حين تآمر اليسار واليمين الديني على اغتيال المدرسة العمومية

حين تآمر اليسار واليمين الديني على اغتيال المدرسة العمومية

في عام 1973 كانت كوريا الجنوبية في وضع أسوأ من المغرب، سواء من حيث الناتج الداخلي الخام أو من حيث مستوى التعليم والرخاء الاقتصادي، بحكم أن كوريا الجنوبية خرجت آنذاك من حربين: آثار الحرب الباردة بين القطبين السوفياتي والأمريكي من جهة، وآثار حرب التقسيم مع كوريا الشمالية من جهة ثانية.

 

ولما استتب الأمر للقيادة الكورية الجنوبية تم رسم سقف نهاية الثمانينات لإخراج البلاد من التخلف وإدخالها إلى نادي الدول الصاعدة اقتصاديا وتكنولوجيا وعلميا. وبالفعل تم اليوم ربح الرهان، لأن كوريا الجنوبية راهنت منذ الأول على التعليم، فكانت الأجيال التي ولدت بعد عام 1973 هي الرأسمال الحقيقي لكوريا الجنوبية، وتم تكوينها تكوينا جيدا.

 

ولما بلغت سن الرشد المدني كانت هذه الأجيال هي الرافعة التي رفعت كوريا الجنوبية إلى الأعلى، لدرجة أنه لا يخلو منزل بالعالم من منتوج مصنوع بكوريا الجنوبية (هاتف، ألة تصبين، تلفاز، آلة عصير...). كما لا تخلو مصانع العالم من قطع الغيار أو محركات مصنوعة من طرف شركات كورية (سيارات، سفن، صناعة حربية، مفاعلات نووية، وهندسة صناعية..).

 

في المغرب يمكن أن نعتبر سنة 1998 هي الساعة الصفر التي كان على المغرب أن يحقق من خلالها وثبته على غرار ما اعتمدته كوريا الجنوبية عام 1973.

 

فمنذ تلك السنة تعاقب على قطاع التعليم كل من إسماعيل العلوي وعبد الله ساعف والحبيب المالكي واخشيشن ولطيفة العابدة (وكل هؤلاء يساريون أو ذوو ماضي يساري تقدمي مثل اخشيشن). وإذا احتسبنا المدة التي قضاها هؤلاء الوزراء (وهم من نفس المتن الفكري ومن نفس العائلة التقدمية)، نجد أنها تصل إلى 13 سنة. وهي فترة كانت كافية كي يكون للمغرب اليوم جيش هائل من المتعلمين المكونين بشكل جيد. ففي عام 1998 كانت مسجلة في الأقسام المدرسية حوالي 6 مليون تلميذ، وإذا علمنا أن فترة الدراسة الابتدائية والاعدادية والثانوية هي 12 سنة آنذاك بمعنى أن من ولج للمدرسة في عهد إسماعيل العلوي بلغ سنه اليوم 26 سنة، وهي السن الفضلى للمساهمة في نماء البلد وفي تجويد نمط عيشه وفي تحصين الفرد ضد كل الانزلاقات (دينية أو مخدرات أو تراخي في العمل أو تحلل من المواطنة...إلخ).

 

بمعنى أن إسماعيل العلوي ومن تولى حقيبة التعليم من بعده (ساعف، المالكي، واخشيشن، والعابدة) حرموا المغرب من أن يتوفر اليوم على خزان هائل من الشباب المتعلم والمزود بتربية صالحة، خاصة وأنه إذا أحصينا ستة ملايين كل عام معناه أن المخزون Le STOCK من المواطنين الصالحين والمتعلمين سيكبر منذ عام 2011 إلى الآن.

 

لكن للأسف أضعنا الفرصة الذهبية، بل وتم إجهاضها أكثر مع مجيء المهرج محمد الوفا لوزارة التعليم، وتبعه التائه رشيد بلمختار، ثم المعزول محمد حصاد، وحاليا أمزازي "وزير المتوجات"، فخسرنا للأبد فرصة الانطلاق، على الأقل لمدة 50 سنة قادمة. وهذا ما يفسر لماذا زحف المد الأصولي الظلامي على البلاد ولماذا قل الإنتاج وضعف الوفاء في العمل وسادت السلوكات البربرية في الشوارع وفي الأحياء؛ ولهذا تأخر المغرب على كوريا وسنغافورة وماليزيا وغيرها من الدول التي كانت في مرتبة أضعف من المغرب.

 

ومع تجديد الولاية للأصوليين في انتخابات 2016، ازدادت مخاطر إطالة التخلف بالمغرب لـ 20 سنة إضافية أخرى لأن الأجيال التي «ضبعت» منذ 2012، ستضاف لها أجيال السنوات القادمة في «التضبيع والتجهيل» بعد ضرب المدرسة العمومية من طرف اليسار ومن طرف اليمين الديني.