علي قاسمي التمسماني: المجالس الجهوية للجهات وتدبير أزمة كورونا

علي قاسمي التمسماني: المجالس الجهوية للجهات وتدبير أزمة كورونا علي قاسمي التمسماني

لا شك أن دستور 2011 بَوَّأ الجهة مكان الصدارة بين باقي الجماعات الترابية الأخرى، وأسند لها اختصاصات متعددة، لتحقيق هدفين رئيسين، وهما: تخفيف العبء عن المركز، وتكريس الديمقراطية المحلية.

 

وإذا كانت المناظرة الوطنية الأولى حول الجهوية المتقدمة المنعقدة بأكادير في أواخر سنة 2019، قد حكمت على المجالس الجهوية بالفشل ولم تفلح في مرحلتها التأسيسية، فإن هذه الجائحة كشفت عن الغياب التام لهذه المجالس، ولم نسمع لها رِكْزاً منذ بداية الوباء إلى حدود كتابة هذه السطور؛ فنحن نتساءل: لماذا لا تقوم كل جهة بتقديم خريطتها الوبائية كل يوم وإعلانها لعموم المواطنين على مواقعها الإلكترونية المعطلة حتى في الأيام العادية؟ لماذا ننتظر مدير الأوبئة حتى الساعة الرابعة مساءً ليخبرنا بالمستجدات الوبائية؟ أين هو التواصل مع الساكنة الجهوية وإشراكها في المعلومات المتوصل إليها؟ لماذا لا تتكفل الجهات بأطبائها وممرضيها على مستوى النقل والإيواء والتغذية؟ لماذا لا يتم إنشاء صناديق جهوية خاصة بالجائحة على غرار الصندوق الوطني إذا كنا نتحدث عن جهوية متقدمة حقيقية؟ أين هو دعم المقاولات والفئات الفقيرة؟ لماذا لا يتم تحويل بعض الفصول من ميزانية الجهات المخصصة للمهرجانات وشراء الهدايا إلى قطاع الصحة في هذه الظرفية العصيبة؟ أين هي لجان اليقظة الجهوية...؟، لماذا لا يتم التخفيف من حالة الطوارئ في بعض الجهات الخالية من الوباء لتمارس نشاطها ويعود نفعها على الجهات الأخرى؟ هذه الأسئلة وغيرها لم نجد لها جوابا عمليا يُترجم المفهوم الجديد للجهوية المتقدمة.

 

كل ما فعلته المجالس الجهوية خلال هذه المرحلة أنها تبرعت لفائدة الصندوق الخاص بجائحة كورونا بـ 150 مليار سنتيم، ولكن هذا يؤكد القاعدة التي سبق ذكرها ولا ينفيها، فهذه الأموال في الأصل تم تحويلها من الميزانية العامة للدولة إلى الجهات لتحقيق التنمية المحلية ومحاربة الفوارق الاجتماعية، فما معنى أن تُرَدَّ مرة أخرى إلى المركز؟ أليست قادرة على صرفها وتصريفها؟

 

إن المشرع المغربي طالما يؤكد على تميز نظام المجالس الجهوية بالسرعة والفعالية في حل المشاكل المحلية، فهو يمكن من اتخاذ المبادرات المتعلقة بالشأن الجهوي في الآجال المعقولة نظرا لوجود الأجهزة المختصة في عين المكان مما يسهم في تقريب الخدمات من المواطنين.

 

كما أنها تمكن من تحقيق نوع من التوازن في توزيع الموارد الوطنية، لأن المداخيل الضريبية يتم توظيفها بطريقة تمكن المجالس الجهوية من الحصول على الموارد المالية التي تقتضيها ضرورة مواجهة الشؤون التي تخصها.

 

وبناء على هذا، فإن المجالس الجهوية تجعل إدارة المرفق العام مطابقا لحاجيات الأفراد، لأن الهيأة المنتخبة تنتمي إلى نفس الجهة، وتكون أدرى من غيرها بحاجيات الأقاليم، وإدارة مرافقه بطريقة تحقق رغبات السكان، الشيء الذي لا يتحقق عندما يقوم بهذه المهمة موظفون ينتمون إلى المركز.

 

وإذا كانت القوانين تعترف بهذه المزايا للمجالس الجهوية، فلماذا لجأت وزارة الداخلية إلى إصدار دورية تمنع من خلالها انعقاد مجالس الجماعات الترابية وتجميد أنشطتها إلى حين الإعلان عن رفع حالة الطوارئ الصحية، أو اللجوء إلى السلطة الوصية المتمثلة في الولاة والعمال عند الاقتضاء.

 

كما أن المرسوم المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا-كوفيد 19، لم يُشر من قريب أو بعيد للمجالس الجهوية، ولم يُسمح لها حتى بتنزيل قرار دعم الأسر الفقيرة باعتبارها أقرب للمواطنين مقارنة مع الحكومة المركزية، وتتوفر على خريطة اقتصادية واجتماعية قريبة جدا من الوضعية الحقيقية للأسر، وتمتلك المعرفة المباشرة بالواقع. في حين أسند لولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، بموجب الصلاحيات المخولة لهم طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية، جميع التدابير التنفيذية التي يستلزمها حفظ النظام العام الصحي في ظل حالة الطوارئ المعلنة، سواء كانت هذه التدابير ذات طابع توقعي أو وقائي أو حمائي، أو كانت ترمي إلى فرض أمر بحجر صحي اختياري أو إجباري، أو فرض قيود مؤقتة على إقامة الأشخاص بمساكنهم، أو الحد من تنقلاتهم، أو منع تجمعهم، أو إغلاق المحلات المفتوحة للعموم، أو إقرار أي تدبير آخر من تدابير الشرطة الإدارية.

 

نستخلص مما سبق أن ممثل الدولة والحكومة (الوالي أو العامل)، هو صاحب القرار في الجهة، وهو رئيسها الفعلي، بينما رئيس المجلس الجهوي المنتخب ما هو إلا رئيس المجلس الجهوي وليس رئيس الجهة، حيث لا توازن بينهما في الاختصاصات وتنفيذ القرارات، والتي تبقى في النهاية لصالح الولاة.

 

- علي قاسمي التمسماني، باحث في القانون العام