سعيد بعزيز: في حاجة إلى الوضوح

سعيد بعزيز: في حاجة إلى الوضوح سعيد بعزيز
منذ حوالي عشرة أيام استقبلت القناة الأولى رئيس الحكومة، في حوار مطول لم يأت فيه بجديد، لكونه لم يكون يتوفر آنذاك على تصور جاهز لطريقة رفع الحجر الصحي من جهة أولى، ولا على تصور لطريقة تدبير الأمور فيما بعد الجائحة من جهة ثانية، لكن في ذات الأسبوع خرج أعضاء الحكومة، يتحدثون عن تصورات قطاعية لما بعد الجائحة، من بينها قطاعا الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي، والتربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، كما طالب قطاع الصحة من المواطنات والمواطنين اتخاد الحيطة والحذر جراء استمرار مؤشرات نسبة انتشار الفيروس فوق 1%.
لماذا لم يقدم رئيس الحكومة الأفكار التي قدمتها أعضاء حكومته؟ أم الأمر يتعلق بسؤال الرئاسة الفعلية والشكلية، ما دامت حكومته "كلها يلغي بلغاه"؟
ستأتي محطة أخرى، لكن هذه المرة حزبية، ترأس فيها اجتماعا للأمانة العامة، وطالب، أي رئيس الحكومة، من خلال بيان حزبه الصادر يوم السبت 16 ماي 2020 بالحاجة لرفع الحجر الصحي باعتباره ضرورة اقتصادية واجتماعية ونفسية، فطالب الأمين العام للحزب من رئيس الحكومة أن يرفع الحجر قبيل يومين من حضوره للبرلمان.
لكن نهاية ذات الأسبوع، لم تكن على ما يرام، حيث أكدت وزارة الصحة على أن تمديد حالة الطوارئ الصحية والحجر الصحي ضرورة لا مفر منها، من أجل الحفاظ على فعالية الإجراءات والتدابير المتخذة لمواجهة تفشي فيروس كورونا ـ كوفيد 19، ولكون المنظومة الصحية ببلادنا لا تتوفر على طاقة استيعابية مؤهلة، لتتحمل ارتفاع حالات الإصابات المحتملة والناتجة عن إجراءات رفع الحجر الصحي، ومن جهتها المندوبية السامية للتخطيط كشفت في تقرير لها عن السيناريوهات الثلاثة الممكنة لرفع الحجر الصحي أو تخفيفه تدريجيا، وانعكاساته الخطيرة، حال غياب الإجراءات الاحترازية والاحتياطات الضرورية للحد من تفشي الفيروس.
فهل أصدر بيان حزبه وهو يعلم أنه سيعلن في البرلمان عن تمديد الحجر الصحي؟ وهل هذا السلوك من صفات رجل الدولة؟
مرة أخرى، لم يكن رئيس الحكومة على دراية بهذا، مما جعله مطالبا بالتأقلم مع المعطيات الجديدة، قبل تقديمه لبيانات تتعلق بـ"تطورات تدبير الحجر الصحي ما بعد 20 ماي" في إطار اجتماع مشترك لمجلسي البرلمان المنعقد من أجل الاستماع إلى التصريحات التي يقدمها رئيس الحكومة، استنادا على مقتضيات الفصل 68 من الدستور.
رئيس الحكومة، في كلمته أمام البرلمان، لم ينس مطلبه الرامي إلى رفع الحجر الصحي باعتباره ضرورة اقتصادية واجتماعية ونفسية، خاصة أنه يعرف جيدا تداعياته الصحية على المستوى النفسي، لكنه في الوقت نفسه فهو مطالب بإقناع نفسه ليتراجع عن مطلبه الحزبي، لذلك قال إن الوضعية الوبائية ببلادنا متحكم فيها، ولكن غير مطمئنة، من حيث معدل التكاثر واستمرار بروز بؤر وبائية عائلية وصناعية بين الفينة والأخرى في عدد من المناطق، وكذا تسجيل بعض أوجه التراخي، مع الأسف، في احترام مقتضيات الحجر الصحي، مما قد يسبب في انتكاسة لا يمكن تحملها، كما لا نقبل ـ يقول الرئيس ـ أن نجازف بالمكتسبات التي راكمناها بتضحيات مقدرة من الجميع، طيلة المرحلة السابقة للحجر الصحي. 
ليخرج متراجعا عن مطلب رفع الحجر الصحي، بعدما ألقى كلمة مطولة جدا، أعلن من خلالها على فكرتين جديدتين فقط، الأولى تتعلق برسمية تحديد مدة ثلاثة أسابيع لتمديد حالة الطوارئ الصحية والحجر الصحي، والثانية بالبدء في العمل على إعداد مشروع قانون المالية التعديلي، أما دون ذلك فكان متداولا من قبل.
لكن المؤسف، أن هذا التمديد لم يراع تداعيات الجائحة على المستوى الاجتماعي، سيما ما يتعلق بالدعم الاجتماعي الموجه للأسر الفقيرة والهشة والمستهدفة عن طريق نظام التغطية الصحية "راميد"، والتي لم تتوصل به، فالعديد من المعوزين والأشخاص في وضعية إعاقة والمعطلون أيضا تم حرمانهم، بدعوى أن الإقصاء كان محليا بناء على تقارير السلطات المحلية، لترمي الحكومة مرة أخرى اللوم على المنظومة المحلية، بعدما أكدت في وقت سابق أن المعيار الوحيد هو التسجيل بالنظام المذكور خلال شهر دجنبر 2019، فلم يوضح كيفية إيصال المساعدات للفئات الفقيرة والهشة التي لا زالت تنتظر، ولم يتحدث عن المغاربة العالقين...إلخ.
وإن كان الايجابي في كلمته، أنه كشف للعموم تلقيه درسا تاريخيا من الاحتجاجات التي اندلعت ضد مشروع قانون رقم 22.20 يتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، من خلال إعلان عودته إلى الصواب واللجوء إلى اعتماد مبدأ التشارك في المحطات المقبلة، للحيوية التي أبان عنها المجتمع المدني عامة، والشباب خاصة، وبالتالي إخضاع أوراش عديدة، إلى سلسلة من المشاورات مع القوى الوطنية من أحزاب سياسية ومركزيات نقابية وجمعيات مهنية وغيرها، من قبيل إعداد مشروع قانون المالية التعديلي، ودعم الصناعة الوطنية للاستجابة للحاجيات الذاتية، وتجربة التعليم عن بعد، وتشجيع البحث العلمي وروح الابتكار... ابتداء من الأسبوع المقبل، باعتبارها أوراشا وطنية تحتاج إلى انخراط جماعي، وتعبئة رأي الجميع، فإنه لم يكن في مستوى تطلعات المواطنات والمواطنين.
نعم، نقبل بالحجر الصحي حفاظا على فعالية الإجراءات والتدابير المتخذة لمواجهة تفشي هذا الفيروس، لكن لابد من توفير الأرضية عبر تمكين جميع الأسر الفقيرة والهشة من الدعم، والوضوح ثم الوضوح مع المواطنات والمواطنين، تبعا للتوجيهات التي أعطاها جلالة الملك الرامية إلى التزام الحكومة بالتعامل بشفافية بخصوص كل الإجراءات التي تهم التعاطي مع "فيروس كورونا".