كمال السعيدي: التكنوقراط والسياسة.. هناك وهنا

كمال السعيدي: التكنوقراط والسياسة.. هناك وهنا كمال السعيدي

الأصل في الديمقراطيات أن تتشكل الحكومة من أحزاب على أساس تعاقد انتخابي مع المواطن الذي يملك (على الأقل بشكل دوري) حق محاسبتها على مدى احترامها التزاماتها ولبرنامجها الانتخابي.. الحكومة المشكلة من أطر تقترحها أحزاب مستقلة وتملك السلطة الفعلية لتنفيذ برنامجها هي ما يمكن تسميته بالحكومة السياسية.

 

الحكومة التكنوقراطية هي الحكومة المشكلة عادة من الخبراء المستقلين، الذين يعطون الأولوية للأمور التقنية في اتخاذ القرار سواء في التدبير أو في حل المشاكل، على حساب تطلعات العنصر البشري ولا يهتمون كثيرا بالرأي العام الذي لا يملك وسيلة لمحاسبتهم طالما أنهم لا يصلون إلى مواقع المسؤولية من خلال صناديق الاقتراع، وإنما من خلال نوع من الشرعية يكتسبونها بمستوى الشهادة أو الإنجاز التقني..

 

وهكذا يبدو أن هناك تقابلا أو تناقضا ربما بين مفهومي الديمقراطية والتكنوقراطية، حيث تصبح السياسة شأنا تقنيا محضا منوطا بالخبراء وليس بالسياسيين وممارسة منفلتة من المحاسبة الشعبية؛ لدرجة أن هناك من يربط بين التكنوقراطية كنهج وموت السياسة. ورغم ذلك نجد أنه حتى في الديمقراطيات يحدث أن تتم المناداة على الكفاءات وذوي الخبرات التقنية لتشكيل حكومات تكنوقراطية لتجاوز مرحلة أزمة أو للتخفيف من حدة وأثر بعض الضغوط التي قد تمارسها جهات أو مؤسسات دولية.. حدث هذا في السابق في إيطاليا وفي اليونان مثلا.

 

في بلادنا.. وأخذ بعين الاعتبار، لطبيعة النظام السياسي القائم، لا أتصور أن الاختلاف بين الحكومتين قد يأخذ نفس البعد الذي نجده في النظم الديمقراطية أو يثير نفس النقاش حول طبيعتهما ومهامهما...

 

هناك.. سواء كانت الحكومة سياسية أو تكنوقراطية، فهي تمسك بمقاليد السلطة الفعلية التي تمكنها من تنفيذ برامجها وتصوراتها تحت رقابة المؤسسات.. هناك الحديث عن المصلحة العامة له بعض المصداقية بالنظر لمستوى النضج الديمقراطي والحس المواطناتي.

 

هنا.. الحكومات مهما كانت طبيعتها، لا تملك مفاتيح القرار ولا برنامج خاص لها.. ولا علاقة لها ببرامج الأحزاب السياسية التي تنتهي مع الحملات الانتخابية.. هي مجرد أدوات لتنفيذ برنامج قار.. يتم تسطيره في مكان آخر.. الفرق ربما هو في القدرة على الإنجاز بشكل أفضل بالنسبة لحالة أو القدرة على التعبئة أو تمرير قرارات بدون كلفة كبيرة على من يرسم من الخلف معالم البرنامج الحقيقي بالنسبة للحالة الأخرى.

 

مما لا شك فيه أن الحاجة إلى الخبرة هي ضرورية دائما حتى في السياسة.. والحاجة إلى السياسيين ضرورية عندما يتعلق الأمر بممارسة السلطة والحكم حتى في أشد الأمور تقنية.. ولكن تبقى الحاجة إلى الديمقراطية هي أم الضرورات التي تجعل من المزاوجة بين الخبرة والسياسة شيئا خلاقا، مفيدا ويصب في المصلحة العامة للبلد ويساهم في استقراره ورفاهية الشعب بأكمله، والتي بدونها يصبح كل حديث عن الخبرة والسياسة مجرد آلية من بين آليات أخرى لتحقيق توازنات النظام أو للسماح السلطوية بمزيد من التغول...

 

- كمال السعيدي، قيادي بالحزب الاشتراكي الموحد