"المغرب الذي كان".. الريسولي يأسر مبعوث السلطان الحراب "ماك لين" (26)

"المغرب الذي كان".. الريسولي يأسر مبعوث السلطان الحراب "ماك لين" (26) هشام بنعمر بالله (يمينا) والشريف الريسولي

اختارت جريدة "أنفاس بريس" طيلة شهر رمضان أن تقدم لكم بعض المقتطفات من الترجمة العربية التي قام بها الأستاذ هشام بنعمر بالله لكتاب "المغرب الذي كان" للصحفي البريطاني "والتر هاريس" الذي عاش في طنجة ما بين سنتي 1887 و 1921 وعاصر أهم الأحداث التاريخية التي عاشها المغرب نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

الكاتب والصحفي البريطاني "والتر هاريس" ولج البلاطُ الحسني بوساطة من الحراب البريطاني "السير ماك لين" الذي استقدمه السلطان الحسن الأول لتطوير الجيش المغربي.

كان يتستر تحت غطاء الصحافة مراسلاً صحفياً لجريدة "التايمز" في طنجة لمزاولة مهام استخباراتية دنيئة، وخدمة المصالح القنصلية البريطانية والفرنسية حيث رافق الكثير من السفارات الاوروبية إلى البلاط المغربي. وخلال مقامه الممتد في المغرب ما بين 1887 و1921 بالمغرب ظلَّ يتقرب من مختلف الدوائر والمؤسسات المؤثرة في مغرب نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وقد عاصر ثلاث سلاطين وتمكن من نسج علاقات مع مكونات المجتمع المغربي (وزراء وموظفو المخزن الشريف، وشيوخ القبائل والزوايا الدينية بالإضافة الى اللصوص وقطاع الطرق، وعموم الناس)...

الكتاب حسب المترجم "يرسم صورة قاتمة عن نهاية المخزن المغربي (التقليدي) أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وسقوط المغرب في قبضة القوى الاستعمارية الغربية. سقوط يسعى الكاتب من خلال مؤلفه المذكور (المغرب الذي كان) بقليل من الموضوعية إلى تبيان أسبابه ومظاهره بأسى شديد". ونشر الكتاب لأول مرة باللغة الانجليزية تحت عنوان مثير (Moroccothatwas) الذي ارتأى الأستاذ هشام بنعمر بالله ترجمته بالعربية ب (المغرب الذي كان)، عن دار النشر William Blackwood And Son  بلندن سنة 1921 بينما صدرت ترجمته الفرنسية عن دار بلونPlon  سنة 1929 لبول اودينوPaul Odinot  تحت عنوان طويل :

Le Maroc disparu (Anecdotes sur la vie intime de MoulyHafid, de Moulay Abd El Aziz et de Raissouli)

وقد اعتمد الأستاذ هشام بنعمر بالله في الترجمة بالأساس على النسخة الفرنسية التي ذكرناها مع الرجوع، في أكثر من مرة، إلى النسخة الأصلية باللغة الانجليزية كلما بدا له الأمر ضرورياً لتصحيح الترجمة العربية لتبدو أمينة قدر الإمكان. واختار لها عنواناً "المغرب الذي كان" لأسباب لا يسمح المقام للخوض فيها ومناقشتها.

 

تَمَّ عقدُ (لقاءٌ) سريٌ مع "الريسولي" قرب حدود قبيلة "أهل الشريف"، على بعد بضعة أميال من القصر [الكبير]، وهناك التقى الشخصان. عندما أُحيط الريسولي علماً بمقترحات السُّلطان، أعلن أنَّهُ قبل بها، واقترح العودة إلى فاس. لكنه يُريد، حسب قوله، المغادرة دون إبطاء وإذا رغب "ماك لين" في اصطحابه إلى القرية التي يقيمُ بها معسكره، ومنها يُغادران في اليوم (اللَّاحق) إلى فاس. قبل القائد "ماك لين" بالعرض، وولج الجبل مع مضيفه. غير أنَّه لم يغادر في اليوم الموالي لأنَّهُ أَلفى نفسهُ أسيراً، ومكث ستة أشهر في الأسر، عانى خلالها من سوء المعاملة.

 

من بين جميع المفاوضات التي تمَّت مع "الريسولي" لتسريح الأسرى عندهُ، كانت تلك المرتبطة بالحرَّاب "ماك لين" الأكثر صعوبة.

 

طالب "الريسولي" بفدية غير معقولة، ويحتمل أن يكون هناك حوالي عشرين شخصاً يُفاوضون لحسابهم (الشَّخصي) بينما يبدُل "ماك لين" نفسهُ كل ما في وسعه، والأمر جدُّ عادي، للحصول على حريته.

 

كانت النتيجة  المزيد من الالتباس والخلاف، والمسافة بين طنجة و المكان الذي يحتجزُ فيه "الريسولي" أسيرهُ يزيدُ الأمر خُطورة.

 

لو تركت القضيَّة في يد السِّير "لُوثير" [Sir Lowther] ، الذي كان آنذاك ممثل بريطانيا في المغرب، فمن الأكيد أنَّه سيفرجُ عن القائد "ماك لين" في أسرع وقت.

 

كلما اقتربت المُفاوضات من نهايتها، يتم تقديم (عروض) جديدة من طرف أشخاص غير مخول لهم الأمرُ، مما يعيق تحقيق الخطة الرسمية.

 

في نهاية الأمر حصل "الريسولي" على عشرين ألف جنيه استرليني، وأصبح (يتمتعُ بالحماية البريطانية). بالإضافة إلى ذلك، تَمَّ منحهُ العديد من الامتيازات الأخرى.

 

تَمَّ إطلاق سراح ماك لين. الجانب السَّارُ (اللطيف) في أعمال (اللصوصيَّة) كان الثقة المطلقة التي كانت عند الريسولي في (كلمة) التزام  الحكومة البريطانية، وعموماً في جميع الرَّعايا الانجليز.

 

بعد بضع سنوات عندما (زارني) السُّلطان الأسبق "مولاي عبد العزيز" الذي تنازل للتَّو على العرش في مقر إقامتي بطنجة، عرضتُ عليه وثيقتين بالعربية. الأولى عبارة عن ظهير (سلبهُ) الرَّيسولي من السُّلطان في أثناء الإفراج عن "برديكاريس" والذي عين بموجبه باشا على مدينة طنجة، والثانية كانت وثيقة تعيين "الريسولي" عاملاً على ذات القبائل من لدن "بوحمارة".