البشير الدخيل يفكك انقلاب اللجنة التنفيذية للبوليساريو على الولي مصطفى السيد

البشير الدخيل يفكك انقلاب اللجنة التنفيذية للبوليساريو على الولي مصطفى السيد البشير الدخيل
لن أعيد نقل التفاصيل التي بات يعرفها الجميع، والمتعلقة بانقلاب اللجنة التنفيذية على الولي مصطفى السيد، بعد تظافر عديد الشهادات التاريخية في الفترة الأخيرة لمجموعة من شهود العيان حول تلك الحقبة المظلمة من تاريخ البوليساريو، والتي تدحض جميعها الرواية الرسمية التي لطالما روجت لها الجبهة، كما تفضح التزوير المفضوح الذي طال التاريخ المحلي على يد قيادتها المتورطة في مختلف أشكال الانتهاكات والتجاوزات...
لكن ما سأركز عليه هو الأهمية البالغة التي تحظى بها شهادة البشير الدخيل بالنظر إلى موقعه كمؤسس وكرئيس للجنة العسكرية آنذاك، والوضع الاعتباري الذي كان يحظى به في تلك الفترة، كونه قائد الحركة التصحيحية التي أعادت الولي مصطفى إلى زعامة الجبهة بعد أن غدر به رفاقه في اللجنة التنفيذية بقيادة محمد لمين أحمد وبقية عناصر المجموعة القيادية الضيقة الأخرى التي لا تزال تتحكم في كل مفاصل الجبهة إلى يوم الناس هذا.
في ما يشبه مؤتمر مصالحة شعبية كان الغائب الأبرز فيه هو قيادة الجبهة، العشرات من النشطاء الصحراويين من مختلف التوجهات والمواقع يلتئمون عبر تطبيقات الاتصال، بعد أن فرقت بينهم السبل والانتماءات السياسية، يجتمعون لاستضافة القيادي السابق في البوليساريو ورئيس لجنتها العسكرية المنبثقة عن مؤتمرها الثاني المنعقد سنة 1974 البشير ولد الدخيل، للحديث عن فترة تأسيس الجبهة، والأحداث التاريخية الهامة التي أعقبتها، خاصة ما يتعلق بواقعتي الانقلاب الذي دشنه عناصر اللجنة التنفيذية والتصحيح الثوري الذي قاده هو شخصيا، إلى جانب الأحداث اللاحقة وفي مقدمتها حملة الانتقام الواسعة التي دشنتها قيادة البوليساريو لاحقا في حق عناصر اللجنة العسكرية، بمبرر محاولة اغتيال مزعومة كانت ستطال الولي مصطفى السيد بحسب زعم عناصر اللجنة التنفيذية، ثم ملابسات وفاة الولي مصطفى...
فما ميز شهادة ولد الدخيل من بين الجوانب الهامة التي احتوتها مداخلاته، ليس سرده المفصل للأحداث المتعلقة بتلك الحقبة المفصلية في التاريخ المحلي فحسب، وإنما تشخيصه لمكامن الخليل والانحراف في تجربة البوليساريو الذي بدأ منذ الوهلة الأولى بعيد التأسيس، ففضلا عن الظروف السياسية الموضوعية التي أفرزت مختلف التجاوزات المسجلة، من قفز على الشرعيات التاريخية والسياسية القائمة، إلى التدخل الخارجي لـ"الحليف" في الشأن الصحراوي وأهدافه وانعكاساته الخطيرة على الجبهة الداخلية للبوليساريو، فضلا عن تداعيات تلك التجاوزات على التوازنات المجتمعية وعلى السلم الأهلي، وليس انتهاء عند انحرافات قيمية ومفاهيمية ركز ولد الدخيل عليها مليا في شهادته.
المتحدث أعاد النقاش في شهادته إلى المربع الأول، مربع القيم والمفاهيم، فتناول قيم المواطنة وحقوق الإنسان... إلى جانب مفاهيم من قبيل الديمقراطية، الحرية، تقرير المصير... وغيرها، فالأهم في شهادته أنه أسس لمفهوم المصالحة بإعلانه عن صفحه عن قيادة الجبهة رغم جسامة ما لحقه من انتهاكات، رفض حتى الخوض في تفاصيلها، نافيا أن تكون شهادته مجرد رد فعل أو انتقام من القيادة، لكنه سلط الضوء على جوانب نفسية عديدة تتعلق بالشخصيات القيادية المتورطة في اختطاف البوليساريو وتوظيف سلطتها بهدف الانتقام وتكريس الأجندات القبلية والمناطقية التي راح ضحيتها أبناء الإقليم بالدرجة الأولى.
فولد الدخيل إذن يربط كل الانحرافات والتجاوزات المسجلة في تجربة البوليساريو بانفراد مجموعة قليلة قادمة من خارج الإقليم وتهميش الفاعلين المحليين، ثم القفز على الشرعيات التاريخية والبنيات الاجتماعية القائمة آنذاك وفي مقدتمها مؤسسات الشيوخ وبقية الفرقاء السياسيين، لكنه يحذر من تداعيات التسلط الذي مارسته الجبهة على المجتمع والذي لا يقف عن حدود الواقع السياسي القائم، بل يهدد مصير المجتمع المحلي الذي بات عرضة للضياع والشتات والاندثار بحسب ولد الدخيل...
احتفاء كبير لاقته شهادة ولد الدخيل، حيث لا يزال تداولها مستمرا طوال الأيام الماضية، ما سيساهم في تكريس الحوار المجتمعي المفتوح في الأوساط المجتمعية المحلية، بمساهمة العديد من النشطاء المعروفين والمنتمين لمختلف التوجهات السياسية، الأمر الذي سيؤسس لتحقيق مصالحة شعبية حقيقية تنصف ضحايا الانتهاكات الجسيمة المرتكبة من طرف البوليساريو، بعد تنكر قيادة الجبهة المتورطة في تلك الانتهاكات لهم...، حتى بات المجتمع ومن خلال الحوار الشعبي المفتوح يأخذ بزمام المبادرة ويعيد كتابة التاريخ، ينصف الضحايا، ويحاكم الجلادين على رؤوس الأشهاد رغم ما يستحوذون عليه من سلطة وإمكانيات عمومية لطالما سخروها لطمس الحقائق وتلميع صورهم، وتزيف التاريخ المحلي...
كونوا_أحرارا..