اعتقد انه لابد من تسجيل نقطة نظام، في ظل ما تعرفه الوضعية الحقوقية العالمية من تنامي مظاهر العنصرية و أسلوب التشهير والتعصب للرأي والكراهية..،منطلقها أن مسيرة الإنسانية نحو تجسيد أفضل لقيم حقوق الإنسان في واقع العالم اليوم، باكراهاته ومستجداته ومتغيراته، لن تحقق أهدافها إلا بحماية المكتسبات، وتعزيز المجهود الجماعي للرفع من نجاعة وفعالية الحركة الحقوقية، في مجال مكافحة الإفلات من العقاب وإرساء القيم الكونية لمبادئ حقوق الإنسان والعدالة.
لعل أهم هذه المكتسبات هو أن حركة حقوق الإنسان أضحت تحتل مكانة مهمة في الثقافة المجتمعية للعالم اجمع، بسعيها إلى الوقوف في الصف المجتمعي ضد الدولتي، لضمان احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية،وبث قيم معنوية وسلوكية، تجعل من عملها فضاء قانونيا ذو مرجعية أخلاقية وسياسية ،محلية وعالمية .
على هذا الأساس جعلت ،الحركة الحقوقية العالمية ،طيلة هذه المسيرة الإنسانية ،مدخل الكونية ،نقطة التقاء المنتظم الدولي على القيم الأساسية لمنظومة حقوق الإنسان.
فإذا كانت حقوق الإنسان قد عرفت تحولا نوعيا بتدويلها الذي انطلق مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 والعهدين الدوليين لسنة 1966 والذي تمثلت أبعاده في نشأة القانون الدولي لحقوق الإنسان ،فان سقوط جدار برلين وما تبعه أدى إلى حدوث تحولات على المستوى الدولي ،حيث أصبحت السمة السمة البارزة في المنظومة الدولية ،هي أن الدولة لم تعد هي الفاعل الوحيد في السياسات الدولية الواعية وغير الواعية لتقرير مصير العالم ،بل إن المسار الذي سيعرفه تدويل حقوق الإنسان سيفسح المجال لتطورها بتخليصها من الطابع الأيديولوجي الذي ارتبطت به والتعامل مع الإنسان كشخص للقانون الدولي ،حيث القانون الدولي لحقوق الإنسان يتعالى على الدول ليتعامل مع الكائن الإنساني أي مع الشخص.فأضحى الالتزام الدولي المتعلق بحماية حقوق الإنسان يأخذ طابع الالتزام السامي Orga ommes الذي تتحمل فيه الدولة مسؤولية دولية أمام الجماعة الدولية في مجملها.
وفي ظل ازدياد الحاجة والشعور لتأكيد احترام حقوق الإنسان واتساع نطاق العاملين والمهتمين به ، أصبحت الحركة الحقوقية مطالبة بالترافع من اجل وضع حد للتمييز بين أجيال حقوق الإنسان ،وتوفير الشروط لكي تكون جميع حقوق الإنسان عالمية وغير قابلة للتجزئة ومترابطة ومتشابكة على مستوى الممارسة الفعلية ،وذلك من خلال الآليات التالية :
على المستوى الدولي :
حان الوقت للترافع من اجل التزام الدول بتحقيق نتيجة إلى جانب الالتزام ببذل عناية في ممارساتها المتعلقة بتعزيز الاحترام للحقوق والحريات المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بما يخدم ويغني مسار حقوق الإنسان كثقافة كونية.
كما حان الوقت لتجاوز نظرية ثنائية القانون ،التي تفيد بكون القانون الداخلي والقانون الدولي نظامان قانونيان متساويان ومنفصلان ومستقلان ،لاعتماد نظرية وحدة القانون ،التي تتيح إمكانية دمج كل اتفاق أو معاهدة دولية في المنظومة التشريعية الداخلية دون اتخاذ أية إجراءات خاصة،بالشكل الذي يسهم في تغليب القواعد الدولية بصفتها تكتسي سموا تراتبيا وهرميا ،واضحا ومحسوما،على القواعد الداخلية.
على المستوى الوطني :
الأكيد أن مسالة تطور حقوق الإنسان بالمغرب ترتبط غالبا بتبادل التأثير والتأثر بين رسم السياسات الداخلية والخارجية.
ومما لاشك فيه أن إشكالات الممارسة العملية المرتبطة بقضايا حقوق الإنسان في المغرب تتنازعها الرهانات المختلفة للفاعلين ،الدولة الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والمنظمات الحقوقية ،مند عدة عقود ،حسب التوازنات ،على مستوى مختلف الحقول،لكن اليوم أصبح الأمر يقتضي إخراج قضايا حقوق الإنسان من إطار السياسة السياسوية إلى فضاء التنزيل الإجرائي.
لقد أتبث الفضاء السياسي عدم قدرته على مجابهة التحديات المطروحة في مجموعة من السياسات المرتبط بقضايا حقوق الإنسان كالتعددية والمساواة ومكافحة الإفلات من العقاب ...
لذلك وجب الاشتغال على تطوير آليات وأشكال المرافعة من خلال البحث حول كيفيات وتقنيات ومناهج استيعاب وتحويل حقوق الإنسان من دائرة المعايير الدولية المعتمدة في مجال حقوق الإنسان إلى مستوى سياسة عامة إجرائية وطنية .
إسماعيل بلكبير، ناشط حقوقي