزائري يغلي بالحراك إلى يومنا هذا، وهو ما يفسر لجوء الرئيس تبون إلى التنفيس عن الخيبة التي تطوق أعناق العسكر الجزائري بالبحث عن مشجب خارجي يصدر إليه أزمة الجزائر الداخلية.

 

هذه المواقف العدائية ستتجدد مع تعيين الجنيرال سعيد شنقريحة في منصب قائد أركان الجيش الجزائري خلفا لقايد صالح الذي مات في ظروف ملتبسة. إذ أن شنقريحة يوصف بكونه العدو رقم واحد ضد المغرب في هرم الجيش الجزائري، علما أن شنقريحة يتلذذ في كل منتدى بترديد لازمة مفادها أن الصحراء " ليست مغربية"! وبأنها "أراضي مغتصبة من دون وجه حق من قبل المغرب المحتل"! فضلا عن كون شنقريحة هو المشرف المباشر على التدريبات العسكرية لعناصر البوليساريو.

 

وهذا ما يفسر كيف أن الجزائر تتحرك  بكل ثقلها ضد المغرب في الآونة الأخيرة وتسخر كل مواردها المالية للتشويش على المغرب وتسعى لتأجيج وتسميم العلاقة  المتسممة أصلا منذ 45 سنة.