وحيد مبارك: الفقيد المجاهد عبد الرحمان اليوسفي والوصيّة بالمرأة

وحيد مبارك:  الفقيد المجاهد عبد الرحمان اليوسفي والوصيّة بالمرأة وحيد مبارك
بعد قبول استقالته من طرف المكتب السياسي، في وقت سابق وزمن مضى سنة 2003، ومغادرته لعالم السياسة، بكل ترفع وحكمة وتبصر ونضج، لم أستطع منع نفسي من مقابلة سي عبد الرحمان، لأنني لم أتصور إمكانية عدم لقاء هذا الهرم الشامخ مرة أخرى في أروقة الحياة الداخلية لحزبنا، وأنا الذي كنت أتمتع بالاستماع إليه ومتابعة تفاعله مع جملة من القضايا، وكغيري من شبيبة حزبنا كنا نجد في كل موقف درسا وفي كل كلمة عبرة.
انتقلت في ذلك اليوم رفقة عدد من الأصدقاء في درب النضال والإنسانية، لأنه لا بد من أن يجتمعا معا فلا يستقيم الأول بعيدا عن الثانية، بعد أن اتصلت بهم واحدا واحدا وأخبرتهم بما أعتزم عليه فوجدتهم على استعداد تام، من أجل لقاء المجاهد سي عبد الرحمان، رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته، إلى الفيلا البسيطة والمتواضعة قرب تقاطع الزيراوي وشارع الزرقطوني، ظنا منا أننا سنجده هناك، وبعد إجراء اتصال هاتفي تبيّن لنا أن الرجل يتواجد في شقته المتواضعة قرب "الفيلودروم" فغيرنا الوجهة نحوها.
هناك، وجدنا الرجل واقفا بكل بساطة، بعيدا عن أية بروتكولات أو قيود، قد يكون لها صلة بكونه كان وزيرا أولا وقائدا للحكومة في فترة من الفترات، وجدناه عند باب شقته، في انتظارنا. بادلنا الزعيم والقائد التحية بأحسن منها والابتسامة تعلو محياه، والأمل باد في عينيه، فقد كان للزيارة أثرها الإيجابي، إنسانيا كما أسلفت ونضاليا. 
جلسنا على أرائك في الصالون، وشرعنا في تبادل أطراف الحديث، تكلمنا في الاستقالة، في المكتب السياسي، في الحزب، في الجريدة وتفاصيلها، في المغرب، في السياسة وفي المستقبل. كانت جلسة ممتعة ومشوّقة، لم ننتبه إلى ساعاتها ومدّتها الزمنية، لأننا كما ننتقل من موضوع إلى آخر بشكل سلس يغري بمزيد من الحديث، ونحن نطرح الأسئلة، ونحن نبحث عن معرفة أكثر فأكثر.
كنت برفقة الأعزاء إلهام فاخوري، نجاة الحافظي، عزالدين زهير، عبد الواحد الوز ويوسف اليوفي، وكان البعض الآخر قد تعذر عليه الحضور لأن الزيارة كانت مفاجئة في توقيتها، كان كل واحد من هؤلاء الإخوة يطرح سؤالا، فكرة، ينبش في قضية من القضايا، وكانت سعة صدر القائد المجاهد، رحمة الله عليه، كبيرة وواضحة.
جلسة وجولة في عدد من القضايا، كنا نمر عليها بكل سلاسة، باستثناء أمرين اثنين، كانت لهما خصوصيتهما، سأتركهما لوقت لاحق، وسأكتفي اليوم بالوصية التي ألحّ عليها سي عبد الرحمان رحمه الله، والمتعلقة بالمرأة، التي أكد أنه يجب أن تولى المكانة التي تستحقها، وأن نناضل من أجل مجتمع تتساوى فيه المرأة بالرجل، وألا تظل تعيش "الغبن" في عدد من القضايا، ولم يخف أمله وأمنيته في أن ينعقد المؤتمر في الثامن من مارس.
المرأة أولا، المرأة ثانيا، والمرأة أخيرا، هي وصية سي عبد الرحمان، منذ ذلك الوقت لكل الاتحاديات والاتحاديين، أرادها أن تصل إلى الجميع، وأن يجعلوا النضال لأجلها نصب أعينهم، وأن يكون الاتحاد كما كان دائما رائدا في الدفاع عن القضايا العادلة وضمنها قضية المرأة، أراد مؤتمرا حزبيا في هذه المناسبة بحمولاتها ودلالاتها، وأراد للمرأة المغربية الكرامة والعدالة وأن تكون متساوية في الحقوق مع الرجل.
غادرنا منزل سي عبد الرحمان خلال ذلك اليوم، بعد أخذ صور تذكارية، والابتسامة تطبع محيّانا جميعا، وكلنا فخر واعتزاز بمعرفتنا بالرجل وقدرتنا على مجالسته ومحاورته، لم تكن الجلسة الأولى ولا الأخيرة، فقد تلتها جلسات أخرى في مناسبات مختلفة، في نفس الشقة، وفي كل لقاء كنا نتزوّد منه كالظمآن الذي يقبل على بئر ماء، بئر لا ينضب إنسانية، خلقا، نضالا، عطاء، فكرا .... إلى أن صُدمت وفُجعت اليوم، كما فُجع معي الكثير من الاتحاديات والاتحاديين، والمناضلات والمناضلين، والوطنيات والوطنيين، من داخل أسرة الاتحاد الاشتراكي وخارجها، لأن الفقيد المجاهد كان رجلا للجميع، كان فردا لكن متعددا، بخبر رحيله.
خبر كان مؤلما، وإن كان وضع المجاهد عبد الرحمان اليوسفي خلال الأيام الفارطة صعبا، وأنا الذي كنت أتتبعه في صمت، بعيدا عن التعاليق والصور، فأنا لم أكتب حرفا، لأنني كنت وجلا، وخائفا على هذا الرجل، الذي هو كنز وطني لبلادنا وللعالم، وكنت أمنّي النفس بأن يتجاوز هذه المحنة كما تجاوزها سابقا، لكن مشيئة الله كانت أقوى، واختارت أن تلحقه بالرفيق الأعلى، إلى جنة الخلد بإذن الله.
وداعا سي عبد الرحمان، ستظل في قلوبنا، في وجداننا، وفي فكرنا إلى الأبد ... وليرزق الله رفيقة دربك وكل أحبابك، عظيم الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.