إن الأوبئة والأزمات تكشف معادن الناس، فبعضهم تعرض معدنه للصدأ بسرعة، في حين حافظ البعض منهم على معدنه النفيس وظل يقاوم في شموخ؛ ما يقال عن البشر يمكن عكسه على المؤسسات والقطاعات، فكورنا جعلتنا نختبر مدى هشاشة بنيانها أو قوته .
التعليم الخصوصي من القطاعات التي وجدت نفسها في زمن الكورونا أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، أيام بعد الحجر الصحي، عندما صدر بيان عن بعض ممثليهم يطلبون فيه دعما من صندوق كورونا، بمبرر تضررهم هم أيضا من الجائحة، فانهالت عليهم التعليقات والتدوينات بمواقع التواصل الاجتماعي باللوم والعتاب، وأن أصحابها كانوا ينتظرون من مالكي هذه المؤسسات المساهمة في دعم هذا الصندوق، فإذا بهم يطالبون بالاستفادة من دعمه. ولم يهدأ أوار هذا الأمر، حتى خرج وزير التشغيل محمد أمكراز، مستنكرا قيام أصحاب هذه المؤسسات بالتصريح بتوقف 48 ألف مستخدم لديها من أصل 71 ألفا عن العمل خلال شهر مارس رغم أنها قامت بتحصيل الواجبات الشهرية كاملة من الآباء، لهذا، مما زاد الطين بلة فأصبحت صورة هذا القطاع تزداد قتامة عند معظم المغاربة.
ورغم أن بعض ممثلي المدارس الخصوصية حاولوا تلميع صورة القطاع وحرصه على الحس التضامني، فبادروا إلى المساهمة في صندوق تدبير جائحة كورونا، وإصدار بلاغات تواصلية مع الآباء بخصوص إعفاء جزئي أو كلي من مصاريف التمدرس لبعض الفئات المتضررة بعد توقف الأنشطة التي كانوا يزاولونها.. حتى أنه قد تعالت الأصوات مجددا فشكل أولياء الأمور بالعديد من المدن المغربية تنسيقيات بتطبيقات التواصل الفوري، تكتلوا فيها للضغط على مالكي مجموعة من المؤسسات الخاصة، موحدين مطالبهم بخصوص مصاريف التمدرس التي تطالب بها مؤسسات التعليم الخاص، للقيام بتخفيضات عن أشهر أبريل، ماي ويونيو، توازي كلفة التعليم عن بعد في إطار مقاربة تقويم الخدمة المقدمة، خاصة وأن هذا النوع من التعليم لا يعوض التعليم الحضوري، كما تردد على لسان وزير التربية الوطنية أكثر من مرة، ناهيك على أن تقويم التلاميذ وقرارات آخر السنة قد تم حسمها من طرف الوزارة، وروعي فيه ما تم إنجازه إلى حدود 16 مارس تاريخ توقيف الدراسة. وفعلا رضخت مجموعة من المؤسسات الخاصة إلى الأمر الواقع، فبادرت إلى إقرار تخفيضات وتسهيلات، وعمل بعضها على اتخاذ خطوة استباقية خوفا من "إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض"، لكن ما زالت سياسة شد الحبل مستمرة بين مؤسسات أخرى داخلة في أولياء الأمور للوصول إلى حل يرضي الطرفين.
إن جائحة كورونا قد كشفت بعمق بأن تدبير الأزمات لا ينبغي أن يغيب عن أجندة أي مستثمر، وخاصة إن كان مستثمرا في قطاع حيوي واجتماعي كالتعليم، تحكمه علائق وتفاعلات مؤسسية وأخرى مع محيط المؤسسة، وما يظهر من جبل الثلج ما هو إلا جزء يسير، فالدولة نفسها عندما تجندت لمحاربة الجائحة شنت حربا موازية على الشائعات المرافقة لها.. فما بالك إن كان الأمر يتعلق بخرجات غير محسوبة، منشغلة بتجاوز ظرفية آنية. والحال أن الاستثمار يضع في الحسبان الربح والخسارة، ويتشبث برؤية عن بعد تستشرف المستقبل وتستخلص العبر. كما أن من الحلقات المفرغة أيضا التي أدت إلى تنسيقيات افتراضية، إلى جانب الحجر الصحي، هو عدم تحمس مجموعة من المؤسسات الخصوصية لجمعية أمهات وآباء التلميذات والتلاميذ فاعلة، تكون بمثابة جسر تواصلي بين المؤسسة والآباء، ويمكن الاعتماد عليها في تدبير مثل هذه المواقف.
ويبقى جانب آخر لا ينبغي أن نبعده أيضا عن أعيننا، وهو أن نتوقع هجرة العديد من التلاميذ والتلميذات من التعليم الخصوصي إلى التعليم العمومي في مطلع الدخول المدرسي المقبل، خاصة بعد تضرر العديد من الأسر المغربية من تداعيات جائحة كورونا.