يونس الصالحي : الحفاظ على الأمن الصحي داخل المؤسسات السجنية في ظل جائحة كورونا

يونس الصالحي : الحفاظ على الأمن الصحي داخل المؤسسات السجنية في ظل جائحة كورونا يونس الصالحي
شهد العالم عدة أوبئة كادت تجتاح البشرية، فمن مرض الطاعون إلى حمى النازفة والكوليرا إلى الانفلونزا الاسبانية والإيدز مرورا بفيروس السارس وانفلونزا الخنازير وايبولا وصولا إلى فيروس كورونا المستجد الذي ظهر في مدينة وهان الصينية أواخر سنة 2019 ، وهو من الفيروسات الخطيرة التي تصيب الجهاز التنفسي والخطيرة على صحة الإنسان تهدده في أسمى حق هو حق الحياة ، وهو ماحدا بمنظمة الصحة العالمية باعتباره فيروس خطير ووباء عالمي.
والمغرب كغيره من الدول التي عرفت انتشار هذا الفيرو ، إذ سجل أول حالة إصابة بهذا الفيروس بتاريخ 02 مارس 2020،الشيء الذي جعل الحكومة تتخذ مجموعة من الإجراءات كسن قانون الطوارئ الصحية الذي دخل حيز التنفيذ في 24 مارس 2020 من أجل تفادي انتشار هذا الوباء .
ويعد الحفاظ على الأمن داخل المؤسسات السجنية وخاصة الأمن الصحي من المواضيع التي تكتسي أهمية بالغة نظرا لأنه يتناول فئة من المجتمع لها وضع خاص ، خاصة في ظل الظرفية التي تعرفها بلادنا ، فتدبير السجون ليس بالأمر الهين ، وأن وضع الترسانات القانونية لا يحل المعضلات ، من هنا كان لابد من التطرق إلى الإطار القانوني المنظم للخدمات الصحية داخل المؤسسات السجنية ، خاصة في ظل ظهور الفيروس ببعض المؤسسات السجنية.
فكيف عمل المشرع المغربي على المحافظة على الأمن الصحي داخل هذه المؤسسات وماهي الاجراءات المتخذة لحماية السجناء من هذا الفيروس .
هذا ما سنحاول الاجابة من خلال المحورين التاليين:
المحور الأول : الأمن الصحي داخل المؤسسات السجنية بين النص القانوني والاكراهات العملية
الأمن بمفهومه العام يعني كل أسباب الطمأنينة والسكينة والاستقرار، وهو مرتبط ارتباطا وثيقا بالسلامة بمفهومها الواسع ، فهناك الأمن الغذائي، الأمن الاجتماعي ، الأمن الاقتصادي ، الأمن القانوني بالإضافة إلى الأمن الصحي الذي تعززت مكانته عندما تم تضمينه في تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سنة 1994 وذلك باعتباره أحد أركان مفهوم الأمن الإنساني، حيث جرى تحول في المفاهيم الأمنية لتستوعب التهديدات الصحية جراء الإمراض والأوبئة باعتبارها من بين اهتمامات الأمن الدولي والقومي الإنساني .
وعليه يمكن القول أن الآمن الصحي هو كل ضمانة وكل نظام يهدف إلى تأمين الخدمات الصحية دون مفاجأة .
فالأمن عموما والأمن الصحي على وجه الخصوص يكتسي أهمية قصوى ، لأنه من يعد الأهداف الرئيسية داخل المؤسسات السجنية وهو ما أكدت عليه مجموعة من القواعد الدولية التي تعنى بفئة السجناء وخاصة القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء ( قواعد نيلسون مانديلا ) والتي تنص على حماية ما تبقى للسجناء من حقوق وخاصة الحق في الرعاية الصحية والحماية من الأمراض والأوبئة، وعليه يمكن القول أن الأمن داخل المؤسسات السجنية يرتكز على عدو أسس يمكن تلخيصها فيما يلي :
مادي : أي البنايات بمعنى أن المؤسسات السجنية في شكلها وهندستها يجب أن تستجيب لمعايير تأخذ بعين الاعتبار الدور الصحي الذي يمكن أن تقوم به، وهذا ما أكدته المادة 125 من قانون 98/23 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، حينما نصت على أنه يجب أن تتوفر كل مؤسسة سجنية على مصحة خاصة تجهز بالمعدات الضرورية واللازمة على غرار ما هو موجود بمستوصفات القطاع العام لتتمكن من تقديم العلاجات والإسعافات الضرورية المناسبة للمرضى ، بالإضافة إلى توفرها على محلات لإجراء الفحوصات الطبية ومحلات صيدلية .
وعليه يمكن القول أن مسالة الأمن الصحي تستوجب أن تتوفر كل مؤسسة سجنية على مصحة تضمن مجموعة من المعدات والتجهيزات اللازمة لتفادي التأخر في تقديم الإسعافات الضرورية وانقاد السجناء المرضى من أي خطر، خاصة في ظل انتشار فيروس كورنا الذي يتطلب وجود معدات وتجهيزات من أسرة وأدوية وغيرها من المعدات الطبية اللازمة .
بشري :يعد العنصر البشري ركيزة أي مجتمع ، فتقدم المجتمعات وازدهارها مرهون بتوفرها على عنصر بشري نشيط قادر على المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، كما تظهر أهمية العنصر البشري عند الأزمات والمحن التي يمكن أن يتعرض لها الوطن وخير دليل على ذلك التضامن الذي عرفه المغرب في ظل انتشار فيروس كورونا ، حيث لاحظنا تضحيات من مختلف الفئات ( الصحة ، الأمن بمختلف تشكيلاتهم التعليم ، موظفو السجون …. ) وكما قلنا فقد تطرق القانون المنظم للسجون بالمغرب إلى موضوع الأمن داخل المؤسسات السجنية بصفة عامة والأمن الصحي على وجه الخصوص، حيث اسند القانون مسؤولية الحفاظ على الأمن والتنسيق مع السلطات المحلية لمدير المؤسسة السجنية لاتخاذ التدابير اللازمة للوقاية من الأمراض المعدية والأوبئة وخصوصا ما يتعلق باستفادة المرضى من الحجر الصحي وتطهير وتعقيم الأمتعة والفرشة طبقا للمادة 127 من قانون 23/98.
وبالتالي يمكن القول أن على مدراء المؤسسات السجنية التنسيق مع السلطات المحلية (مندوبية وزارة الصحة الولاة والعمال) من أجل القيام بالدور المنوط بهم من أجل تفادي انتشار الفيروس داخل المؤسسات السجنية.
كما نلاحظ أن القانون المذكور أعلاه أوجب أن تتوفر كل مؤسسة سجنية على طبيب واحد على الأقل ومساعدين (123 م) ، كما أنه يمكن الاستعانة بأطباء متخصصين وبمساعدين طبيين باقتراح من طبيب المؤسسة وذلك من أجل وفحص وعلاج المعتقلين ، كما أن المؤسسات السجنية تخضع لمراقبة الطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم وللتفتيش من طرف المصلحة الصحية التابعة للمندوبية العامة لإدارة السجون.
من كل ماتقدم يمكن القول أن الحفاظ على الأمن الصحي داخل المؤسسات السجنية وخاصة في ظل وجود هذه الجائحة يتطلب تجهيز المصحات بالمعدات الضرورية واللازمة وخاصة العنصر البشري ، لان هناك نقص في الأطر الطبية العاملة في السجون رغم أن الجهاز الوصي ينظم مباريات في هذا المجال إلا أن هناك فئة قليلة جدا تلتحق بهذا القطاع الحساس .
المحور الثاني : الإجراءات المتخذة لتفادي انتشار الفيروس داخل المؤسسات السجنية
منذ تسجيل أول حالة إصابة بالمغرب بتاريخ 02 مارس عمل القطاع الوصي على السجون ببلادنا لاتخاذ مجموعة من الإجراءات لتفادي انتشار هذا الوباء داخل المؤسسات السجنية التي تعرف كثافة سكانية مرتفعة ، حيث تم إحداث لجنة مركزية لليقظة بهدف التتبع الميداني للمؤسسات السجنية والتواصل مع المدراء الجهويين ومدراء المؤسسات السجنية من أجل مواكبة الوضع الصحي واتخاذ الاجراءات الفورية والتي تتناسب ومستجدات الوضع الوبائي ، بالإضافة إلى التنسيق مع مصالح الإدارة الترابية ووزارة الصحة من أجل التصدي لخطر الفيروس وبالتالي الحفاظ على امن وسلامة المعتقلين والموظفين .
كما تم في هذا السياق تعبئة الأطر الطبية والشبه طبية لاستقبال الحالات سواء كانت مؤكدة أو مشتبه فيها ، بالإضافة إلى العمل بنظام المداومة الطبية طيلة أيام الأسبوع وضمان التغطية الطبية بالمؤسسات السجنية التي لا تتوفر على أطر طبية كافية .
وللحفاظ على الأمن الصحي داخل المؤسسات السجنية اتخذت المندوبية العامة مجموعة من التدابير تهدف إلى عدم انتقال الفيروس إلى المؤسسات السجنية بحيث عملت على التوقيف المؤقت للزيارة ،التقليص من الترحيلات سواء الإدارية او القضائية ، تفعيل الإجراءات الاستباقية للحيلولة دون انتشار هذا الوباء وذلك من خلال تعقيم جميع مرافق المؤسسة السجنية والرفع من مستوى النظافة وتوفير أدواتها سواء للسجناء أو الموظفين ، بالإضافة إلى اعتماد الحجر الصحي للموظفين وإلزام كل من السجناء والموظفين بارتداء الكمامات و الألبسة الواقية لبعض السجناء واعتماد المحاكمة عن بعد .
إن الحفاظ على الأمن بالمؤسسات السجنية بصفة عامة والأمن الصحي على وجه الخصوص مسؤولية مشتركة ، لا يمكن أن تتحقق عن طريق فاعل وحيد أو قطاع منفرد ، ومن تم يعتمد النجاح في تحقيق الأمن الصحي على التعاون بين الإدارة الوصية على السجون بالمغرب والسجين وعائلته بالإضافة قطاعات الصحة والعدل والداخلية بغية الحد من انتشار الأمراض المعدية وخاصة فيروس كورونا .
فالنصوص القانونية وحدها غير كافية لضمان الأمن الصحي بالمؤسسات السجنية ما لم يكن هناك تغيير في العقليات والذهنيات .
ذ. يونس الصالحي، حاصل على الدكتوراه/ علوم قانونية