إدريس المغلشي: هذا ما نعيشه مع حكومة ضاع منها رسم الولادة منذ 2016

إدريس المغلشي: هذا ما نعيشه مع حكومة ضاع منها رسم الولادة منذ 2016 إدريس المغلشي

كم تغلب علينا مشاعر الاعتزاز لدرجة تصبح في لحظة غادرة مخدرة تأخذنا إلى شط النسيان أو ترمينا في درج الإهمال. ما نعيشه مع هذه الحكومة التي ضاع منها رسم الولادة منذ 2016 وبقيت مرهونة نصف سنة أو يزيد في مرحلة بلوكاج بئيسة تنم عن عقلية انتهازية وسياسوية لا هم لها سوى مصالحها الضيقة على حساب مصلحة الوطن. لقد عشنا مرحلة بياض لم نعد نسمع فيها تصريحا لوزير، حتى خلنا أنفسنا أننا في كوكب آخر معزول بلا مسؤولين، وخلصنا إلى حقيقة مرة، أن كل العمليات التي يروج لها وتدعي زورا وبهتانا أنها آليات انتخابية شفافة لتشكيل حكومة وما واكبها من ميزانيات وأموال ذهبت أدراج الرياح، خلصت في النهاية أننا لم نجن من ورائها سوى السراب. لقد بدت وهي يطاردها النحس أنها غير مستقرة فزاد عددها ونقص وخضعت لمنطق "لوزيعة" فتنازعوا أطرافها لتصير أشلاء متناثرة، هيكلا خربا غابت فيه الصورة الأولى وساده الغموض.

 

في ظل هذه الأوضاع كثير من البراحين يتطالون هنا وهناك ليركبوا على منجز عادي فيضخموه وكأنه خارق موزعين الأدوار بينهم لترويج بضاعة كاسدة. فتغيب الحقيقة وتشرد النزاهة ويكثر التطبيل. من بين الأمثلة التي نسوقها في مثل هذه الوضعيات ما نعيشه منذ زمن كورونا مع سعادة وزير التربية الوطنية الذي بدا في كل مرحلة وكأنه يحقق فتوحات منذ بداية الأزمة. لقد استبشرنا خيرا حين انبرى في البرلمان يلقي خطبته العصماء بصوت جهوري غير متلعثم، مسلحا بسيناريوهات في حقيقة الأمر هي تعبير عن تدبير مقطع مهم من الأزمة، وليس وصفة كما يدعي البعض الكفيلة بحل كل الإشكال. إنها مسكن مرحلي لاشك أنه لن يعالج الأورام الخبيثة التي سكنت جسد المنظومة. ومن الحماقة أن نطلب منه الحل الجذري والشمولي. لكن من الواجب عليه أن يكون صريحا مع الشعب وأن يقدم الحقائق كما هي. لا أن يرسم قصورا في الرمال بكلمات تدغدغ العواطف. وكان حريا به على الأقل أن يقوم بعملية تقييم التعليم عن بعد ليعزز قرار أنه لا يشكل بديلا للتعليم الحضوري؛ لكن هذه العملية لم تتم، غرق وزيرنا في الأرقام والنفخ فيها وتوزيع مصطلحات أحياها من قاموس ووثيقة يتيمة من مركز التجديد التربوي والتجريب فيما كان يسمى آنذاك مشروع جيني سنة 2006 والذي تبخرت معه ميزانية مهمة ضيعت علينا فرصا عديدة..

 

ما يثير الاستغراب في اللحظة الأخيرة أن جائحة كورونا عرت واقعا وقحا لا تستوعبه الوقائع ولا تستسيغه المقاربات. الوزير يصرح في إحدى حواراته مادام مغرما ومن الرواد والمعجبين حد الثمالة بالصور والديكور، وكما نقول نحن في مثل هذه المناسبات "التبندير الخاوي" حتى فاقت خرجاته وتصريحاته وصوره عدد الإجراءات؛ حيث أعلن أن لا سلطة له على المدارس الخصوصية إلا فيما يتعلق بالقانون 06.00.. وأظن أن السيد الوزير المحترم لو اطلع عليه، خصوصا في مادته 18 و19 الباب الرابع، لكان رده وقراره مغايرا؛ لكن التعتيم وتنميق الكلام يقتل الحقيقة، والتي بالمناسبة أصبحت تفصح عن الهوية الحقيقية وبطاقة تعريف هذه المؤسسات في تنكر غريب حتى لا تسقط في منطق الخسارة بمفهومها  التجاري.

 

نحن أيها السادة أمام مقاولة تجارية تبيع خدمة التعليم للعموم. لقد قلناها مرات عديدة، وكنا نرفع أصواتنا حتى بحت: "لا لتسليع التعليم ولا لخوصصته". دون أن نتلقى جوابا أو تفاعلا، بل إلى عهد قريب كان البعض يتهمنا بادعائه دون سند ولا حجة أننا مجرد غوغائيون، والآن أصبحت الاعترافات تفصح عن واقع مر بدون روتوشات. الوزير في شطحته الأخيرة انتقل بقدرة قادر من مسؤول يمتلك قرار إلى وسيط يحمل رسائل بدون ضمانات بين الطرفين، تاركا الآباء وأبنائهم إلى مصير مجهول.

 

في ماذا تفيدك هذه التحركات يا سيادة الوزير؟

 

إنها شطحات فقط. فاقدة لجرأة القرار، تراهن على عامل الوقت وهو رهان خاسر.