محمد حمزة : أزمة كورونا بين أعطاب التعليم عن بعد وفشل التعليم عن قرب

محمد حمزة : أزمة كورونا بين أعطاب التعليم عن بعد وفشل التعليم عن قرب محمد حمزة
أعلنت منظمة اليونسكو، أنه نظراً لإغلاق المدارس بسبب كوفيد-19 فقد تأثّر 87٪ من الطلاب فى العالم ، فقد ألحق إغلاق المدارس بسبب هذا الفيروس الضرر بأكثر من مليار ونصف المليار متعلّم موزّعين على 165 بلدا.
ولأجل ذلك تم إطلاق تحالف عالمى للتعليم، لدعم الدول فى توسيع نطاق أفضل حلول التعلّم عن بعد، والوصول إلى الأطفال والشباب الأكثر عرضة للخطر.
قام المغرب بإجراءات استباقية للحد من انتشار الوباء كورونا، وأعلنت حالة الطوارئ الصحية ومنع السفر،وتم إيقاف التعليم،.أغلقت على إثر هذه القرارات المدارس والجامعات،وقد عمل المغرب على استمرار العملية التربوية باعتماد مبدأ الاستمرارية البيداغوجية وذلك على أساس تعويض التعليم الحضوري بالتعليم عن بعد، لكن عملية هذا التعليم لم يكسف الصعوبات التي تنتابه والعراقيل التي تواجهه فحسيب؛بل عرّت أيضا عيوب نظامنا التعليمي.
استنجدت الجامعة المغربية والتعليم العالي بالتعليم عن بعد في محاولة لإنقاذ الموسم الدراسي، معلنة عن مواقع خاصة تتيح للطلبة متابعة دروسهم، أو عن الاستنجاد بوسائل الإعلام الجماهيري، في موضع اجتماعي واقتصادي و سياسي متأزم.
أتى هذا التعليم عن بعد في وقت فشل فيه التعليم عن قرب(التعليم الحضوري) من جهة، وممارسة استثنائية بدون تصور ولا برنامج يجيب عن الفوارق المجالية والاجتماعية من جهة أخرى؛ لأن التعليم عن بعد يتطلب توفر كل طالب أو طالبة على الحاسوب والانترنيت بصبيب كاف على الأقل .
ومن الأعطاب الأولية لهدا التعليم هو غياب الدعم الاجتماعي للطلبة لمواكبة هدا النوع من التعليم من جهة وعدم تعميم الكهرباء والأنترنيت في القرى والبوادي المغربية .
فإذا ما استثنينا توفير الجامعات للمنصات الإلكترونية غير الكافية نظرا للاكتظاظ وعدد الطلبة المرتفع في السنوات الأولى والثانية بالرغم من اعتماد مبدأ التفويج في المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح؛ فإن الأستاذ ترك لوحده يدبر هده العملية بدون إمكانيات وبدون مواكبة، مما أنتج ارتباكات في عملية التعليم عن بعد، والذي هو أقرب إلى التعليم عبر الإنترنيت نظرا لضعف البنية المادية والبشرية والتكنولوجية،وضعف كبير في استخدام وتوظيف التكنولوجيا المعلوميات والاتصال . زيادة على نمط التعليم السلمي غي مؤسساتنا التي لا تؤهل الطلبة للتعليم الذاتي وانتشار ظاهرة الدروس الخصوصية في التعليم العالي .
إن رفع تحديات الثورة المعرفية والتكنولوجية وتحديات العولمة، يحتاج إلى جامعة وطنية حيوية ومنتجة، وإلى وسط جامعي يلعب أدواره الأكاديمية بدقة وصرامة؛ ليقود من جهة إلى انخراط البلاد في الثورة المعرفية الكونية،وليمارس من جهة ثانية وظيفته النبيلة باعتباره ضميرا نقديا للشعب،ولا ريب في أننا أمام مشهد للتعليم العالي يعكس أزمة بنيوية عميقة على المستويات الهيكلية والمؤسساتية والعلمية والبيداغوجية تتطلب تحديد المشروع المجتمعي البنيوي والديمقراطي .
للأسف فإن تاريخ إصلاحات التعليم هو تاريخ مراكمة الإخفاقات، فجميع الإصلاحات تعاملت مع أزمة التعليم بشكل تقني تمس نظام الامتحانات، وسنوات التكوين، وأدوات التقويم، مساطر التوجيه...أما المضامين المعرفية فلم يتم المساس بها إلا بشكل طفيف وسطحي؛ إذ يغيب عنها التصور الشامل،وهذا يعود إلى المقاربة التقنوية وانفراد المتحكمين باتخاذ قرارات مصيرية، وتهميش لقوى المجتمع ومختلف المؤسسات والهيئات التي لها علاقة بقطاع التعليم.
فمسار الإصلاحات البيداغوجية في أغلب الأحيان استنساخ لنماذج أجنبية تفرضها مكاتب الدراسات،بدون مجهود لهيكلة الحقول المعرفية، والتي لم يتم التساؤل عن مدى مواكبتها للتطور العلمي والتقني الهائل الحاصل في العالم.
فالأولوية هي الاستجابة للثورة المعرفية والتكنولوجية بما يمكن الجامعة الوطنية من أن تندرج إيجابا في المستويات الحالية للمعرفة والتكنولوجيا الإنسانية، وذلك لتجاوز تأخرنا التاريخي بالعلم والمعرفة، وإدخال التكنولوجيا الحديثة في المنظومة التعليمية من التعليم الابتدائي إلى التعليم العالي، لتغيير الطرق التقليدية للتدريس وتحسين مساهمة التعليم في التوعية وزيادة فعاليته لمواجهة مشكلات التغييرات المعاصرة وترتيب الأفكار والتنظيم وتنمية القدرة على التأمل والتفكير العلمي الخلاق.
إذا كان التعليم الإلكتروني الحديث يعتمد على استخدام الوسائط الإلكترونية وشبكة المعلومات الدولية العنكبوتية "الإنترنيت" و"الأنترانيت" و"الأيباد"و"الإساتيلات". فالمطلوب هو تغيير مناهجنا من أجل ثورة معرفية وتكنولوجية تؤهل مجتمعنا للانخراط في مجتمع المعرفة وإحداث مختبرات للابتكار، وإنتاج الموارد الرقمية، وتكوین مختصین في ھذا المجال،وتعميم شبكة الأنترنيت، وتمكين الطلبة في المدن والبوادي من الحواسب.
يجب إدماج التعليم الإلكتروني تدريجيا في أفق تعميمه، واستثمار الموارد البشرية المواكبة لحركية العالم الرقمي، والمنفتحة على حاجات العصر ومتطلبات التنمية الاجتماعية المستدامة .
تعبئة كل الشركاء أفرادا ومؤسسات للنهوض بهذا الورش الوطني، الذي يعتبر مدخلا للنهضة، وسبيلا للتقدم وتطویر التعلم عن بعد، باعتباره مكملا للتعلم الحضوري.
وهناك فرق بين التعليم الإلكتروني بحضور الأستاذ(ة) والتعليم عن بعد؛ فالتعليم الإلكتروني بحضور الأستاذ هو القاعدة والضامن لتكافؤ الفرص؛ لأن التعليم عن بعد زيادة على كونه حاجة مؤقتة لتطبيق الطوارئ الصحية في زمن كورونا،فإنه يضرب مبدأ المجانية ولا يضمن العدالة في الولوج إليه، ولا يضمن المساواة وتكافؤ الفرض بين الطبقات الاجتماعية وفي مختلف جهات المغرب ومراعاة الفروق الفردية، لتجاوز الحصيلة الهزيلة المحققة إلى حد الساعة والحرص كي لا يتحول هذا التعليم عن بعد إلى سوق تعليمية حرة .
زيادة على غياب الإنصاف وتكافؤ الفرص هناك أيضا ضعف المردودية للتعلم عن بعد، ففي دراسة لمركز السياسات الوطنية التعليمية في الولايات المتحدة أوصت عام 2019 بوقف أو تقليل المدارس الرقمية في البلد حتى غاية التأكد من أسباب ضعف مردودها الذي ظهر جلياً في خلاصات الدراسة، مقارنة بالمدارس التقليدية.وفي تصريح لغوزيلا، رئيسة جامعة ETH في زيوريخ، إن التفاعل بين الطلبة والمشرفين عليهم في فضاء جامعي حقيقي صغير، هو مفتاح التعلّم العميق، فيما تقول يانغ هاي وين، من جامعة الطب في غوانزو الصينية، إن التعليم الرقمي يؤدي إلى تخريج طلبة أقل كفاءة ويخلق الإحباط في التواصل بين الأشخاص.