إنه زمن السرعة الفائقة في تداول المعلومة، أخبار في صور ومقاطع صوتية وفيديوهات مختصرة، الكل يحب التصفح والبحث عن الأخبار شريطة أن لا تكون طويلة في مقالات تقليدية كلاسيكية فيها الركاكة والحشو في الكلام... نعيش عصر "خير الكلام ما قل ودل".
منذ بداية السنة الجارية، ومع بروز فيروس "كورونا" في الصين، وقبل وصوله إلى بلدنا العزيز، ونحن نتابع الأخبار عن كثب حتى وقع ما وقع وأصبحنا من الدول الموبوءة، اللهم ارفع عنا الوباء عاجلا. ما أريد بسط الحديث فيه ليس موضوع "كورونا" آو الحالة الوبائية في المغرب، فهذه الأخبار متداولة كل دقيقة، بل أريد التكلم عن مشروع قانون خطير كان سيتم تمريره هو مشروع قانون 20.22.
مشروع قانون 20.22 سُحب إن صح القول مؤقتا تحت ضغط هيئات المجتمع المدني وأقلام صحفية حرة ومؤثري مواقع التواصل الاجتماعي حتى أحزاب سياسية استنكرت مضمون وفصول مشروع القانون واعتبرته ضرب للحريات العامة وحرية التعبير.
وزير العدل المحترم الذي قدم مشروع القانون 20.22 كانت صحيفة حزبه تظم رجال أحرار شهداء الكلمة، فتاريخ صحيفة حزب الاتحاد الاشتراكي، غني بتراكمات في مسار النضال والتضحيات عانى صحفيوها في سبيل القلم الحر التضييق والخناق، خير مثال مسار الصحفي عمر بن جلون. صيرورة حرية الرأي والتعبير في المغرب شاقة وطويلة فالكلمة الحرة وإيصال الحقيقة كلف الكثير، لأن الشخص الحر كيفما كان صحفيا أو ناشطا عاديا لا يقبل منطق تكميم الأفواه.
لكن هناك فئة في المجتمع المغربي مع مشروع قانون 20.22 خاصة الأشخاص الذين لديهم تجربة...
ما المقصود بالتجربة؟
المقصود، انه في العشر السنوات الأخيرة مع سرعة عالم التكنولوجيا والهاتف والأنترنيت... نُشرت أكاذيب حول نساء ورجال وشباب، تم المس بأعراض ناس كان آخر همهم هو مواقع التواصل الاجتماعي، السب والشتم وتصوير فيديوهات وأماكن بغير حق، التنمر الإلكتروني وكتابة إشاعة غير حقيقية حول شخص ما فقط لتصفية حسابات، النماذج كثيرة لكن بدون أدنى غطاء قانوني ومسطرة واضحة من أجل الإثبات والمتابعة.
هنا لا أقصد ما وقع قبل حوالي سنتين في حملة مقاطعة بعض المنتجات التي خلقت ضجة كبيرة في المغرب -فقد برزت هذه القضية في احد فصول مشروع قانون 20.22-، فهو حق مكفول لأي شخص آن يبدي الرأي حول منتج ما أو مقاطعته وفق للمعقول وبدون تعسف وفوضى، ومن تجرَأ ونشر مواقف ليس لديها معنى أو تمس بأشخاص ومؤسسات كذبا وبهتانا، فهنا تكون لدينا حجة من أجل متابعة قانونية شفافة ومكفولة.
ما أقصد ناس عاديون، مثال على ذلك نشر فيديوهات لنساء يرقصون في عرس، يتم التشهير بهم وسبهم بل تصنيفهم في خانة (العاهرات)... هذا غير مقبول نهائيا ويجب الضرب عليه بيد من حديد، أو كمثال أخر استغلال Platform في تمرير أفكار ودعاية معادية لشركة أو مؤسسة ما فقط لأنه وقع بينه هو شخصيا والمؤسسة خلاف أو سوء فهم، فما يقوم به الشخص هو تسخير كل ما يملك من حسابات لترويج أو استعمال بروباغندا موجهة لوصف تلك المؤسسة بأقبح الصفات وبشكل علني عبر الفيديوهات والصور هذا دون الاستماع إلى الطرفين، فالعقول الصغيرة سامحها الله تستمع وتشاهد وتأخذ موقف بدون وجه حق وسط غيمة من الكذب يتم التحجج بها بدون تمحيص للوقائع... فمن مر من هذه التجارب المؤلمة ربما يتفق مع مشروع القانون الذي يقال إنه سيكون حماية لنا ضد ما يسمى بالتنمر الالكتروني كما سلف الذكر.
حرية الرأي خط أحمر ولا يمكن المساس بها أو استغلال ظرفية الحجر الصحي و"كورونا" من أجل تمرير قوانين تقيد وتقمع التفكير البشري، فالتراكمات والتاريخ الذي مرت منه المملكة المغربية حتى الوصول لهذا المستوى من حرية التعبير والكتابة وطرح المواضيع كيفما كانت لا في الحياة الواقعية أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو النقاش وفرز طابوهات، مؤلم وليس سهلا.. فقد كلفنا رجالا ونساء أحرارا، لا يمكن القدوم بين ليلة وضحاها -ونحن أحفاد شهداء حرية الرأي- أن نستغني على هذه المكتسبات، الأصح هو ربط الحرية بالمسئولية.