حميد النهري : ليس المهم هو تغريدة السفيرة الفرنسية ولكن المهم هو التداخل والغموض في مهام بنموسى

حميد النهري : ليس المهم هو تغريدة السفيرة الفرنسية ولكن المهم هو التداخل والغموض في مهام بنموسى الدكتور حميد النهري

ما زالت تغريدة سفيرة فرنسا بالرباط حول تقرير شكيب بنموسى بخصوص النموذج التنموي بالمغرب تثير الجدل.

وفي هذا الإطار أجرت "أنفاس بريس" الحوار التالي مع الدكتور حميد النهري، أستاذ ورئيس شعبة القانون العام بكلية الحقوق بطنجة.

 

ما رأيك في النقاشات التي خلفتها تغريدة سفيرة فرنسا المعتمدة بالمغرب حول اطلاعها على تقرير مرحلي عن لجنة النموذج التنموي بالمغرب؟

 

أولا، لست متفقا مع هذه التغريدة التي تفتقد إلى الأدبيات الدبلوماسية المتعارف عليها من ناحية مضمونها، فالموضوع يتعلق أساسا بشأن داخلي كيفما كان الأمر يبقى غير مسموح لشخصية من دولة أجنبية التدخل فيه. ومن ناحية الشكل فان الظرفية والطريقة التي روجت بها السفيرة الفرنسية الحدث إعلاميا لا تحترم أعراف العمل الدبلوماسي؛ فهي استعملت طريقة تغريدة ذهبت فيها إلى حد تقييم العمل معتبرة التقرير المرحلي الصادر عن لجنة النموذج التنموي بالمغرب الذي أطلعها عليه بنموسى يفتح آفاق جيدة جدًا في نظرها للاتفاق الاقتصادي الجديد. لذلك فهي راضية على رئيس اللجنة.

لكن مع ذلك أقول إن هذه التغريدة أخذت أكثر من حجمها وانتشارها كان في أغلب الأحيان بدون مضمون حتى أن البعض تعامل أكثر مع العنوان فقط. وهناك من وجدها فرصة مواتية للمطالبة بالإطاحة بنموسى على رأس لجنة النموذج التنموي؛ بل ذهب البعض إلى حد اقتراح أسماء لشخصيات يمكن أن تكون بديلة بنموسى على رأس اللجنة.

وفي نفس الوقت هناك من دافع عن بنموسى بكل الإمكانيات بل عمل على تقديمه كرجل المرحلة القادمة.

وفي نظري أن هذا النقاش متجاوز والمغاربة اليوم ليسوا في حاجة إليه، بقدر ما هم في حاجة إلى إستراتيجية آنية تضمن إلى حد ما الخروج بأقل الخسائر الممكنة جراء تداعيات جائحة كورونا الاقتصادية والاجتماعية.

 

من يتحمل المسؤولية إذن في ما وقع؟

أنا أقول يجب أن يكون نقاشنا مسؤولا وتحديد المسؤولية بطريقة رسمية في بنموسى يترأس لجنة ملكية - وللأسف- توضيح ذلك بمناسبة الحادثة زاد الأمر غموضا.

ونقول أن عليه أن يتحمل مسؤوليته بطريقة رسمية تحترم المنصب الذي هو فيه ويحترم المؤسسات الدستورية وعليه في الأيام القادمة أن يقدم توضيحا مفصلا حول هذا الأمر .

 

ما هي تداعيات الواقعة على مستوى عمل لجنة النموذج التنموي؟

بطبيعة الحال النقاش حول عمل اللجنة كان دائما موجودا؛ ولكن بشكل محتشم حتى الانتقادات غالبا ما اعتمدت على بعض الشعارات التي أصبحت متجاوزة من قبيل "السيادة الوطنية نموذج تنموي مغربي والمغاربة".

واليوم نحتاج إلى نقاش واضح وعملي خصوصا ما بعد جائحة كورونا. و لن أخفي عليك أنني لم أتفاجأ من تصرف بنموسى. فلا يعقل أن الرجل لا زال يشغل منصب سفير المغرب في فرنسا ونحن نعلم حجم هذه المسؤولية وما يتطلبه الأمر من مجهودات دبلوماسية كبيرة خصوصا في ظل تأزم العلاقة الفرنسية المغربية في الشهور الأخيرة.

وفي نفس الوقت نجد أن الرجل يتحمل مسؤولية رئاسة لجنة النموذج التنموي الجديد والذي أصبح من المطلوب إدخال العديد من التغييرات على منهجية انجاز هذا النموذج وذلك باستعمال مقاربات جديدة تأخذ بعين الاعتبار تداعيات أزمة كورونا.

إذن فهذا التداخل والغموض في المهام هو الذي يجب أن يناقش وبشكل واضح وبدون لغة الخشب ؛ومعنى آخر أن على الدولة أن تتخذ قرارا مستعجلا وإن تكلف بنموسى بمهمة واحدة حتى لا يكون هناك تداخل في المهام.

 

إلى أي حد يمكن أن يعتبر ما حدث مسا بالسيادة الوطنية ؟

في الحقيقة اطلعت على ذلك من خلال بعض التصريحات على أساس أن بنموسى يتحمل مسؤولية رئاسة لجنة النموذج التنموي الخاص بالمغاربة.

لكن لا بد أن نستحضر معطى حقيقي هو أن سياستنا العمومية دائما تخضع للتأثيرات الخارجية. والأمثلة عديدة نذكر منها على سبيل المثال موقف السفير الأمريكي بالمغرب قبيل الانتخابات التشريعية الأخيرة؛ وموقف مرشحة الانتخابات الرئاسية آنذاك هيلاري كلينتون، والتي صرحت بدعمها رئاسة ثانية لحزب العدالة والتنمية في حال فوزه بالانتخابات في المملكة، بل أكدت على أن هذا الدعم مثابر ومستمر لتمكين العناصر المعتدلة وتهميش المتطرفين.

وبالنسبة لفرنسا يكفي أن نعطي مثالا عن استثمارات شركة رونو بالمغرب التي أصبحت مهددة اليوم نتيجة تلويح السياسة العمومية الفرنسية بإعادة استثمارات رونو من المغرب إلى فرنسا كإجراء لمواجهة الأزمة.

نفس الأمر يظهر عندما استجابت الحكومة للمفوّض الأوروبي للشؤون الاقتصادية والماليّة و الضريبة والجمارك، بيار موسكوفيتشي الذي قدم أوامر خلال مشاركته في المناظرة الوطنية للجبايات ماي 2019 بضرورة تراجع الحكومة عن الامتيازات التي منحت للتصدير والمناطق الحرة للتصدير والمنطقة المالية بالدار البيضاء،بحيث أن المغرب كان قد نفذ سياسة ضريبية فرضت عليه من الاتحاد الأوروبي وعندما انتهت المهمة جاءت نفس الدول وطالبت بضرورة التراجع عنها وكانت الاستجابة فورية من خلال قانون المالية 2020.

إذن نحن نضبط لأوامر وتوصيات دول أخرى في سياساتنا العمومية؛ بل لا أحد ينفي تأطير ميزانيتنا السنوية من طرف المذكرة السنوية لصندوق النقد الدولي.

والنموذج التنموي لا يخرج عن هذا السياق ولا بد أن يأخذ بعين الاعتبار هذه التأثيرات والسيد بنموسى بصراحة يشكل جزءا منها سواء الداخلية أو الخارجية.

 

أمام هذا الوضع ما هو المطلوب، حاليا، في نظرك من طرف لجنة النموذج التنموي ؟

المطلوب اليوم وبكل صراحة إعادة طرح سؤال حول منهجية انجاز هذا النموذج التنموي البديل؛ فمن الوهلة الأولى فتعيين لجنة النموذج التنموي اعتبرت سحبا للبساط من تحت أقدام الفاعلين السياسيين؛ وبذلك في نظري تم استبعاد فكرة تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

كما أننا اليوم أمام مرحلة جديدة تقتضي القطع مع الممارسات السابقة وطرح تساؤلات واضحة وعملية؛ هل فعلا هذه اللجنة قادرة على استيعاب دروس أزمة كورونا والاستجابة لمتطلبات المرحلة أولوياتها الجديدة أي الصحة التعليم العيش الكريم؟

اقصد بسؤالي هذا أن النقاش يتجاوز تصرف بنموسى وأخباره لمضمون النموذج التنموي سفيرة فرنسا، في النقاش أعمق بكثير لان هناك كثرة التكهنات والتصورات المتوقعة لما بعد أزمة كورونا بطبيعة الحال لا يجب أن نشكك في وطنية أي طرف، لكن لا يجب استغباءنا وجرنا إلى نقاشات هامشية!؟

فاليوم هناك ضغوطات كبيرة من طرف جماعات معينة تريد الاستفادة من الوضع وان توجه سياستنا العمومية لمصلحتها بما فيها طبعا النموذج التنموي وذلك بالبحث لنفسها عن موقع مريح في خريطة الترتيبات المرتقبة.

وهذه الجماعات ممثلة على المستوى الداخلي في اللوبيات القوية وهي أكثر خطورة في نظري وعلى المستوى الخارجي ممثلة في الاتحاد الأوروبي والمؤسسات المالية الدولية.

وأخاف أن يدفعوننا كما هو الشأن دائما إلى تفويت الفرصة هذا هو النقاش الحقيقي الذي يجب أن ينصب عليه اهتمامنا فلا داعي لتغطية الشمس بالغربال.

فالمغاربة اليوم تواقون غالى جعل جائحة كورونا مرحلة مفصلية في سياستنا العمومية وليست فقط مرحلة ندعها تمر بين قوسين،ونعود إلى نفس الممارسات.